في وقت استفحل فيه الاستقطاب السياسي
ارتياد نوادي الرماية في البرازيل يمهّد لاضطرابات «انتخابية» محتملة
يقف ريلدو أنجوس تحت الضوء في ميدان الرماية الخاص، وهو يمسك بمسدس من نوع «مسادا»، وهو نموذج لم يصبح متوافراً في السوق البرازيلية إلا أخيراً. ويقول أنجوس (56 عاماً): «دعونا نرى مدى فاعليته»، وهو يعبئ الرصاصات أمام أعين زملائه المتحمسين للأسلحة النارية؛ ثم يضع جهاز حماية السمع، ويوجه مسدسه نحو صورة من الورق المقوى، تم وضعها أمام كومة من إطارات السيارات.
الصورة التي يرغبون في نقلها وهم يطلقون الرصاص على هدف ورقي، هي أن يُنظر إليهم على أنهم مجموعة من الأولاد غير المؤذين، الذين يختبرون لعبة جديدة. ولكن الأمر ليس بهذه البساطة. وقال أنجوس ذات مرة في لحظة هادئة: «لا يتعلق الأمر بالأسلحة، الأمر يتعلق بحريتنا».
ويتعلق الأمر، أيضاً، بكيفية رد فعل الرئيس غايير بولسونارو، إذا خسر في محاولته إعادة انتخابه في أكتوبر. وإذا اتبع كتاب قواعد لعب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وأعلن أن الانتخابات سُرقت منه، فقد يدفع ذلك بعض أتباعه لإغراق البلاد في الفوضى للدفاع عن «حريتهم». وهذا هو القلق الذي يشعر به كثيرون في البرازيل حالياً، ويعتقد أنجوس أن الأمور لن تنتهي بشكل جيد. و«عيار 12» هو اسم نادي الرماية الذي افتتحه أنجوس في مبنى من طابقين، في وسط مدينة نيتيروي القديم. وعبر المياه على الجانب الآخر من الخليج، تقع ريو دي جانيرو. ويأتي نحو 400 عميل بانتظام إلى الميدان لممارسة الرماية. إنهم يحجزون دروساً، ويشترون الأسلحة والذخائر، وغيرها من المستلزمات الخاصة بالرماية؛ كما يتحدثون في مقهى نادي الرماية، حول ما قد يحدث إذا انفجرت البرازيل بعد الانتخابات.
تأثير كبير
إن الازدهار الذي تشهده نوادي الرماية حالياً ليس من قبيل المصادفة. وكان الوعد بإلغاء قوانين الأسلحة الصارمة في البلاد أحد أعمدة حملة بولسونارو، لفرض القانون والنظام في عام 2018. وقال إن «المواطنين الطيبين يجب ألّا يكونوا عُزّلاً في مواجهة الأشرار». وقد أوفى بكلمته. ومنذ توليه منصبه، أصدر بولسونارو عشرات المراسيم لتعديل القوانين الخاصة بحمل السلاح، وكان التأثير كبيراً.
لم يعد البرازيليون مضطرين إلى تقديم تبرير لسبب حاجتهم إلى سلاح، وقد تمت زيادة عدد الأسلحة النارية التي يُسمح لكل فرد بامتلاكها، وكذلك كمية الذخيرة المسموح بها. والرماة الرياضيون، الذين كان يُسمح لهم فقط بنقل أسلحتهم إلى مواقع التدريب الخاصة، لديهم الآن الحق في حملها في جميع الأنحاء خلال حياتهم اليومية.
وعلاوة على كل ذلك، انخفضت أسعار الأسلحة النارية منذ أن كسر بولسونارو احتكارات المنتجين المحليين، وفتح السوق أمام الواردات، من خلال إلغاء ضريبة الاستيراد.
وبسبب التغييرات القانونية، زاد عدد الأسلحة النارية المسجلة بنسبة 500% تقريباً، منذ يناير 2018. وقد اشترك نحو نصف مليون برازيلي، في الرماية الرياضية. وليس من قبيل المصادفة، أيضاً، أنهم يميلون إلى أن يكونوا الأكثر تطرفاً من الرئيس نفسه. والمؤيدون له هم الأشخاص الذين يؤمنون بالوطن والأسرة والكنيسة؛ والذين يعتقدون، مثل بولسونارو، أن كل ديكتاتورية اشتراكية تبدأ بنزع سلاح السكان.
