جواسيس أسهموا في الترويج لنهضة الصين السلمية
يرى الباحث ومحلل الشؤون الخارجية الأميركي، شون دورنز، أنه طوال عقود تعمل الصين الشيوعية وفق القول المأثور للسياسي والمنظر والقائد الصيني الراحل دينغ هشياو بينغ، وهو «أخفِ قوتك وانتظر وقتك». والآن وبعد أن انكشف هذا الغطاء، وأدركت الولايات المتحدة وحلفاؤها بصورة متأخرة، التهديد الذي تمثله الصين، يلوح في الأفق تساؤل هو: كيف أخطأ كثير من الخبراء وصانعي السياسات في فهم نهضة الصين؟
جواسيس وأكاذيب
وكما أوضح أليكس جوسكي في كتابه الجديد «جواسيس وأكاذيب»، كيف خدعت أكبر العمليات السرية الصينية العالم؟، فإن جزءاً من الإجابة عن هذا التساؤل يمكن أن نجدها في عمليات التأثير الصينية.
ولا يعرف علناً سوى القليل عن جواسيس الصين. ويأمل جوسكي، الذي عمل محللاً في معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي إيجاد حل لهذا الوضع. وفي كتابه صغير الحجم سهل التصفح، ينجح في تقديم لمحة عن أوجه وسائل الاستخبارات الصينية التي لا تحظى بقدر كبير من المناقشة.
ويقول دورنز أن كثيراً من الكتب حول جواسيس الصين، تركز على التجسس الصناعي أو الحالات البارزة مثل، لاري وو-تاي شين، وهو جاسوس صيني عمل لحساب الجيش الأميركي ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية طوال 40 عاماً. وعلى أي حال، فإن كتاب «جواسيس وأكاذيب» يوضح كيف تستخدم بكين الجواسيس لصياغة الروايات والتأثير في صانعي السياسات.
وفي كتابه يستخدم جوسكي مجموعة كبيرة مختلفة من المصادر، بما في ذلك المذكرات، والقضايا، واللقاءات مع ضباط استخبارات متقاعدين، لإبراز وكشف كيف خدع الحزب الشيوعي الصيني العالم.
أجهزة استخبارات عدة
فالصين تستخدم عدداً كبيراً من أجهزة الاستخبارات. وتضم وزارة الأمن العام وجيش التحرير الشعبي عناصر استخبارات، ولكن وزارة أمن الدولة هي التي تميل إلى جذب معظم الاهتمام.
وتقوم وزارة أمن الدولة بتحديد واستقطاب صنّاع السياسات والرأي.
وغالباً ما يتم تجنب التجنيد المباشر والأساليب العلنية. وبدلاً من ذلك تفضل وزارة أمن الدولة ومختلف منظمات الواجهة التابعة لها النهج المبسط.
ونتيجة لذلك يمكنها في الغالب تجنب لفت أنظار أجهزة إنفاذ القانون وسلطات مكافحة التجسس، التي يهتم كثير منها أساساً بالتجسس الصناعي ومحاولات سرقة الأسرار التجارية. وعلى الرغم من سرية وزارة أمن الدولة، فإنها جريئة بشكل مذهل.
ويوضح جوسكي أن عمليات التأثير الصينية «منتشرة على نطاق واسع، وتتم بمشاركة مباشرة من قادة الحزب الذين يحددون أهدافها». وأكثر نجاح مذهل لبكين هو جهد وزارة أمن الدولة «لإقناع الأجانب المؤثرين بأن الصين ستنهض سلمياً وتتحرر تدريجياً».
ويشير دورنز إلى أن رواية «النهضة السلمية» التي اختلقها الحزب الشيوعي الصيني حظيت بقبول واسع النطاق.
وكان الغرب سعيداً للغاية لتصديق ما يريد تصديقه، وهذا سمة أساسية في عملية تأثير.
استغلال
وبطبيعة الحال، لم يكن يعلم كثير من المشاهير المرتبطين بالأفراد والجماعات التي تعتبر واجهة لوزارة أمن الدولة أنه يتم استغلالهم من جانب جهاز استخبارات صيني، لنشر معلومات مضللة. وكما يوضح جوسكي، فإن مثل هذه العمليات منتشرة للغاية، وتعبر الخطوط السياسية. وبطبيعة الحال، فإن ذلك عزز فعاليتها.
