الصحافيون و«إنترنت الأشياء»
انتشر في السنوات الأخيرة مصطلح «إنترنت الأشياء»، والذي يتم اختصاره إلى «آي أو تي»، ويعني الجيل الجديد من الإنترنت، حيث يتيح التواصل بين الأجهزة الإلكترونية المؤتمتة، دون وسيط بشري.
وتعود نشأة هذا الجيل من الإنترنت إلى مطلع الثمانينات، ويعتبر خبراء أن «فاترينة البيع الآلية» التي طورتها جامعة كارنيغي ميلتون، والتي تسمح للمشتري بالحصول على احتياجاته بمجرد وضع قطعة نقود، أولى خطاه.
ويمثل نقاش وضع الصحافة في زمن «إنترنت الأشياء» محطة أبعد وأدق من نقاش فكرة «الصحافة الرقمية» ذات الصيغة العمومية، كما يعتبر هذا التحدي نوعياً مقارنة بدخوله مجالات أخرى، لأسباب منها أن الصحافة مهنة جوهرها المعلومات وتدقيقها، ومعرفة مصادرها الأولى، كما أن الصحافة بخطوها في هذا العالم، وكما يرى الصحافي أندريه هام، في مقاله «أشياء جديدة.. وحدود جديدة»، في دورية «تايلور فرانسيس أونلاين»، تدخل مداراً مختلفاً، مفرداته طائرات الدرون، وداعمات الصوت، والأقمار الاصطناعية، والكاميرات المزودة بالشرائح الرقيقة، والحساسات، واللاسلكيات، بل إنها عند البعض تنتقل لتصبح نموذجاً يطلقون عليه اسم «صحافة الأشياء» (جيه أو تي).
وترى الباحثة الإعلامية في مدرسة «هارفارد كنيدي» إيفي باندا، في مقال لها في دورية «ذي جورناليست سورس»، المعنية بقضايا الإعلام وتطوراته، أنه رغم كل شيء يمكن للصحافي أن يتعايش مع هذه التطورات، (مع بقاء عالمه القديم تقصد) لكن هناك مخاطر أساسية تهدد الصحافي في تعامله مع «إنترنت الأشياء» هي الفجوات التنظيمية الحكومية، والمخاطر القانونية، ومخاطر بروفايل المصدر، ومخاطر التتبع، ومخاطر صعوبة نسبة الخبر، ومخاطر الشبكات العنكبوتية وتداخلها وإمكانات اختراقها، وهي مخاطر رغم تبايناتها تنطوي على عامل مشترك، يمكن إجمالها في القلق من استبعاد العنصر البشري، والذي يمثل طمأنينة وضمانة وتأكيد مصداقية في نقل الخبر.
ويرى متابعون آخرون، أن الأمر بخلاف ذلك تماماً، وأن تقديم وصفات حول التعايش مع ثورة «إنترنت الأشياء» أو حتى «صحافة الأشياء»، هو مضيعة للوقت، فالأرجح أن انقلاباً شاملاً سيحدث، سيتغير فيه دور الصحافي، ودور القارئ، بل ودور الصحافة نفسها، وكما ترى، إيفي باندا، فإن الصحافي في ظل وجود عالم من الأجهزة المتواصلة، لن يصبح في العالم الجديد وحده «حارس بوابة الحقيقة»، كما ستكون هناك ميزة المقارنة الحية الوقتية للمعلومة، وفرصة القارئ في اختيار المعلومة، والتواصل مع صحافييه 24 ساعة في اليوم، ومنحه - أي الصحافي - تغذيه استرجاعيه لخبره.
إنه عالم كامل تماماً علينا ألا نجهد أنفسنا في تصور تفاصيله.
نقاش وضع الصحافة في زمن «إنترنت الأشياء» محطة أبعد وأدق من نقاش فكرة «الصحافة الرقمية» ذات الصيغة العمومية.