رغم فشلها في تحقيق الأهداف المرجوة منها
الولايات المتحدة لم تتعلم أن العقوبات الاقتصادية لا تحل مشكلاتها
يقال إن تعريف الجنون هو فعل الشيء نفسه مراراً وتكراراً، وتوقع الحصول على نتائج مختلفة. ومع ذلك، فإن هذا بالضبط ما تقوم به الولايات المتحدة وآخرون من صُناع السياسة الغربية، عندما يفرضون عقوبات اقتصادية واسعة ضد الأنظمة التي يعتبرونها عدوة، أو التي تثير المتاعب لهم.
وعموماً لم تكن نتائج هذه العقوبات إيجابية. وبدلاً من إقناع قادة هذه الدول بتغيير سلوكياتهم، كانت هذه العقوبات الشاملة تعزز قناعتهم بما يقومون به، وحفزت انتشار الأسلحة النووية، وأشياء أخرى، في حين أن المواطنين العاديين لهذه الدول كانوا يعانون بالنظر إلى تدهور مستويات المعيشة وزيادة سيطرة الحكومات، بينما تزدهر أحوال النخبة من خلال السيطرة على الموارد المحدودة في الدولة. وشهدنا هذا يحدث مراراً وتكراراً في أماكن متعددة مثل فنزويلا، وإيران، وكوبا، وسورية، وكوريا الشمالية.
صورة محزنة
وهذه الدولة الأخيرة بصورة خاصة بمثابة صورة محزنة لهذه العقوبات. ومنذ أن بدأت بتطوير وتجريب الأسلحة النووية، بعد انسحاب إدارة جورج بوش الابن من اتفاقية حظر الانتشار النووي المعروفة باسم «الإطار المتفق عليه» عام 2002، توالت موجات العقوبات على كوريا الشمالية، وأصبحت تزداد عزلة. وعلى الرغم من عدم وجود مجاعة على نطاق واسع كالتي قتلت مليوني شخص في تسعينات القرن الماضي، إلا أنه يوجد انعدام أمن غذائي خطير لدى العديد من الكوريين الشماليين الذين يأكلون وجبة واحدة في اليوم، وفق مصادر مطلعة جيداً.
169 برج مراقبة
وباستخدام جائحة كورونا ذريعة، رفضت حكومة الرئيس الكوري الشمالي، كيم يونغ اون، التعامل مع وكالات المساعدات الدولية مثل برنامج الغذاء العالمي، وزادت من تعقيد الأمر على شعبها كي لا يعرف ما الذي يجري خارج بلدهم أو يتمكن من الهرب كلاجئ إلى دول أخرى. وكانت الحدود الصينية الكورية الشمالية سهلة الاختراق نسبياً بالنسبة للكوريين الشماليين، لكنها أصبحت الآن مغلقة تماماً، حيث قالت مصادر مطلعة إنه نصب فيها 169 برج مراقبة، وأسلاك شائكة مضاعفة، لمنع الكوريين الشماليين من الوصول إلى نهر «يالو» وعبوره، وفي النهاية الهرب إلى كوريا الجنوبية عن طريق دولة ثالثة. وفي هذه الأثناء نفذت كوريا الشمالية تجارب صاروخية عدة العام الجاري، وأعادت تشغيل مفاعل نووي في يونغ بيون، وهو ما يحتمل أن يكون كارثة إشعاعية يجري تحضيرها.نموذج إيران
وتعتبر إيران مثالاً آخر للعقوبات التي يتم فرضها. وتم فرض العديد من العقوبات قبل عام 2015 حيث لعبت اتفاقية «خطة العمل الشاملة والمشتركة» دوراً في التشجيع على مفاوضات نووية، ولكنها فقدت هدفها عندما انسحبت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من هذه الاتفاقية عام 2018، في الوقت الذي كانت فيه إيران تمتثل لها. وبدلاً من التفاوض على اتفاقية أفضل، قامت إيران بتطوير برنامجها النووي إلى درجة أصبحت فيها قادرة على إنتاج مواد انشطارية قادرة على صنع قنبلة نووية في غضون أيام. وقامت إيران بتطوير برامج صاروخية متطورة، إضافة إلى طائرات بلا طيار «درون»
الدور الأساسي لإفقار الدولة
وتدهور الوضع السياسي في إيران نتيجة العقوبات. إذ أدى انسحاب ترامب من هذه الاتفاقية إلى تدمير الحظوظ السياسية لمن يؤيدونها في الحكومة الإيرانية. وبعد حدوث الاضطرابات الأخيرة في إيران تم فرض مزيد من العقوبات. ولكن المفاوضات الرامية لإنعاش اتفاقية خطة العمل المشترك، التي من الممكن أن تخفف العقوبات المفروضة على بنوك إيران، وصادرات نفطها وصناعاتها، أصبحت في حالة سبات.
وتلعب العقوبات الأميركية على إيران الدور الرئيس في تدهور الوضع الاقتصادي في البلد. وتزايد فقر الشعب الإيراني، كما انخفضت قيمة العملة المتداولة داخل الدولة، وتزايد التضخم، وانخفضت الاستثمارات والتجارة. ويعتبر نحو ثلث سكان الشعب الإيراني البالغ تعدادهم نحو 80 مليون نسمة في عداد الفقراء، وذلك وفق معايير الحكومة الإيرانية ذاتها، حيث بدأ الانحدار الاقتصادي على نطاق واسع في الدولة، منذ أن بدأت واشنطن عقوباتها الاقتصادية عليها، قبل عقد من الزمن.
وكتب الخبير التجاري الإيراني بيجان خاجبور مقالة قال فيها «استمرار إضعاف الطبقة المتوسطة في الدولة سيزيد من التآكل الاقتصادي الذي تعانيه الدولة نتيجة الافتقار إلى استثمارات البنية التحتية»
وكذلك الدول التي واجهت مثل هذه العقوبات الاقتصادية الكبيرة، مثل كوبا، وفنزويلا، وسورية، لم تتمكن من تغيير اقتصادها نحو الأفضل. وأخيراً قامت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بتخفيف قيود الاستثمارات الأميركية في إنتاج النفط في فنزويلا، لتعويض النفط الذي نقص في السوق بسبب العقوبات الكبيرة التي فرضتها واشنطن على روسيا.
ويشير أنصار العقوبات إلى أن هذه العقوبات ستشجع النظام على تغيير سياساته، إذا لم تغير الأنظمة نفسها. ولكن العلاقة بين العقوبات وتغيير النظام بسيطة وواهية، إن لم تكن غير موجودة أصلاً، ويبدو أن العقوبات غالباً ما تطيل أمد أسوأ الأنظمة، ولا تؤدي إلى انهيارها.
وبناء عليه، لماذا يستمر فرض العقوبات؟ إشارة إلى الفضيلة؟ بديلاً عن الحرب؟ لاسترضاء الجماهير السياسية المحلية؟ أم جميع ما سبق؟
هناك العديد من الأسباب، ولكن لا يبدو أن النتائج تبرر الوسيلة. وهل سيعترف السياسيون بالحقائق ويغيرون هذا الطريق الذي يسيرون فيه؟
باربرا سالفين صحافية أميركية
أنصار العقوبات يشيرون إلى أن هذه العقوبات ستشجع النظام على تغيير سياساته إذا لم تغير الأنظمة نفسها.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news