«الناتو» يتخذ موقفاً متزناً حيال حادث «صاروخ بولندا»
أعلنت بولندا، أول من أمس، أن صاروخاً روسياً سقط في أراضيها، وأدى إلى مقتل شخصين من المدنيين. وألمحت المعلومات الأولية عن الهجوم إلى أن هذا الحادث ربما يؤدي إلى جعل الحسابات الاستراتيجية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) تجاه الحرب في أوكرانيا أكثر تعقيداً بدرجة كبيرة.
فبولندا، عموماً، عضو في «الناتو»، ولديها اتجاه شرس ضد روسيا في ثقافتها الاستراتيجية. ومن المواد الأساسية التي قام على أساسها «الناتو»، المادة الخامسة التي تتضمن التزاماً بالنسبة لجميع أعضاء الحلف، بأن «أي هجوم على أي دولة منها يعتبر هجوماً على جميع دول الحلف». وإذا تم جمع كل هذه النقاط معاً يمكن للمراقب العادي بسهولة القول إن «الناتو» على وشك الدخول في حرب.
وترى كاثلين جيه. إينس، وهي كبيرة زملاء في برنامج الأمن الدولي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأميركي، ودانيال فاتا، المستشار غير المقيم ببرنامج الأمن الدولي بالمركز، أنه على أية حال، بدا أن الهجوم الصاروخي لم يكن هجوماً روسياً مقصوداً على الأراضي البولندية، ولكنه نتيجة عرضية مأساوية لمحاولة القوات الأوكرانية الدفاع عن كييف في مواجهة وابل من نيران العدو.
وعلى الرغم من أنه كانت هناك دعوات فورية من جانب «الأطلسي» إلى إظهار وحدة الحلف، اتضح أن «الناتو» فعل ما هو مطلوب منه فعله: «وهو الحصول على الحقائق، والتحقق مما حدث، وبحث مسارات العمل الحكيمة الممكنة، وتنفس الصعداء».
وقال فاتا وإينس، في تحليل نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن «الناتو» وضع نهجاً متطوّراً في ما يتعلق بمساندة أوكرانيا، مع البقاء بعيداً عن الحرب نفسها. فقد قامت الدول أعضاء «الناتو» - كل على حدة - بتزويد أوكرانيا بالأسلحة والمساعدات العسكرية، لكن الحلف قصر عمله حتى اليوم على تزويدها بالدعم غير القاتل، ومن ثم فإنه ليس طرفاً في الحرب.
ومع ذلك، فإن الحرب معقدة بطبيعتها وتنطوى على خلافات كثيرة. فهي تصيب البشر بالارتباك وتؤدي إلى فشل الأنظمة. وفي ضوء هذا، وفي ظل كميات الصواريخ الهائلة التي تمطر بها روسيا أوكرانيا، من الغريب إلى حد ما عدم وقوع حادث مثل هذا بالفعل.
وتحديد هذا النوع من المواقف هو الذي يظهر وحدة المؤسسات مثل حلف «الناتو». وبدلاً من أن يقوم «الناتو» على الفور ومن دون قصد بتصعيد الأزمة، اعتمد هو والأعضاء على روابط وعلاقات مؤسسية قائمة منذ عقود طويلة، للتوصل إلى نهج متزن للموقف، وقائم على أساس الحقائق.
ويقول فاتا وإينس إنه «على الرغم من أن (الناتو) معروف بالتزامه بالدفاع الجماعي بمقتضى المادة الخامسة، هناك وسيلة أخرى قوية للتصرف في متناوله وهي آليات المشاورات الدفاعية، التي تعتبر جزءاً من المادة الخامسة». وهذه الآليات تتيح لدول «الناتو» التوصل لرأي مشترك للموقف، والاتفاق على رد فعل منسق على نطاق الحلف في مواجهة الأزمات.
وليس من الواضح ما إذا كانت وارسو قد طلبت اللجوء لآلية المشاورات الدفاعية في أعقاب الهجوم الصاروخي. لكن في الأيام المقبلة سيبعث اجتماع القادة والمسؤولين العسكريين في «الناتو»، لبحث ما يحتاج الحلف عمله في حالة أي أزمة مستقبلية من هذا النوع برسالة قوية إلى بوتين بأن «الناتو» مازال متحداً. كما يمكن للحلف الاستفادة من آلية المشاورات، لبحث التعامل مع الهجمات العرضية أو المقصودة على أراضي دول «الناتو» والتخطيط لذلك.
اعتمد «الناتو» والأعضاء على روابط وعلاقات مؤسسية قائمة منذ عقود طويلة، للتوصل إلى نهج متزن للموقف، وقائم على أساس الحقائق.