بعد 60 عاماً من العلاقات المؤلمة

تقارب فرنسا مع الجزائر رهن بالتقلبات الجيوسياسية

صورة

تطمح فرنسا إلى إنشاء «شراكة متجددة» مع الجزائر بعد 60 عاماً من العلاقات المؤلمة، لكن عليها أن تأخذ في الاعتبار الاضطرابات الجيوسياسية التي تعصف بغرب المتوسط والتوترات الجزائرية المغربية، حسب خبراء.

وعبرت رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن، عن «رغبة الجانب الفرنسي في تجسيد (شراكة متجددة)»، وفق إعلان الجزائر الذي وقّع في نهاية شهر أغسطس بين الرئيسين الجزائري عبدالمجيد تبون، والفرنسي إيمانويل ماكرون، وذلك بعد زيارة للجزائر استمرت يومين.

وأعلنت المحللة في معهد دراسات الأمن في الاتحاد الأوروبي، داليا غانم، أن «فرنسا لديها رغبة قوية في إيجاد «حليف» وليس مجرد «شريك» في أكبر دولة في إفريقيا التي تملك أكبر جيش في المغرب العربي.

وقالت لـ«فرانس برس»: «بينما كانت دائماً تتمتع بعلاقة مميزة مع المنطقة المغاربية، نرى اليوم أوروبا يتراجع نفوذها في المغرب العربي لمصلحة جهات أخرى، مثل تركيا والصين...».

وقال المدير العام لمؤسسة المتوسط للدراسات الاستراتيجية الأميرال السابق باسكال أوسور: «إذا كنت مكان الرئيس (الجزائري) عبدالمجيد تبون، أو رئيس أركانه فإن العالم يشهد تقلبات سريعة ولا نعرف حقاً إلى أين يتجه، لكن هذا الأمر يخلق الفوضى والعنف».

وتابع «نحن محاطون بالنيران، ولا ندري في أي اتجاه ستذهب الرياح، إذا كانت ستدفع نحونا أم لا. على أي حال فهذا مقلق للغاية»، مستشهداً بالضعف المعمم للنفوذ الغربي، وتوسع المتطرفين في منطقة الساحل عند أبواب الجزائر.

وقال باسكال أوسور إنه في هذا السياق «تصبح المشكلة النفسية مع فرنسا ثانوية» بالنسبة للقادة الجزائريين ورثة نظام ولد من حرب الاستقلال الدموية (1954-1962). وأضاف أنه في ما يتعلق بما إذا كان ذلك سيحثهم على تجاوزها للنظر إلى «المصالح المشتركة» مع قوة الاستعمار السابقة، فالوقت وحده كفيل بذلك.

الديناميكيات تتغير

وقالت الأستاذة لشؤون الشرق الأوسط في كلية الدراسات الدولية المتقدمة لأوروبا في جامعة جونز هوبكنز، رافاييلا ديل سارتو: «إنها فترة فراغ» بين نظام قديم وآخر جديد لم يتم تحديده بعد. وأضافت «من الصعب جداً التوقع حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في الوقت الراهن، لأن الديناميكيات تتغير».

وذكرت رافاييلا ديل سارتو «في الأشهر القليلة الماضية استعادت الجزائر موقعها لاعباً أساسياً في غرب المتوسط». وأوضحت «تسعى جهات دولية أو أوروبية عدة إلى التقرب منها»، مثل إيطاليا التي نوعت إمداداتها من الغاز بفضل اتفاق أُبرم في يوليو.

ودعت المفوضة الأوروبية للطاقة كادري سيمسون، الثلاثاء، إلى «شراكة استراتيجية طويلة الأمد» مع الجزائر، إحدى الجهات المزودة للغاز «الأكثر موثوقية» في أوروبا، التي استعانت بها لتعويض تراجع الإمدادات الروسية.

وترى وزيرة الخارجية الإسبانية السابقة، أرانشا غونزاليس لايا، أن «القاسم المشترك اليوم لجميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، هو ضرورة توطيد علاقات الجزائر مع الاتحاد الأوروبي». وقالت لوكالة فرانس برس: «في لحظة الاضطرابات الجيوسياسية يجب أن نضمن الاستقرار في المنطقة المجاورة مباشرة».

تحديات

إلا أن الأزمة المفتوحة بين الجزائر والمغرب اللتين تعقّد المعادلة.

وأعلنت داليا غانم أن «مسألة الصحراء الغربية تبقى شوكة في خاصرة الاتحاد الأوروبي، والاتحاد الافريقي، والمغرب العربي بشكل خاص، لأنه ملف يؤثر في مستقبل 85 مليون مغاربي». لكنها «تعتقد أن فرنسا لا ترغب في تهديد علاقتها المميزة مع المغرب» من خلال دعم الموقف الجزائري. وفي نهاية سبتمبر حذّر الباحث والمندوب العام لمؤسسة عبدالرحيم بوعبيد، من أن «المغاربة لن يقبلوا أبداً من فرنسا سعيها بطريقة أو بأخرى لإرضاء الجزائر في ملف الصحراء الغربية». وشدد على أن «وحدة أراضي المغرب ببساطة، لن تكون بشكل ضمني أو صريح معياراً للعلاقة بين فرنسا والجزائر». ومن بين التحديات التي يواجهها القادة الجزائريون، يستشهد باسكال أوسور بـ«التحالف الإسرائيلي - المغربي، وهو ضربة كبيرة للجزائر»، لأنه قد يقابل تفوقها العددي العسكري بـ«تصاعد نوعي».

بينما كانت دائماً تتمتع بعلاقة مميّزة مع المنطقة المغاربية، نرى اليوم أوروبا يتراجع نفوذها في المغرب العربي.

فرنسا لديها رغبة قوية في إيجاد «حليف» وليس مجرّد «شريك» في أكبر دولة في إفريقيا.

تويتر