حلول أزمة الغذاء العالمية لا تكمن في إنتاج مزيد منه
بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، تعيّن على الدول التي تستورد من أوكرانيا أو روسيا مواد غذائية الحصول عليها من أماكن أخرى، ما أدى إلى اضطراب سلاسل التوريد، وبناءً عليه فإن المشكلة ليست في نقص الغذاء بصورة عالمية. وبفضل المحاصيل الضخمة في الهند وأستراليا وأماكن أخرى، سيكون هناك ما يكفي لإطعام الجميع. وبحلول يوليو الماضي عادت أسعار المواد الغذائية إلى طبيعتها، لكن على الرغم من أن الرعب من نقص المواد الغذائية لم يكن مبرراً فإن المعاناة التي سببتها أخبار النقص كانت كبيرة وغير ضرورية.
وللوصول إلى الأمن الغذائي، يجب على الكثيرين منا التخلي عن الأفكار المتعلقة بكيفية عمل النظام الغذائي. ويضع مصدرو المواد الغذائية حول العالم حواجز سياسية لممارسات الحس السليم، وأدت نماذج تجارة المواد الغذائية التي أنشأوها قبل قرون عدة، وتعتمد على الصناعة الزراعية إلى حد كبير؛ إلى جعل الدول الفقيرة تعتمد على نحو غير سليم على الاستيراد، دون وجود أي طريقة أخرى لتأمين الطعام لأنفسهم عندما تتعثر التجارة العالمية.
أنظمة غذائية متخلفة
وبدأت صناعة الزراعة في الولايات المتحدة ودول أخرى من المستعمرات الأوروبية قبل وقت طويل، ومع مرور الوقت ظهرت الزراعة الصناعية كأنها تخدم حاجات مجموعة محددة وهم الأثرياء من أصحاب الأراضي الاستعماريين، وفي هذه الأيام أصبحت 95% من المزارع في الولايات المتحدة مملوكة للعائلات، وهذا لا يعني أنها صناعة صغيرة، إذ إن المُزارع المتوسط من هؤلاء يعتبر مليونيراً بعد طرح الديون عنه، أي أكثر ثراء بـ10 مرات من الأسرة المتوسطة.
وكما هي حال المزارعين في الدول الأخرى، يتمتع المزارعون الأميركيون بسلطة كبيرة ويحصلون على المليارات من الدعم الفيدرالي، ويتم تشجيعهم على إجراء المناقشات بشأن الأفكار التي يستفيدون منها مالياً.
وفي الواقع فإن تجارة الحبوب عبر البحر الأسود، والتي مصدرها من أوكرانيا وروسيا، ظهرت في سياق استفادت فيه الدول الرائدة كثيراً من الدول الفقيرة التي لديها أنظمة غذائية متخلفة، وتكون التبعية جيدة بالنسبة للإمبراطوريات لأنها تشكل تحالفات مرنة، وهذا ليس كل شيء، وتجد الامبراطوريات تصدير الحبوب مفيداً من أجل إدارة السياسة الداخلية.
وفي البداية قد يبدو شراء الغذاء المستورد صفقة رائعة بالنسبة للدول الفقيرة، حيث إنه يجعل الأراضي والعمالة المحلية حرة للقيام بأشياء أخرى. وفي الواقع فإن تجارة المواد الغذائية الدولية أمر جيد بصورة عامة، لأنها تحمي المناطق ضد فشل المحاصيل والكوارث الأخرى، لكن هذه ليست الطريقة التي استخدمت بها بريطانيا والولايات المتحدة وروسيا والقوى الأخرى تجارة المواد الغذائية، بل إنها لجأت إلى استخدامها من أجل إيجاد نظام التبعية والفوز بشروط التفاوض التي يرغبون بها مع الدول الأخرى.
وفي الواقع ليس هناك ما هو خطأ في تجارة المواد الغذائية بحد ذاتها، فقد كانت أوكرانيا سلة الخبز لمناطق قاحلة حول البحر المتوسط منذ نحو 3000 سنة، ولكن في وضعها الحالي، حيث أصبحت أداة بيد الدول العظمى لخلق التبعية وإدارة سياستها الداخلية، تعمل تجارة المواد الغذائية على تقييد قدرة الدول المستوردة على إنشاء أنظمتها الغذائية الخاصة بها، ويساعد ذلك على توضيح السبب الذي جعل العديد من الدول الافريقية وتلك الموجودة في الشرق الأوسط تواجه خطر انعدام الأمن الغذائي.
