المرصد
حين تصبح «خناقة كشري» خبراً وترند
مازالت واقعة طرد عامل نظافة من «محل كشري» بالقاهرة تتفاعل، وتقبل مزيداً من التطور الخبري، رغم كل ما تتضمنه من هزل وهزال.
فطبقاً لمتابعة خبراء الإعلام، لم تتضمن الواقعة أبسط عناصر القصة الخبرية التي تكفل التصدر، فعامل النظافة طرد من محل كشري متواضع، وليس من فندق خمس نجوم، والذي طرده موظف، وليس شخصاً متنفذاً بالحجم الذي ترافق مع الضجة، والطرد تم بحيثيات، حيث إن العامل جاء ليشتري علبة الكشري، ويمضي لحاله وليس ليجلس، ومع كل هذا أبت آلة الإعلام الجديد، إلا أن تحول الواقعة إلى خبر تنافسي رأسه برأس خبر الحرب الروسية الأوكرانية، والانتخابات الإسرائيلية، ومؤتمر المناخ.
تحولت الواقعة بقدرة قادر، من تعاطف مشاعري مع العامل الضحية، إلى تعاطف معه بالأفعال، حيث التقط ممثلون ومشاهير الخيط، ثم إلى حالة من الاندهاش حيث تحول العامل إلى شخصية مشهورة، تذهب لأداء العزاء في فريد الديب، ومعه بودي جاردات تمنع الناس من التصوير، ثم إلى شخصية عامة ينسب إليها التوسط في خلاف محمود الخطيب مع مرتضى منصور، وليتحول الرأي العام من متعاطف مع العامل إلى منتقد له وبقوة، وليبقى في الحالتين الترند مشتعلاً ومتأججاً، ولسان حاله يقول «هل من مزيد؟».
تسمي الكاتبة الصحافية، أمينة خيري، ما يحدث لمجتمعاتنا بسبب الترند ما تطلق عليه «رقمنة الرأي العام»، وتقول إننا جميعاً وقعنا تحت سلطة الترند، وإننا إذ نأخذ الأمر ببساطة، لا ندرك أن وراء هذا الترند مؤسسات، وهيئات وجيوشاً إلكترونية، وأنظمة ودولاً، وكيانات شتى، وتصف دراسة صينية أن المستخدم تحول بفضل هذه القوى إلى إسفنجة تمتص ما يقدم إليها، وتتزاحم على الأرفف مئات الدراسات التي ترصد القوى والمحددات المتعلقة بـ«صناعة الترند»، وآثارها في عوالم السياسة، والاقتصاد، والثقافة، لكن تغيب في الوقت نفسه إلى حد كبير الدراسات والمراصد، التي تقاومه أو تواجه سلبياته، على نحو ما حدث في مراصد الأخبار الزائفة.
يتذرع البعض بأن مواجهة «الخبر الزائف» هي مواجهة للترند ضمناً، لكن هذا تعميم يفتقر إلى الدقة، فالأخير حسبما يرى الخبير الرقمي، خالد البرماوي، يشبه «صناعة النجم»، فهو أكثر تكثيفاً وأطول مدى وأدق استهدافاً، كما أنه ليس بالضرورة أن يكون زائفاً، فقد يكون صحيحاً، ولكن تم التركيز فيه على أجزاء وتجاهل أجزاء، أو تعرض للمبالغة، أو منح اهتماماً لا يستحقه.
اللافت في قصة عامل النظافة، أن «الترند» معظمه صنع مادة مزورة، فلا العامل صرح حول مؤتمر المناخ، ولا هناك خناقة بسببه في بلاتوه تصوير، ولا مذيعة القناة الفضائية الشهيرة تزوجته. إنها حفلات «الشواء الإلكتروني» حين تبحث عن وقود.
طبقاً لمتابعة خبراء الإعلام، لم تتضمن الواقعة أبسط عناصر القصة الخبرية التي تكفل التصدر.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news