سيناريوهات قاتمة وتوقعات متشائمة لمستقبل الديمقراطية الأميركية
دعونا نتخيل أننا في يوم 20 يناير 2025. يوم تنصيب دونالد ترامب رئيساً. يرفع الرئيس المنتخب يده اليمنى ويبدأ في تلاوة القسم: أنا دونالد جون ترامب، أقسم رسمياً... إلى آخره. هذا يمثل في حد ذاته كابوساً لكل الكارهين لترامب، لكنه قد يحدث: 47% من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية يريدون ترامب أن يكون المرشح في عام 2024، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته واشنطن بوست وأيه بي سي نيوز، وإذا حدث أن تنافس كل من ترامب والرئيس الأميركي، جو بايدن، فإن ترامب سيتفوق بفارق ضئيل على بايدن، بنسبة 48 إلى 46%، بين الناخبين المسجلين (وإن كان ذلك ضمن هامش الخطأ في الاستطلاع).
كانت فترة ولاية ترامب مضطربة، إذ تعثرت مرتين بمثابة مهرجان لكسر القواعد الديمقراطية، والتي بلغت ذروتها في «الكذبة الكبرى» بشأن انتخابات 2020 والشغب الذي تفجر في السادس من يناير. وكان من المتوقع أن يجلب فوز ترامب لولاية ثانية، إذا حدث أن حالفه الحظ في عام 2020 المزيد من الشيء نفسه - ولكنه إذا فاز هذه المرة فسيكون لديه أربع سنوات من الممارسة السياسية في جعبته.
ولتحليل العواقب التي ستتمخض عن إدارة أخرى لترامب، لجأت إلى عدد من الخبراء في مجال الرئاسة، والعلوم السياسية والإدارة العامة والجيش والاستخبارات والشؤون الخارجية والاقتصاد والحقوق المدنية. والذين تكهنوا بشكل مخيف عن تدابير محتملة سيتخذها ترامب، والتي يمكن أن تحدث شرخاً عظيماً في كيان الأمة الأميركية. يقول الأستاذ بجامعة برينستون، شون ويلنتز، وهو أحد المؤرخين الذين استشارهم بايدن في أغسطس بشأن الديمقراطية المتداعية في أميركا: «أعتقد أنها ستكون نهاية للديمقراطية» ويسترسل «ستكون نوعاً من الانقلاب من الداخل... سيكون انقلاباً على الطريقة التي تسير بها أميركا قدماً». ويمكننا أن نتخيل، بناءً على ما يتوقعه هؤلاء الخبراء، صور الانهيار الديمقراطي على ثلاث مراحل.
السيناريو الأول: ترامب يسيطر على الحكومة
يقول الزميل الأول بمعهد فريمان سبوجلي للدراسات الدولية بجامعة ستانفورد، لاري دايموند، «من بين الأشياء التي سيقدم عليها في الساعات الأولى من رئاسته، إقالة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي، كريستوفر راي، وتطهير مكتب التحقيقات الفيدرالي». ويتابع دايموند أن ترامب «سيشرع بعد ذلك في محاولة تسييس مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالات الاستخبارات، وأكبر قدر ممكن من الحكومة».
فهو الشخص الذي لديه السلطة الكاملة لتعيين الرتب العليا في مجلس الأمن القومي. لذلك «يمكننا أن نرى اللفتنانت جنرال المتقاعد مايكل فلين، الذي عفا عنه ترامب بعد إقراره بالذنب بالكذب على مكتب التحقيقات الفيدرالي، مستشاراً للأمن القومي مرة أخرى، أو أي شخص آخر لا يمثل أياً من الحكمة والقيود والجهود المبذولة لكبح غرائز ترامب الأكثر استبداداً وتسرعاً».
وكان ترامب قد أوضح وجهة نظره الخاصة بشأن إنفاذ القانون الفيدرالي في تجمع حاشد في ويلكس بار، بنسلفانيا، عندما صرح «أصبح مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل وحوشاً شريرة يسيطر عليها الأوغاد اليساريون المتطرفون والمحامون، ووسائل الإعلام، الذين يخبرونهم بما حدث لكى يتصرفوا».
حدثني مسؤول كبير في وزارة الدفاع (بنتاغون) شريطة عدم الكشف عن هويته، عبر البريد الإلكتروني: «أعتقد بالتأكيد أنه سيتطلع لتعيين موالين حقيقيين له في الوزارات السيادية، الخارجية، ووكالة المخابرات المركزية، والدفاع، والعدل». ويضيف المسؤول الكبير بقوله «عندما أقول موالين، أعني شخصاً يضع ولاءه لترامب فوق قسم المنصب».
