عينا «وسيم» تُعيدان البصر لشابين كفيفين في غزة
«الآن سأستكمل مسيرتي التعليمية بعد توقف دام على مدار ثماني سنوات متواصلة»، لم يتوقع الشاب الكفيف محمد حمدان (19 عاماً) أن تتحقق أمنيته هذه في استكمال دراسته مجدداً، بعد أن توقفت عندما كان في سن الحادية عشرة، وأن يستعيد البصر مجدداً، بعد أن فقده خلال أحداث الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة صيف عام 2014.
سنوات طويلة مرت حتى باتت هذه الأمنية مستحيلة التحقق للشاب وذويه، ولكن ما كان مستحيلاً سابقاً، بات أمراً واقعاً حالياً، فالشاب الكفيف (محمد) أصبح مبصراً، يرى كل يدور من حوله، بعين شاب فلسطيني من غزة، ارتقى إلى العلا حديثاً.
وسيم عزام (28 عاماً)، توفي في 23 سبتمبر الماضي، غرقاً في البحر شمال قطاع غزة، لتتبرع عائلته بقرنيتيه كصدقة جارية، لإحياء نعمة البصر مجدداً لمن حُرم منها.
وإلى جانب محمد حمدان، استعاد الشاب علاء ريحان، البالغ من العمر (22 عاماً)، من سكان شمال قطاع غزة، البصر بعد حرمان طويل، بقرنية عزام.
الدراسة بعد طول انقطاع
من شمال قطاع غزة إلى وسطه رافق والد وسيم، سمير عزام وزوجته «الإمارات اليوم»، لزيارة الشاب محمد حمدان وعائلته، والاطمئنان عليه، ضمن رحلة التواصل اليومي بينهما، التي تستمر ساعات طويلة عبر الهاتف المحمول ووسائل التواصل الاجتماعي.
والشاب محمد حمدان من سكان مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، أصبح مبصراً بعد طول حرمان، فقبل ثمانية أعوام أصيب بمرض الحمى الشوكية، عقب ارتكاب قوات الاحتلال مجزرة بحق سكان حي الشجاعية، أثناء أحداث الحرب الإسرائيلية عام 2014 مباشرة، وذلك بحسب والده أبوكرم حمدان.
واليوم، حظي (محمد) بقرنية (وسيم)، عقب إجراء عملية جراحية لزراعتها، أجراها طاقم طبي محلي داخل أحد مستشفيات غزة المحاصرة، بعد ثلاثة أيام من وفاة الشاب عزام، وبات يبصر الحياة كما لم يرَها على مدار ثماني سنوات متواصلة.
وبعد نجاح عملية زراعة قرنية الشاب عزام، بات محمد الآن يعيش حياة مختلفة تماماً عن سابقتها، سيكمل خلالها مسيرته التعليمية التي توقفت عند الصف الثاني الإعدادي.
ويقول الشاب محمد الذي توسط والدي وسيم عزام ووالديه داخل منزله: «عندما أزال الطبيب الغطاء القماشي عن عيني بعد إجراء العملية الجراحية لزراعة قرنية (وسيم)، شعرت بأنني ولدت من جديد».
ويسترسل: «إنني أعيش حالياً حياة جديدة، سأكمل خلالها المراحل الدراسية التي حُرمت منها، لأحقق حلمي في دراسة الهندسة أثناء المرحلة الجامعية، بعين مختلفة عن تلك التي حرمتني الرؤية على مدار سنوات طويلة».
«لمن أحياها»
«عندما أنظر الآن إلى وجه الشابين محمد حمدان وعلاء ريحان أشاهد ابني (وسيم) في عينيهما»، كلمات جسّد من خلالها سمير عزام استجابته للتبرع بقرنيّتي ابنه (وسيم) كأول مبادر ضمن حملة «ومن أحياها»، التي أطلقتها وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، لمعالجة وإنقاذ من يحتاج لزراعة القرنيات، لترى عيناه ما كان مستحيلاً طوال سنوات مريرة عديدة.
ويقول الوالد المكلوم، بينما كانت بقربه حفيدته (سارة) تنظر إلى صورة والدها (وسيم): «بعد وفاة ابني مباشرة، هاتفني مدير عام الإدارة العامة للصيدلة في وزارة الصحة الفلسطينية، منير البرش، ليحدثني عن حاجة شاب وفتاة إلى زراعة القرنية بشكل عاجل، مستفهماً عن موافقتي للتبرع بقرنيّتي ابني، هنا وافقت مباشرة، من دون تردد أو تفكير، وفي اليوم التالي أبلغت بأنه استبدلت الفتاة بشاب آخر، لعدم تطابق حالتها الصحية مع قرنية (وسيم)».
ويواصل عزام حديثه «إن ما دفعني للتبرع بقرنيّتي ابني لتكون صدقة جارية باسمه تدوم طويلاً، وفي كل لحظة يبصران فيها يستذكران ابني، وبذلك تثمر تلك الصدقة التي منحت لإنقاذ من كان كفيفاً، إلى جانب اتباع مشوار والدي، رحمه الله، في العمل الخيري والإنساني الذي شهده الجميع».
ويضيف «رغم ألم فراق ابني، إلا أنني شاركت الشابين ريحان وحمدان الفرحة باستعادة بصرهما، وغمرتني سعادة كبيرة عندما نجحت مبادرتي في تحقيق سعادة الآخرين».
إبصار بعد حرمان
على بعد أمتار قليلة من منزل عائلة عزام شمال قطاع غزة يقطن الشاب علاء ريحان، ليتحول من جار لوالد (وسيم) إلى أحد أفراد عائلته، فيومياً يرافقه الأب المكلوم في حياته اليومية، التي يشاهد كل جوانبها بعين ابنه الذي يرقد تحت التراب.
ويقول ريحان لـ«الإمارات اليوم»: «منذ أن كنت في سن الرابعة أصبت بمرض أفقدني الرؤية على مدار 18 عاماً، فيما حصلت خلال السنوات الماضية على موافقة من دائرة العلاج بالخارج في وزارة الصحة بغزة خمس مرات، لزراعة القرنية في أحد مستشفيات جمهورية مصر العربية، ولكن لم أتمكن من السفر، لعدم توافر تكاليف العلاج المتعددة».
ويضيف الشاب علاء: «إن تبرع عائلة عزام بقرنية ابنها أعاد الحياة لي، بعد أن انطفأ بريقها على مدار سنوات طويلة، وأصبحت مبصراً لكل من حرمت النظر إليه».
حظي «محمد» بقرنية «وسيم»، عقب إجراء عملية جراحية لزراعتها، أجراها طاقم طبي محلي داخل أحد مستشفيات غزة المحاصرة، بعد ثلاثة أيام من وفاة الشاب عزام، وبات يبصر الحياة كما لم يرَها على مدار ثماني سنوات متواصلة.