هدنة إقليم «تيغراي» و«الاتفــــاق الإطاري».. آمال بتحقيق السلام في إثيوبيا والسودان
2022 عام تفجُّر الصراعات.. ومحاولة إعادة «رسم الخرائط»
قد يكون من باب التسطيح وتجاهل الحقائق لو اعتبرنا أن عام 2022 كان عاماً عادياً، لأن الأحداث التي وقعت في هذا العام كانت استثنائية بحق وأثرت في تبعاتها وآثارها، وربما في خصوصيتها، على العالم كله، لأن بعضها كان محاولة لإعادة «رسم الخرائط». ونظراً إلى أن أحداث العالم كثيرة ولا يمكننا أن نعرج عليها كلها، فإننا سنحاول التطرق لأهمها، مثل التظاهرات المتفجّرة في إيران منذ بضعة أشهر، والتي هزت النظام الإيراني من الداخل، وأثارت ردود فعل متباينة عبر العالم، وحرب أوكرانيا وما خلّفته من آثار اقتصادية وجيوسياسية على دول العالم، وبالذات القارة الأوروبية، ورحيل الملكة إليزابيث التي شكلت جزءاً كبيراً من تاريخ بريطانيا الحديث، وحظيت بشعبية كبيرة عبر العالم، وزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان وتحدّي الصين، وزيارة الرئيس جو بايدن إلى الشرق الأوسط وما أثارته من ردود أفعال، وزيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى السعودية وعقده أكثر من قمة فيما يمكن اعتباره إعادة تموضع لبكين جهة الشرق الأوسط، وإعادة توجه من قبل بعض الدول العربية تجاه بكين.
جعفر محمد أحمد À دبي / شهد عام 2022 انفراجة وآمالاً بتحقيق السلام والاستقرار في كل من إثيوبيا والسودان، حيث اتفق الطرفان الإثيوبيان المتحاربان في النزاع الدامي المستمر منذ سنتين في إقليم تيغراي على هدنة، عقب محادثات ماراثونية في الثاني من نوفمبر في بريتوريا عاصمة جنوب إفريقيا، تهدف إلى «وقف القتال» ووضع حد للحرب التي وصفتها منظمات غير حكومية بأنها «واحدة من الأكثر دموية في العالم». وعلى غرار ترحيب إقليمي ودولي بالاتفاق الإثيوبي، سارع الجار السودان إلى الإعراب عن ارتياحه لوقف الأعمال العدائية بين طرفي الصراع، وبعد شهر شهدت العاصمة السودانية في الخامس من ديسمبر توقيع «الاتفاق الإطاري» بين الشق العسكري في مجلس السيادة الحاكم في البلاد، وقوى إعلان «الحرية والتغيير - المجلس المركزي» ومجموعات متحالفة معها؛ لإنهاء الأزمة السياسية في السودان وإعادته إلى الحكم المدني.
إثيوبيا وجبهة تيغراي
بعد صراع استمر سنتين، وقّعت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية والسلطات المتمردة في منطقة تيغراي (شمال) في الثاني من نوفمبر في بريتوريا، اتفاقاً «لوقف القتال» حيث اتفق الطرفان الإثيوبيان المتحاربان على هدنة، بعد محادثات ماراثونية في بريتوريا.
ومثل اتفاق وقف الأعمال القتالية انفراجة دبلوماسية كبيرة بعد عامين من حرب أودت بحياة الآلاف، وشردت الملايين، ودفعت بمئات الآلاف نحو المجاعة.
واندلعت الحرب في نوفمبر 2020 بين قوات إقليم تيغراي من جهة، وقوات الجيش الاتحادي الإثيوبي وحلفائه، ومن بينهم قوات من أقاليم أخرى ومن إريتريا، من جهة أخرى. وبحلول أكتوبر 2022، كانت تلك الحرب قد حصدت أرواح ما بين 385 ألف و600 ألف شخص.
بعد انهيار وقف إطلاق النار (مارس - أغسطس) 2022، تصاعد العنف في الحرب إلى مستوى لم يشهده منذ شهور، ما أدى إلى نزوح ما يقرب من 574 ألف شخص، وقتل ما يقرب من 100 ألف آخرين في غضون أسابيع قليلة.
وأثار حجم العنف قلق المراقبين الدوليين، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، الذين حثوا الأطراف المتحاربة على العودة إلى مفاوضات السلام.
جرت محاولات لإعادة التفاوض بشأن اتفاق سلام خلال سبتمبر وأوائل أكتوبر 2022.
في الخامس من أكتوبر قبلت كل من الحكومة الإثيوبية وقوات تيغراي دعوة من الاتحاد الإفريقي لإجراء محادثات سلام في جنوب إفريقيا، كان من المقرر إجراؤها في البداية بين السابع والثامن من أكتوبر، ولكن تأجلت المحادثات بسبب مجموعة من العوامل.
في نهاية المطاف، جرى تحديد موعد جديد لمفاوضات السلام في 25 أكتوبر في بريتوريا، إذ عقدت المحادثات بوساطة مشتركة من مبعوث الاتحاد الإفريقي أولوسيغون أوباسانجو، والرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا، ومبعوث الولايات المتحدة للقرن الإفريقي مايك هامر، ونائبة رئيس جنوب إفريقيا السابقة فومزيل ملامبو نجوكا. وقام المتحدث باسم جبهة تحرير تيغراي غيتاتشو رضا ومستشار الأمن القومي الإثيوبي رضوان حسين بدور المفاوضين الرئيسين.
