الانتقال إلى الديمقراطية في السودان يحتاج إلى الدعم الأميركي
من الواضح أن السودان يعيش الآن أزمة طاحنة، إذ تمت الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن أحمد البشير عام 2019، وتضمنت الحكومة الانتقالية التي جاءت بعد البشير ممثلين من الجيش، والمجتمع المدني، ولكن ترتيبات تقاسم السلطة انهارت وسيطر مسؤولو الأمن، ولا يوجد حكومة في السودان منذ نحو عام، واستمر الصراع في دارفور، ومناطق أخرى مزقتها الحرب مثل جنوب كردفان، وولاية النيل الأزرق، وكانت هذه فرصة ملائمة لروسيا كي تستفيد من الثروة المعدنية الموجودة في السودان، وقامت باستخراج الذهب لدعم اقتصادها في ظل العقوبات الغربية.
وسيطر على السلطة أكبر جنرالين في السودان وهما الجنرال عبدالفتاح البرهان والجنرال محمد حمدان دقلو «المعروف بحميدتي» في 25 أكتوبر 2021. وقاما باعتقال رئيس الحكومة، وفرضا قانون الطوارئ، وهاجما المتظاهرين السلميين الذين يدعون للديمقراطية. ودانت الولايات المتحدة هذا الانقلاب بشدة، وأوقفت مساعدات بقيمة 700 مليون دولار كانت مخصصة للمرحلة الانتقالية في السودان، وسحبت دعمها لتخفيف الديون التي بلغت 50 مليار دولار.
الانخراط في حوار
وفي ظل غياب الحكومة، شغل الفراغ الناجم عدد من اللاعبين مثل مجموعة فاغنر، وهي قوة مرتزقة من روسيا يقودها يفغيني بريغوجين. ولدى بدء الحرب في أوكرانيا صادف أن حميدتي كان في موسكو مع وفد تجاري. ولكنه اعترف لاحقاً بأن زيارته كانت في غير محلها، وهو يسعى الآن إلى التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة.
وبغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبها السودانيون يتعين على واشنطن الآن دفع المسؤولين الأمنيين إلى الانخراط في حوار لخدمة السلام والتقدم في السودان.
وخلال اجتماعاتي في الخرطوم في بداية الشهر الجاري، صادق حميدتي على دستور مدني للسودان، وعلى عقد الانتخابات الوطنية في 2023. وأكد أنه يجب على المجموعات المدنية، مثل «قوى الدفاع عن الحرية والتغيير» و«لجان المقاومة»، أن تكون جزءاً من مستقبل حكومة السودان الديمقراطية، محذراً من أن أي اتفاق من دون مشاركتهم سيفشل ويثير الصراع في الدولة.
محاكمات
وإضافة إلى ذلك، انتقد حميدتي الإسلاميين المرتبطين بالبشير، مستنكراً جهودهم الرامية إلى التغلغل في نظام الدولة بهدف تغيير شخصية السودان، عن طريق مأسسة الإسلام. ويدعم حميدتي برنامجاً وطنياً للعدل الانتقالي، مؤكداً أنه يجب التحقيق والمحاسبة لرجال الأمن، بمن فيهم أعضاء قوات الدعم السريع، التي يقال إنها ارتكبت العديد من الجرائم ضد الشعب السوداني. وهو يدعم أيضاً نظاماً للتوصل إلى الحقيقة، والذي يعتمد على التقاليد السودانية وأفضل الممارسات الدولية بهدف تعزيز السلام المستدام، والتعافي والمصالحة الوطنية.
ويشعر جميع المحاورين السودانيين بالأسف نتيجة الانقسامات في المجتمع السوداني. وهم يعترفون بأن الحوار مهم جداً للتوصل إلى الإجماع من أجل المرحلة السياسية الانتقالية في الدولة. ولكن ينبغي الحكم على الجنرالات بما يفعلونه وليس بما يقولون.
