«عكا».. أقدم مدن فلسطين تعاني تقييد المساحات البحرية
عند التقاء شمال فلسطين مع البحر الأبيض المتوسط، تقع مدينة عكا، أقدم المدن الفلسطينية الساحلية التاريخية، التي تشتهر بأسوارها المائية العتيدة الممتدة مع امتداد ساحلها، وتخصص سكانها على مر الأزمنة والعصور في مهنة صيد أسماك المتوسط، الذي يحيط بالمدينة الساحلية من اتجاهين.
جميع ما سبق ذكره أصبح في حكم الماضي.. فاليوم تعيش عكا وسكانها مآسي حقيقية متعددة، فقد حوّلت السلطات الإسرائيلية أماكن الصيد ذات الأسماك الوفيرة في بحر عكا إلى محميات طبيعية، والتي تقع جميعها داخل مسافات عميقة، إلى جانب تعمد الاحتلال تقليل عدد الصيادين الفلسطينيين، من خلال منع قواربهم من الإبحار، وتقييد منحهم تراخيص الصيد.
ونتيجة ذلك، تحوّلت القوارب من العمل في مجال الصيد إلى الاقتصار على القطاع السياحي، الذي ينشط في فصل الصيف فقط، مقارنة بمهنة الصيد التي لا تنقطع على مدار فصول العام.
دروب المعاناة
«الإمارات اليوم» شقت عباب بحر مدينة الأسوار التاريخية، برفقة نقيب صيادي عكا وقرية «جسر الزرقاء» المجاورة، سامي العلي، الذي يقطن داخل بلدة عكا القديمة، المطلة مباشرة على البحر المتوسط، ليوثق دروب المعاناة، وصنوف القيود المفروضة على صيادي المدينة الساحلية.
ويقول العلي: «نحن نتعرّض إلى تهميش وإهمال من قبل قوات الاحتلال، التي تلاحقنا على مدار الوقت، وإلى جانب ذلك تُفرض ضدنا قوانين وإجراءات مجحفة متتالية، فإن سلطة حماية الطبيعة ووزارتي البيئة والزراعة الإسرائيليتين أقرّت سياسات ونظم جديدة، وفرضت ما يُسمى بـ(خطة إصلاح)».
ويوضح أن «هذا المخطط يشمل في مضمونه جملة من القيود الصارمة ضد الصيادين الفلسطينيين، لتقييد حركتهم داخل البحر، ومحاربة مصدر رزقهم الذي يوفر لعائلاتهم لقمة العيش الكريم».
ويشير نقيب الصيادين إلى أن «أقسى القيود المفروضة على صيادي عكا وقراها المجاورة، التضييق على الحيز المكاني، وتحديد مسافات أقل عمقاً أمام صيادي عكا لدخولهم البحر، وإغلاق أماكن ومساحات مخصصة للصيد، وتحويلها إلى محميات طبيعية وتوسعة مناطق تلك المحميات».
تحديد نوع الأسماك وحجمها
الإجراءات الإسرائيلية ضد أهل البحر طالت الحيز الزماني لعمل الصيادين داخل المساحات المحددة من قبل سلطات الاحتلال، والتي فرضت حظر الصيد فترة تكاثر الأسماك، فمدير فرع الصيد في وزارة الزراعة الإسرائيلية، من صلاحياته اختيار شهرين ابتداءً من أبريل حتى يوليو لفرض القيود الزمانية على الصيادين، لمنعهم من العمل في مهنتهم الوحيدة داخل البحر، بحسب العلي.
ويكمل نقيب الصيادين: «في شهري يوليو وأغسطس تمنع السلطات الإسرائيلية الصيد بالسفن التجارية كبيرة الحجم، والشهيرة باسم (الجر)، مع العلم أننا إذا أردنا الصيد في العواصف والشتاء نحتاج إلى هذه السفن التي تحظر من العمل».
ويستدرك العلي قائلاً: «حتى في الأيام التي لا نحظر من العمل خلالها، لا تسمح لنا السلطات بالصيد بشكل يومي، وبالتالي فإن محصول الصيد لا يكفي لتغطية تكاليف الوقود وأجرة عمال الصيد».
وينوه إلى أن الحظر الإسرائيلي يطال أحجام الأسماك المسموح بصيدها وأنواعها من بحر عكا وجاراتها، التي يُضاف إليها العديد من الأصناف في كل عام، مضيفاً: «إن سمكة الهامور (اللوكس الصخري) إذا اصطادها الصياد وكان حجمها أقل من 40 سنتيمتراً، يفرض عليه إرجاعها إلى البحر وإن كانت ميتة، بدلاً من الانتفاع بها».