ثقة مفقودة
وفي أندية مثل «عيار 12»، لم يعد أحد يثق باستطلاعات الرأي العام، التي تتوقع فوز الرئيس السابق لولا داسيلفا، الذي هدد أخيراً بتحويل ميادين الرماية إلى مكتبات، هو «شيوعي فاسد» في نظرهم، ورجل ينتمي، مثل منظمي استطلاعات الرأي والقضاء والإعلام، إلى مؤسسة تسعى لإخراج بولسونارو من السلطة، بغض النظر عن أي شيء. ما المطلوب؟
التوقعات التي يتم تداولها بين زملاء أنجوس جعلت بولسونارو متقدماً بفارق كبير في استطلاعات الرأي. وإذا لم يفز، فمن المحتمل أن يكون التفسير الوحيد لهم هو أن «المتسللين» تمكنوا من اختراق آلات التصويت لسرقة انتصارهم. إن عدم الثقة بآلات التصويت هو طريقة أخرى لتشجيع بولسونارو، الذي قال، بعد اقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن، إن الأمر قد يكون أسوأ في برازيليا.
لهذا السبب الآن، مع اقتراب موعد الجولة الثانية بسرعة، ينظر العديد من البرازيليين إلى نوادي الرماية بقلق متزايد. وهم يتساءلون عمّا يفعله الناس هناك خلف الأبواب المغلقة. وعلى ماذا يتدربون؟ وهل هم، كما يصر أنجوس، مجرد رجال يبحثون عن القليل من الإثارة؟ أم أن الأمر أقرب إلى الميليشيات الخاصة المتحمسة لخوض الحرب ضد الشر، نيابة عن بولسونارو؟
يجلس أنجوس على أريكة، ويتحدث عن السفر حول العالم على متن سفينة مع البحرية. ويفصل الميداليات التي سيفوز بها في مسابقات الرماية، ويتحدث عن دورات الدفاع عن النفس التي قدّمها لرفاقه. وكيف أنه عندما بلغ ابنه التاسعة، سمح له بإطلاق النار بالذخيرة الحية للمرة الأولى.
وفي عام 2013، اختار أنجوس استثمار الأموال، التي ادّخرها، في نادٍ للرماية خاص به. وكان عهد بولسونارو في بدايته، واستأجر أنجوس مكاناً غامضاً، إلى حد ما، في ضواحي المدينة. ومع ذلك، كان عليه أن يتحرك عندما دمرت النيران كل شيء.
وفي العام نفسه الذي انتقل فيه بولسونارو إلى القصر الرئاسي، وجد أنجوس طريقه إلى مركز المجتمع، وذلك عندما أقام نادياً للتنس، ترتاده زوجته، وكان حدثاً عرضت خلاله الملاعب لافتات «عيار 12»، الذي رعى المنافسة.
مبرّرات وافية
ريلدو أنجوس خلال حصة رماية في ناديه الخاص. أرشيفية
الحقيقة هي أن معدل القتل في البلاد اتجه نحو الانخفاض لفترة من الوقت، ويرجع ذلك أساساً إلى توصل عصابات المخدرات إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار.
والآن، على الرغم من تأثير قرارات بولسونارو ببطء، فإن العنف يتصاعد مرة أخرى، وهو أحد الأسباب التي دفعت هيئة الانتخابات إلى إصدار حظر جزئي على حمل الأسلحة النارية، يوم الانتخابات. وبعد وقت قصير، قضت المحكمة الفيدرالية العليا بأن شراء الأسلحة يجب أن تكون له مبررات وافية، في المستقبل. وقد أصبح شيئاً من الطقوس خلال فترة ولاية بولسونارو: يصدر الرئيس المراسيم، ثم يتحدى أحدهم هذه المراسيم في المحكمة، ويترك للقاضي مهمة التحكم في الضرر.
ونتيجة لذلك، أصبحت المحكمة العليا «بطلاً» سياسياً في البرازيل. وبالنسبة لشخص مثل أنجوس، الذي بات ينظر إلى الـ11 قاضياً في المحكمة العليا، كما لو كان فريق كرة قدم؛ أصبحت المحكمة ألدّ أعدائه. ومن وجهة نظره، فإن هذه المحكمة هي التي تمنع بولسونارو من حكم البلاد. وهذه المؤسسة لديها الجرأة لإبعاد المدونين عن الإنترنت، وفقاً لأنجوس، وحبس المشرعين للتعبير عن آرائهم، والأمر بدهم مقرات أصحاب الشركات، لأنهم ناقشوا مسائل على «واتس أب»، ويقول: «ما هو نوع هذا البلد إذا لم يعد بإمكان الناس قول ما يفكرون فيه؟».