ومن خلال خداع النخب الغربية البارزة، استطاعت بكين بناء قوتها وانتظرت وقتها. ويبدو أن زعيم الحزب الشيوعي الصيني الحالي، شى جين بينغ، يعتقد أن هذا الوقت قد حان.
ويقول دورنز إنه لم يتم خسارة كل شيء، فهناك دروس مستفادة. فلا يكتفي جوسكي بإبراز كيف أخطأ الغرب في فهم كل الأمور، ولكنه أيضاً يقدم توصيات لما ينبغي عمله.
أولاً، هناك ميل متأصل لدى كثيرين نحو تجنب تناول عمليات النفوذ. وكما يلاحظ جوسكي فإنه «من الحماقة أن يكرّس متخصص في مكافحة التجسس جهوده لملاحقة عمليات النفوذ التي لا تؤدي إلى أي إدانات تقريباً». وعموماً فإن التأثيرات طويلة المدى لمثل هذه العمليات نادراً ما تظهر على الفور.
التأثير في النخب
وعلاوة على ذلك، غالباً ما تشمل عمليات التأثير التي تقوم بها وزارة أمن الدولة النخب السياسية والاقتصادية، وهم أشخاص نادراً ما ترغب أجهزة الاستخبارات في إحراجهم في تحقيقات. ومعظم أجهزة مكافحة التجسس تركز أكثر على حماية أسرار الدولة، أو منع التجسس الصناعي؛ ومن ثم فإن عمليات التأثير التي تقوم بها وزارة أمن الدولة في مراكز الأبحاث ومؤتمرات الشؤون الخارجية تعتبر للوهلة الأولى ليست ضارة.
ثانياً، هناك أساطير قديمة كثيرة عن وسائل التجسس الصينية، لا تصمد أمام التحقق منها، رغم استخدامها من حين لآخر. وعلى سبيل المثال، كان يعتقد منذ فترة طويلة أن الصين استخدمت أسلوب «آلاف من حبات الرمل» بالنسبة إلى جمع المعلومات الاستخباراتية.
ويقول جوسكي إن «الجوهر الأساسي لهذه النظرية هو أن الصين تعتمد على أعداد كبيرة ذات صلة من الهواة ذوي الأصول الصينية لسرقة قدر كبير من المعلومات قليلة الأهمية، مع مشاركة قليلة نسبياً لجواسيس محترفين وأجهزة استخبارات». ولكن كما يوضح كتاب «جواسيس وأكاذيب» يعد هذا الافتراض زائفاً ويؤدي إلى تجاهل أساليب الصين، والتقليل من شأنها، وإساءة فهمها.
ويقول دورنز إن هناك قدراً ضئيلاً من المعلومات عن أجهزة التجسس الصينية وأساليبها. وهو أمر متوقع. ومع ذلك فإن الوسائل العلنية يمكن أن تساعد على تعويض هذا النقص، كما يوضح جوسكي نفسه.
ويخلص جوسكي إلى أنه «يجب إعطاء الأولوية لتوعية الرأي العام بالنسبة لأساليب التأثير الخاصة بالحزب الشيوعي الصيني ورواياته». ويؤكد دورنز أن كتاب جوسكي يقوم بهذه المهمة. ومن المأمول أن يطلع عليه صانعو السياسات والصحافيون من واشنطن إلى كانبيرا.
• تقوم وزارة أمن الدولة بتحديد واستقطاب صنّاع السياسات والرأي، وغالباً ما يتم تجنب التجنيد المباشر والأساليب العلنية. وبدلاً من ذلك تفضل وزارة أمن الدولة ومختلف منظمات الواجهة التابعة لها النهج المبسط.
• الصين تستخدم عدداً كبيراً من أجهزة الاستخبارات، وتضم وزارة الأمن العام وجيش التحرير الشعبي عناصر استخبارات، ولكن وزارة أمن الدولة هي التي تميل إلى جذب معظم الاهتمام.