وإلى جانب القيود والإجراءات التعسفية السابقة، فإن قرى «الطنطورة» و«الفريديس» و«جسر الزرقاء» المجاورة لمدينة عكا الساحلية، تفرض إسرائيل بحقها العديد من المضايقات التي تطال الصيادين ما بعد عملية الصيد، أبرزها تقييد عمليات تخزين الأسماك، وعدم توفير الإمكانات اللازمة من شبكات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، لعدم وجود ميناء كبير في تلك المناطق.
ويجزم العلي بأن الإجراءات الإسرائيلية ضد صيادي عكا وقراها تُعدّ تقييداً صارماً، كونها تدفع أهل البحر قسراً إلى مستويات الفقر والبطالة، منوّها إلى أن الاحتلال لا يوفر تعويضاً للصيادين على المستوى المعيشي، أو في ما يتعلق بالخسارة التي تلحق بهم، نتيجة جملة القيود المتتالية بلا نهاية.
تقييد تراخيص الصيد
على مقربة من الأسوار الشهيرة، يطل الصياد الفلسطيني، أحمد حلاوة، على مرفأ عكا بالبلدة القديمة، الذي عمل بداخله على مدار أربعة عقود من الزمن في مهنة صيد أسماك المتوسط، ليقول بنبرة حزينة: «إن السلطات الإسرائيلية تبتكر إجراءات عدة للتضييق على أهل البحر، لدفعهم إلى الرحيل القسري، ومنها تقييد الحصول على تراخيص الصيد وعمل المراكب، ومنعها في كثير من الأحيان».
ويسترسل حلاوة: «إن تراخيص الصيد التي نمتلكها تسحبها السلطات غالباً، وتعتبرها ملغاة، فيما تماطلنا في عملية تجديدها، حيث يستقبل الصياد إخطاراً عبر البريد الورقي من قبل الجهات الإسرائيلية المختصة، تخبرهم بقرار سحب تراخيص الصيد، لذرائع واهية، الهدف منها النيل من صيادي عكا الفلسطينيين».
ويضيف: «إن السلطات الإسرائيلية تحرر ضد الصيادين مخالفات كثيرة، تكون ذريعة لسحب تراخيص الصيد، منها التذرع بركن القوارب أو الصيد في أماكن محظورة، علماً أن الحكومة الإسرائيلية تضيق مساحات الصيد لإجبارنا على ترك مهنتنا الوحيدة التي ورثناها عن الآباء والأجداد، ومغادرة البحر، لتسهل عملية السيطرة عليها، وتهجير سكان عكا المطلة بكامل منازلها على شاطئ البحر المتوسط».
ويشير الصياد الفلسطيني إلى أنه «من أسباب سحب تراخيص الصيد أيضاً، الضرائب الكثيرة المفروضة على أهل البحر، التي يعجز الصياد عن توفيرها، لقلة الصيد داخل مياه البحر، بسبب قيود الحكومة المفروضة ضد صيادي عكا».
تلوّث بحري
لا تتوقف مضايقات الاحتلال بحق أهل الصيد عند تطبيق إجراءات أو فرض قيود بعينها، لتمارس إسرائيل سياسة غير مباشرة تهدد مستقبل مهنة الصيد داخل مياه البحر، ومنها تلوّث ساحل عكا وتحويله إلى مكب للنفايات، كما يؤكد حلواني.
ويقول الصياد الفلسطيني: «إن بحر عكا يواجه أضراراً حقيقية تنذر بالقضاء على الثروة السمكية، نتيجة تسرب مخلفات مصافي المصانع الإسرائيلية في (خليج عكا - حيفا)، منذ سنوات عدة، بموافقة وزارة الزراعة، دون توقف حقيقي لإنهاء هذه الأضرار الجسيمة، إلى جانب مخلفات محطات تحلية المياه وشركة الكهرباء الإسرائيلية من الفحم الحجري».
ويكمل حلاوة حديثه: «إن الحكومة الإسرائيلية تتجاهل مصانعها الملوّثة للبيئة البحرية، وتلاحق الصياد بحجة الخطر الذي يهدد تلك المناطق، على الرغم من أن 1000 يوم من الصيد يساوي يوماً واحداً من التلوّث الناتج عن مخلفات المصانع الإسرائيلية».
الحظر الإسرائيلي يطال أحجام الأسماك المسموح بصيدها وأنواعها من بحر عكا وجاراتها، والتي يضاف إليها العديد من الأصناف في كل عام.
السلطات الإسرائيلية تحرر ضد الصيادين مخالفات كثيرة، تكون ذريعة لسحب تراخيص الصيد، منها التذرع بركن القوارب أو الصيد في أماكن محظورة، علماً أن الاحتلال يضيق مساحات الصيد لإجبارهم على ترك المهنة ومغادرة البحر.