مصايد الأسماك حل غذائي محلي
ويجب العناية بصورة جيدة بمصايد الأسماك، وهو مثال آخر لأنظمة الغذاء المحلي، وتعتمد العديد من الدول على المواد الغذائية المستوردة مثل الصومال واليمن ولبنان والجزائر، وهي تملك مصايد سمكية بحرية، لكنها لا تلعب دوراً رئيساً في الأمن الغذائي الوطني، ويعود ذلك إلى قرون من التلوث وصيد السمك العشوائي، بما فيها الصيد الجائر على نحو صناعي من قبل أساطيل دولية. ولا تملك هذه الدول الكثير من الموارد لفرض حصص الصيد، ولا يملكون الموارد من أجل الاستثمار في «المفرخات»، وتنظيف التلوث، والإجراءات الاستباقية الأخرى لإعادة بناء مصايد الأسماك.
ويمكن أن تكون صناعة تربية الأحياء المائية أداة قوية للأمن الغذائي لدى الدول الساحلية والقاحلة، وعلى سبيل المثال يمكن أن تزود منصات الأعشاب البحرية التي تتم إدارتها بصورة جيدة الغذاء أو العلف الصناعي الشبيه بقصب السكر أو الذرة الموجود حالياً.
وبدلاً من تلويث المسطحات المائية كما تفعل المحاصيل البرية، تعمل الأعشاب البحرية على إزالة المغذيات وتضيف الأكسجين إلى الماء، ما يوفر الحاجات البشرية، ويعيد تأهيل البيئة، ويعزز المصايد السمكية في الوقت ذاته. وفي الواقع فإن النباتات والأعشاب البحرية يمكن أن تزيل ما يكفي من ثاني أوكسيد الكربون من ماء البحر، لمنع زيادة «الحمضية» في منطقتها، ما يسمح للمرجان والقواقع بالنمو والتكاثر.
وكان المحار وبلح البحر والقواقع الأخرى البحرية من العناصر الغذائية الرخيصة، فهي بروتين غير ملوث. وبالاستثمار المناسب والرعاية، فإنها يمكن أن تصبح كذلك من جديد.
والحراجة والمصايد السمكية يمثلان حلاً غذائياً يجب الاستثمار فيه بصورة أكبر وأفضل. وحتى الآن لايزال الاستثمار العام والخاص بهما أقل بكثير من الاستثمار في الحبوب وزراعة علف المواشي. ويمكن أن تساعد سياسة ملاك الأراضي على تفسير السبب.
وفي الأنظمة الاقتصادية التي يهيمن عليها ملاك الأراضي، لا يكون هناك استثمار جاد في مصايد الأسماك، وتمثل المياه الجارية من المزارع أحد أكبر قاتلي مصايد الأسماك. وبالطبع فإن إعادة تأهيل مصايد الأسماك تجبر ملاكي الأراضي وليس الصناعيين فقط على وقف التلوث. ويمكن أن تكون إعادة تأهيل مصايد الأسماك منافساً للمزارعين، إذ إنها توفر البروتين.
إطعام الشعوب
وإذا تعين علينا بناء نظام غذائي محلي فعال يمكن أن يبعدنا عن الأعمال الزراعية، خصوصاً أن ظاهرة تغير المناخ تتعمق على نحو واضح، فإننا نحتاج إلى التركيز على الأشياء المهمة التي تتمثل في عدم إنقاذ اللاعبين في صناعة المواد الغذائية، ولكن إطعام الشعوب، وهذا يمكن أن يعني الاستثمار في مصايد الأسماك والغابات، والتي تتطلب تنظيم أو حظر أنماط معينة من الزراعة، وهذا يعني التعامل مع الطعام كمرفق عام، كما هي الطريقة التي تتعامل بها بعض الأنظمة القضائية مع الماء، والكهرباء، والخدمات الأخرى، وليس كتجارة خاصة، وهذا يعني الاستثمار في المزارع وعمال الزراعة التقليديين والاعتراف بحقوقهم في الأراضي التي يعملون بها. وباختصار من أجل الحصول على نظام غذائي مرن، نحن بحاجة إلى قيادة سياسية تتجاوب مع حاجات العامة.
• أصبحت 95% من المزارع بالولايات المتحدة في هذه الأيام مملوكة للعائلات، وهذا لا يعني أنها صناعة صغيرة، إذ إن المُزارع المتوسط من هؤلاء يعتبر مليونيراً بعد طرح الديون عنه، أي أكثر ثراء بـ10 مرات من الأسرة المتوسطة.
• تعتمد العديد من الدول على المواد الغذائية المستوردة مثل الصومال، واليمن، ولبنان، والجزائر، وهي تملك مصايد سمكية بحرية، لكنها لا تلعب دوراً رئيساً في الأمن الغذائي الوطني.
سارة تابر ■ عالمة أميركية في المحاصيل والأنظمة الغذائية