في ولايته الأولى، أحرق ترامب أعضاء مجلس الوزراء بمعدل مرتفع لأنهم ظلوا يفشلون في اختبار الولاء: المدعي العام جيف سيشنز انسحب من التحقيق الروسي. اعترض وزير الدفاع، مارك إسبر، على استخدام الجيش لقمع احتجاجات المطالبين بالعدالة العرقية. وبحسب ما ورد وصف وزير الخارجية السابق، ريكس تيلرسون، ترامب بأنه «معتوه».
ترامب سيحكم دون مشورة وموافقة مجلس الشيوخ
يأمل الديمقراطيون في الاحتفاظ بالسيطرة على مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي لعام 2022. ولكن حتى لو فعلوا ذلك، فإن فوز ترامب في عام 2024 يفترض مسبقاً أنه سيكون لديه حظوظ قوية لاكتساح المرشحين في الاقتراع - ومن المتوقع بشكل معقول أن يوافق مجلس الشيوخ المرموق على مرشحيه للمناصب العليا في إدارته.
ومع ذلك، ماذا لو حصل الديمقراطيون على الأغلبية؟ لا مشكلة. بحلول نهاية ولايته الأولى، كان ترامب قد أتقن فن الحكم دون مشورة وموافقة مجلس الشيوخ. لقد أضطر جزئياً إلى القيام بذلك بسبب عرقلة الديمقراطيين، والخلل الرهيب في عملية التعيينات - وهي ركن متضرر بالفعل من ديمقراطيتنا. لكن ترامب، أكثر من أي رئيس آخر في الذاكرة الحية، اعتمد على وزراء الحكومة «بالوكالة» ورؤساء الوكالات غير المؤكدين الذين يمارسون السلطة المفوضة لهم. قال ترامب للصحافيين في عام 2019: «أحب المسؤولين بالوكالة، إنهم يمنحونني المزيد من المرونة». في العام الأخير من ولاية ترامب، وجد مكتب المساءلة الحكومية أن وزير الأمن الداخلي بالوكالة، ونائب وزارة الأمن الداخلي بالوكالة، كانا يعملان بشكل غير قانوني، ما يثير التساؤل حول شرعية قراراتهما السياسية.
السيناريو الثاني: ترامب ينشر الجيش بقوة في الداخل، بينما يتراجع في الخارج
بمجرد أن يتمتع ترامب بسلطة مركزية من خلال كوادر من الموالين له سيفعل ما أوردته صحيفة «البوست» سابقاً، «أخبرنا بالفعل، في خطاباته على مدار الأشهر الأخيرة الماضية، ببعض مقترحاته مثل إعدام تجار المخدرات، ونقل المشردين إلى معسكرات، وأيضاً القضاء على قسم التربية والتعليم، وقصر التصويت على يوم واحد، باستخدام بطاقات الاقتراع الورقية. ولكن يمكن أن يكون هناك المزيد - بما في ذلك التحولات العميقة في السياسة العسكرية والخارجية».
استخدام الجيش للترويج لسلطته السياسية
بعد أن قاد ترامب وزير الدفاع إسبر ورئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي ومسؤولين آخرين في ساحة لافاييت، لالتقاط صورة له بمعيتهم في يونيو 2020 وسط احتجاجات العدالة العرقية، اعتذر ميلي للجمهور عن المشاركة في هذا الحدث السياسي المنظم، ما أغضب ترامب.
وفي فترة ولاية ثانية متوقعة، ستكون مثل هذه الأصوات التحذيرية أقل، كما يقول أستاذ العلوم السياسية بجامعة ديوك والخبير البارز في العلاقات المدنية العسكرية، بيتر فيفر. «الرئيس ترامب وفريقه من الموالين... سوف يسعون إلى تضخيم قوة الرئيس غير العادية بالفعل في هذا المجال، وإزالة الضمانات...».
يمكن أن يحدث خرق دراماتيكي ومميت للتقاليد الديمقراطية الأميركية الراسخة إذا اندلعت احتجاجات واسعة في الشوارع ضد ترامب وسياساته، أو إذا تحولت الخلافات حول الانتخابات المستقبلية إلى أعمال عنف.
