مخاوف فلسطينية من تحوّل مقامات إسلامية إلى بؤر استيطانية

داخل بلدة «كِفْل حارس» إلى الشمال من محافظة سلفيت شمال الضفة الغربية، حملت جدران أضرحة ومقامات إسلامية تاريخية عبارات عنصرية باللغة العبرية، خطها المستوطنون الذين يقتحمون تلك الأماكن الأثرية ليلاً ونهاراً، والتي تحمل العداء للفلسطينيين ومقدساتهم، أبرزها، «الموت للعرب».

وتحتضن بلدة «كِفْل حارس» مقامات «يوشع»، و«ذو النون» و«ذو الكفل» الإسلامية، وداخل الجارة محافظة نابلس، يوجد العديد من المقامات والمزارات الدينية شرقاً وجنوباً، فيما يزعم المستوطنون أن هذه المقامات يهودية، ويمارسون السلوكيات العدائية والتعسفية ضد الفلسطينيين، بغرض السيطرة عليها، وفرض الروايات المزعومة على تاريخ هذه الأماكن المقدسة.

مزاعم

في المقابل، ينفي الفلسطينيون تلك المزاعم، ويؤكدون أن هذه المقامات إسلامية، وقد شهدت إقامة الصلوات بداخل باحاتها حتى ستينات القرن الماضي، ففي داخل هذه المقامات محاريب للصلاة، وأضرحة، يقول السكان إنها إسلامية، ويظهر ذلك واضحاً وجلياً من طريقة الدفن.

تثبيت المستوطنين

أمام الاعتداءات الاستيطانية المستمرة، يتخوف الفلسطينيون من تحويل مقامات إسلامية تقع في بلداتهم منذ مئات السنين إلى بؤر استيطانية، نتيجة تعرّضها لاقتحامات متكرّرة من قبل آلاف المستوطنين تحت حماية الجيش الإسرائيلي، بدعوى إقامة طقوس دينية في مقامات تاريخية تعود إلى زمن صلاح الدين الأيوبي، مثل مقام «يوشع» في «كِفْل حارس»، وأخرى شيّدت في عهد المماليك مثل «مقام السبعين شيخاً» في بلدة «عورتا» جنوب مدينة نابلس.

ففي «كفل حارس» يعيش 4500 فلسطيني حالة ذعر شديدة عندما يداهم المستوطنون بلدتهم، لتتحوّل إلى ثكنة عسكرية، جرّاء انتشار قوات الاحتلال لتأمين دخول وخروج المستوطنين لتأدية طقوسهم التلمودية، كما يزعمون، داخل المقامات والمزارات الدينية، لتنتهي الحال بالاعتداء على السكان داخل بيوتهم، برشقهم بالحجارة، وتوجيه الشتائم المعادية للفلسطينيين، وذلك بحسب الباحث في شؤون الاستيطان بسلفيت، خالد معالي.

ويقول معالي لـ«الإمارات اليوم»، في حديث خاص: «إن استهداف المقامات الإسلامية في محافظة سلفيت، وتحديداً بلدة (كِفْل حارس) لا يتوقف من قبل المستوطنين، إلى جانب محاولاتهم لتزوير أسماء تلك المقامات وحضارتها الأثرية القديمة».

ويشير الباحث في شؤون الاستيطان إلى أن المقامات الإسلامية في «كِفْل حارس» كانت قبل احتلال عام 1967 تشهد إقامة مهرجانات فلسطينية واحتفالات دينية، ومازال في داخلها محاريب للصلاة تجاه القبلة.

ويمضي معالي بالقول: «إن الاحتلال يخلق تاريخاً مزيفاً، من خلال نشر روايات كاذبة، لتثبيت أقدام المستوطنين فوق الأرض الفلسطينية، ومصادرة مساحات شاسعة من الدونمات داخل بلدات الضفة الغربية، لمصلحة التمدد الاستيطاني، والتضييق على السكان لإجبارهم على الرحيل القسري».

ويلفت إلى أن إسرائيل هوّدت أسماء مقامات إسلامية عدة في الضفة الغربية، ويحظر على الفلسطينيين دخولها، إلى جانب تعميم الاحتلال روايات غير حقيقية عبر المرشدين السياحيين، لقلب الحقائق، وتغيير الروايات التاريخية للمقامات الإسلامية، من أجل الوصول إلى الهدف الأسمى، وهو طمس الهوية الفلسطينية العربية.

اعتداءات وتخريب

بالانتقال إلى بلدة عورتا في ريف نابلس الجنوبي، التي يقطنها 7500 نسمة، يتناسق جمال الطبيعة الخضراء مع امتداد عمراني أثري لا ينتهي على مرمى البصر، حيث أضرحة وقباب وأقواس ومنافذ صممت بأشكال هندسية متقنة، لتزيّن مقامات دينية إسلامية، شيّدت في العهدين المملوكي والأيوبي.

ولكن الاحتلال، يأبى لهذا الجمال أن يكتمل، فهذه المقامات الدينية لم تسلم من اقتحامات الجماعات الاستيطانية، وعمليات التخريب التي طالت الأضرحة وشواهدها، وذلك بحسب الباحث في التاريخ الفلسطيني والناشط ضد الاستيطان في عورتا، الشيخ عبدالسلام عواد.

ويقول عواد متسائلاً: «إن المستوطنين يزعمون أن اقتحام المقامات الدينية بغرض تأدية طقوس دينية تلمودية، فهل من أبجديات الطقوس تحطيم القبور وشواهدها، وتخريب المقامات وجدرانها؟!».

ويضيف: «إن (عورتا) تحتل المرتبة الأولى في احتضان المقامات الإسلامية الدينية على صعيد فلسطين، وهي جزء من امتداد البناء العمراني في العهود المملوكية والأيوبية، كوسائل تواصل عسكري وأمني وسيادي سياسي في ذلك الزمان، وبقيت شامخة ومتجذرة على مر الأزمنة والعصور، حتى يومنا هذا».

ويبلغ عدد المقامات في عورتا 14 مقاماً دينياً، أبرزها: «السبعون شيخاً»، و«المفضل»، والعُزير، و«العجم الأربعة»، و«الرفاعيات»، و«قبر حوشا»، و«الشيخ المنصوري»، و«رباع»، و«يوشع بن نون»، و«الشيخ سرور».

الأكثر مشاركة