ومع ذلك، فإن زميله كارلوس مارانهاو، المتحمس للرماية، ليس متأكداً تماماً ممّا إذا كان يجب أن يستمر. فمن ناحية، كما يقول، يمكن أن يدعم حياته السياسية إذا أظهر التزاماً بالرماية. ومن ناحية أخرى، فإنه مفلس إلى حد ما في الوقت الجاري، وهذا لا يساعده على تحقيق طموحه.
مارانهاو ليس عازف جيتار، فحسب، بل هو أيضاً ناشط ديني، وهو يلقي عظات في كنيسة إنجيلية. وقبل عامين، كان مرشحاً لعضوية مجلس المدينة، لكنه حصل فقط على 128 صوتاً.
عداء خاص
بولسونارو شجّع على حمل السلاح في البرازيل. رويترز
عندما سُئل عن الرجل الذي تم اعتقاله، أخيراً، بعد تحميل مقطع فيديو على «يوتيوب» لنفسه وهو يلوّح بسلاحه، ويدعو المشاهدين إلى مطاردة الرئيس البرازيلي السابق والمرشح الحالي في الانتخابات الرئاسية لولا داسيلفا، ردّ ريلدو أنجوس بالسؤال «ما المشكلة». وعن الحادث الذي قُتل فيه سياسي محلي من حزب لولا داسيلفا، في حفل عيد ميلاده؟ يقول أنجوس إنه مجرد عداء خاص. ثم كان هناك حادث آخر، إذ سعى مطلق نار إلى مهاجمة أعلى محكمة في البلاد، لكنه صدم سيارته بواجهة وزارة العدل، بدلاً من ذلك.
إنها قضايا مقلقة، وأكثر من ذلك من خلال حقيقة أن العديد من الجناة لديهم سجلات جنائية، وبالتالي لا ينبغي السماح لهم بالحصول على رخصة سلاح.
والمشكلة، كما يقول خبراء الأمن، هي أن ميزانيات هيئات المراقبة العامة قد تم تخفيضها بشكل منهجي في السنوات الأخيرة. ولا يوجد عدد كافٍ من الموظفين لفحص المستندات أو مراقبة الترسانات المتنامية. والواقع أن الميليشيات أو عصابات المخدرات قد استفادت من هذه الفوضى، محلية الصنع، للتسجيل في عضوية نوادي الرماية الرياضية، والتحول إلى مالكي أسلحة قانونيين؛ وهذا أكثر من مجرد منتج ثانوي عرضي، إنها حجة لتسليح السكان إلى حد كبير.
نوع من التوازن
الانتماء إلى الحياة المدنية مهم لأنجوس ومن هم على شاكلته، حيث يقول: «لدينا رجال أعمال يأتون إلى هنا، وأيضاً، ممثلون وسياسيون. وإطلاق النار هو شكل من أشكال العلاج». ويقول إنه لم يتفاجأ على الإطلاق من انخفاض معدل القتل في البرازيل.
ويعتقد أنجوس أن الأسلحة تنشئ نوعاً من التوازن، هي خطيرة فقط عندما يستخدمها شخص يريد القتل. ويقول صاحب نادي الرماية، إنه هو نفسه لم يضطر إلى سحب سلاحه إلا مرة واحدة، ذلك عندما توجهت إليه سيارة وبدأت في دفعه بعيداً عن الطريق، وخرج من نافذة سيارته وأطلق النار على السيارة التي انطلقت بعيداً، وحافظ على الهدوء وعدم إطلاق النار أولاً.
كان الوعد بإلغاء قوانين الأسلحة الصارمة في البلاد أحد أعمدة حملة بولسونارو لفرض القانون والنظام في عام 2018.
إذا لم يفز بولسونارو، فمن المحتمل أن يكون التفسير الوحيد لخسارته لدى أعوانه هو أن «المتسللين» تمكنوا من اختراق آلات التصويت لسرقة انتصارهم.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news