فعندما أثار مقتل جورج فلويد مظاهرات للمطالبة بالعدالة العرقية في عام 2020، أراد ترامب استدعاء القوات الفيدرالية. لكن عارضه إسبر ومسؤولون آخرون في الأمن القومي ضد اتخاذ هذه الخطوة، ولهذا لم يصدر ترامب أمر مطلقاً في هذا الخصوص. لكن يمكن أن نتوقع في ولاية ثانية ألا يعارضه فريق من الموالين له.
وفي مثل هذا السيناريو، قد تكون استجابة العناصر الأخرى للحكومة الفيدرالية، وإنفاذ القانون الفيدرالي غير متوقعة. يقول المؤرخ بجامعة ييل، تيموثي سنايدر «مثل هذا الفعل سينسف سلطة الحكومة الفيدرالية الأميركية، لأنه سيؤدي إلى قيام بعض الأميركيين بالزي الرسمي بإطلاق النار على أميركيين آخرين يرتدون الزي العسكري، مع اقتناع كلا الجانبين بأنهم يفعلون ما هو قانوني وصحيح».
السيناريو الثالث: عنف سياسي وانهيار ديمقراطي
لن يتسبب ترامب فقط في الانقسامات التي تؤدي ببطء إلى تفتيت البلاد، بل يمكن أن تؤدي عودته إلى البيت الأبيض إلى الانهيار النهائي. تقول نائبة الرئيس التنفيذي لمؤسسة فريدوم هاوس، نيكول بيبينز سيداكا، وهي منظمة بحث ودعوة ديمقراطية غير حزبية «لقد تم تسجيل انخفاض استمر لعقد من الزمان في الحقوق السياسية والمدنية في الولايات المتحدة، وتسارع ذلك خلال فترة رئاسة ترامب، ما جعلنا على قدم المساواة مع رومانيا وبنما».
تصاعد التوترات الأيديولوجية والعرقية
تقول أستاذة العلوم السياسية في جامعة ولاية جورجيا، جينيفر ماكوي، «أميركا تعاني بالفعل من مستوى غير مسبوق لما يسميه علماء السياسة «الاستقطاب الخبيث» - الذي أوقد ناره واستغله ترامب - وقد تؤدي عودة ترامب إلى جعل الأمر أسوأ بشكل خطير. فيما يقرب من نصف عشرات البلدان التي أخضعتها ماكوي للدراسة، كانت الخطوة التالية بعد الاستقطاب الخبيث هي إما «الاستبداد الانتخابي» - حيث يتم الإدلاء بالأصوات مع عدم وصول الطرف الفائز للسلطة بالضرورة - أو «الانهيار الديمقراطي» الصريح. وتضيف ماكوي «إنه أمر مقلق للغاية؛ نحن في منطقة مجهولة، إذا عاد ترامب، أعتقد أنه سيعمق بشدة الأزمة التي نواجهها».
من المرجح أن تتصاعد العنصرية، بما في ذلك العنصرية العنيفة. يقول مدير مركز أبحاث مناهضة العنصرية في جامعة بوسطن ومؤلف كتاب «كيف تكون مناهضاً للعنصرية»، إبرام إكس: «إن الشاغل الأكثر إلحاحاً لعودة ترامب إلى الرئاسة، هو أنه سيشكل أكبر تهديد إرهابي محلي في عصرنا من خلال منظمات التفوق الأبيض العنيفة». وفي الوقت نفسه، «لا أعتقد أن الأشخاص الذين يعارضون ما سيحاول ترامب بناءه سينعمون بالهدوء والطمأنينة، سيسود التصادم الأيديولوجي، والتصادم السياسي على عكس أي شيء رأيناه منذ عصر إعادة الإعمار».
• قال ترامب بشأن إنفاذ القانون الفيدرالي، «أصبح مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل وحوشاً شريرة يسيطر عليها الأوغاد اليساريون المتطرفون والمحامون ووسائل الإعلام الذين يخبرونهم بما حدث لكى يتصرفوا».
• يمكن أن يحدث خرق دراماتيكي ومميت للتقاليد الديمقراطية الأميركية الراسخة إذا اندلعت احتجاجات واسعة في الشوارع ضد ترامب وسياساته، أو إذا تحولت الخلافات حول الانتخابات المستقبلية إلى أعمال عنف.
• 47% من الجمهوريين والمستقلين ذوي الميول الجمهورية يريدون ترامب أن يكون المرشح في عام 2024، وفقاً لاستطلاع حديث أجرته واشنطن بوست وأيه بي سي نيوز.
ديفيد مونتغمري ■ بروفيسور في التاريخ من جامعة ييل