مظلة الحكومة المدنية
ويجب على برهان وحميدتي دعم جيش واحد تحت مظلة الحكومة المدنية. وإضافة إلى ذلك، يجب محاكمة المسؤولين الأمنيين الذين ارتكبوا جرائم ضد الشعب السوداني. ولانزال ننتظر أن نسمع من اللجنة التي تحقق في الأحداث التي وقعت في الثالث من يونيو 2021، عندما تعرض متظاهرون مدنيون للقتل وألقيت أجسادهم في نهر النيل.
وإذا تمكن المسؤولون الأمنيون من التغلب على خلافاتهم، فسيتحد المجتمع المدني حول خطة لاستعادة الحكم المدني. وهناك خلافات جوهرية بين «قوى الدفاع عن الحرية والتغيير» و«لجان المقاومة في الأحياء» مع تفاقم الخلافات الشخصية نتيجة الخلاف على دستور السودان.
وتعتقد قوى الدفاع عن الحرية والتغيير أن دستور 2019 يجب تحديثه، في حين أعادت نقابة المحامين السودانيين صياغة الدستور السوداني برمته، حيث بدأت من الصفر. ولهذا يجب على جميع الأطراف التصالح بشأن هذه الخلافات.
واندلع العنف في دارفور وأطراف السودان من جديد. ويدعو اتفاق «جوبا» الذي تم التوصل إليه في عام 2020، إلى الاعتراف بالقوات الأمنية والجيش، ووضع خارطة طريق من أجل العدالة الانتقالية، تتضمن تعويضات واعتذارات، إضافة إلى صيغ معينة من أجل المجموعات العرقية كي تشارك في المرحلة الانتقالية السياسية في السودان. ويجب أن تشارك المجموعات الموجودة في شرق السودان، التي لم توقع على الاتفاقية، أيضاً كجزء من الجهود الشاملة لإعادة إحياء الاتفاق.
الحاجة إلى دور أكبر للولايات المتحدة
وأصبح الشعب السوداني منقسماً على نفسه، بيد أنهم اتفقوا جميعاً على الحاجة إلى مزيد من دور استباقي أكبر من الولايات المتحدة. وهم يريدون من إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، المساعدة للتوسط بين قطاعات أجهزة الأمن، وفصائل المجتمع المدني، والجيش والمجتمع المدني. والأهم من كل ذلك أن الحكومة الجديدة تحتاج إلى موقف واضح إزاء روسيا. وخصوصاً في ما يتعلق بإنشاء قواعد جوية وبحرية لها على البحر الأحمر.
وترغب الولايات المتحدة في وضع نهاية للأزمة التي عصفت بالسودان لعقود عدة. وتعتبر واشنطن أكبر مانح للمساعدات الإنسانية لدولة السودان، ولكن الإغاثة المفتوحة غير مستدامة.
وإضافة إلى ذلك، فإنه من مصلحة الولايات المتحدة القومية تقديم المساعدة للسودان كي تحل جميع خلافاته وتتشكل حكومة مدنية. وسيكون للاستقرار في السودان تأثير مضاعف في جميع أنحاء القرن الإفريقي، حيث يؤثر في الدول التي تمزقها الحرب مثل إثيوبيا. وفي غياب مشاركة الولايات المتحدة، هناك دول أخرى تنتظر تعزيز استغلالها الاقتصادي ناهيك عن النشاطات غير الديمقراطية.
• بغض النظر عن الأخطاء التي ارتكبها السودانيون يتعين على واشنطن الآن دفع المسؤولين الأمنيين إلى الانخراط في حوار لخدمة السلام والتقدم في السودان.
• سيكون للاستقرار في السودان تأثير مضاعف في جميع أنحاء القرن الإفريقي، حيث يؤثر في الدول التي تمزقها الحرب مثل إثيوبيا.
• انتقد حميدتي الإسلاميين المرتبطين بالبشير، مستنكراً جهودهم الرامية إلى التغلغل في نظام الدولة بهدف تغيير شخصية السودان، عن طريق مأسسة الإسلام.
ديفيد فليبس ■ مدير برنامج صنع السلام وحقوق الإنسان في جامعة كولومبيا