في الثاني من نوفمبر 2022، أصدرت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي بياناً مشتركاً، ذكرا فيه أنهما «اتفقتا على إسكات البنادق بشكل دائم وإنهاء عامين من الصراع في شمال إثيوبيا».
غياب إريتريا
ولوحظ غياب إريتريا عن محادثات السلام، قبل وبعد توقيع الاتفاقية، ولم تُدل السلطات الإريترية بأي تصريحات بشأن الاتفاقية.
وقال وسيط الاتحاد الإفريقي الرئيس النيجيري السابق، أولوسيغون أوباسانجو، في حفل التوقيع، إن الاتفاقية ستشمل «نزع سلاح منهجي ومنظم وسلس ومنسق»، وستسمح بتقديم الإمدادات الإنسانية إلى تيغراي من جديد. ونصّ الاتفاق على إيصال مساعدات إنسانية إلى تيغراي المعزولة عن العالم، والتي حُرم سكانها البالغ عددهم ستة ملايين من الغذاء والدواء منذ أكثر منذ عام، وقد وصلت في 16 نوفمبر أول قافلة إغاثة منذ أغسطس. من جانبه رحب رئيس الوزراء، آبي أحمد، بالاتفاق، مشيراً إلى أنه كان «عملاً هائلاً في دفع إثيوبيا إلى الأمام على طريق الإصلاحات». وذكر كذلك أن «التزام إثيوبيا بالسلام لايزال ثابتاً، كما أن التزامنا بالتعاون من أجل تنفيذ الاتفاقية قوي بالقدر نفسه».
شروط الاتفاقية بين الحكومة الإثيوبية وقوات تيغراي
تحتوي الاتفاقية الكاملة على ديباجة و15 مادة تبدأ بأهداف الاتفاقية في (المادة 1)، تليها المبادئ العامة التي يقوم عليها وقف إطلاق النار في (المادة 2). وتوجه المادة 13 كلا الطرفين إلى «تنفيذ هذه الاتفاقية بحسن نية» وتجنب محاولة تقويضها.
وافقت الجبهة على:
■ احترم سلطة الحكومة.
■ احترام «التفويض الدستوري للحكومة الاتحادية» بإرسال القوات وقوات الأمن إلى تيغراي.
■ عدم تجنيد قوات عسكرية أو تدريبها أو نشرها، أو عمل «استعدادات للنزاع».
■ احترام السيادة الإثيوبية وعدم تقويضها سواء بمفردها أو من خلال «العلاقات مع القوى الأجنبية».
■ عدم فرض تغيير في الحكومة بوسائل غير دستورية. وافقت الحكومة الإثيوبية على:
■ وقف جميع العمليات العسكرية ضد «مقاتلي الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي».
■ استعادة الخدمات الأساسية والضرورية إلى تيغراي في أسرع وقت ممكن.
■ التوقف عن تصنيف جبهة تحرير تيغراي كمجموعة إرهابية.
■ توفير وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى تيغراي.
السيادة والحدود الدولية:
نصت الاتفاقية على نشر قوة الدفاع الوطني الإثيوبية على طول الحدود الدولية لإثيوبيا، وأنه يتعين على الأطراف الموقعة على الاتفاقية حماية سيادة وسلامة أراضي البلاد وأمنها من التوغل الأجنبي، والتأكد من أنه لن يكون هناك أي استفزاز أو توغل من أي من جانبي الحدود». وكذلك تتولى السلطات الفيدرالية «السيطرة الكاملة والفعالة» على جميع مجالات الطيران والمطارات والطرق السريعة في تيغراي.
وإضافة إلى ذلك، تعهد الطرفان بحل «قضايا المناطق المتنازع عليها» بطريقة تتوافق مع دستور إثيوبيا.
الشق العسكري وقوى «الحرية والتغيير» يتفقان لإنهاء الأزمة السودانية وإقامة سلطة مدنية
بعد مُضي شهر على اتفاق الهدنة بين حكومة إثيوبيا وجبهة تحرير تيغراي، والهادف لتعزيز الاستقرار في منطقة القرن الإفريقي، والسودان تحديداً، بحكم الحدود المشتركة، حيث ظل هو الملجأ الأكبر الذي فر إليه عشرات آلاف الإثيوبيين خلال حرب إقليم تيغراي المجاور، شهدت العاصمة السودانية الخرطوم في الخامس من ديسمبر توقيع «الاتفاق الإطاري» بين الشق العسكري في مجلس السيادة الحاكم في البلاد، وقوى إعلان الحرية والتغيير - المجلس المركزي، ومجموعات متحالفة معها؛ لإنهاء الأزمة السياسية المستفحلة التي يعيشها السودان منذ أكثر من عام، وإعادته إلى الحكم المدني، وسط حضور دولي وإقليمي كبير، لأطراف أسهمت في التوصل إلى هذا الاتفاق.
وأقيمت مراسم التوقيع في القصر الرئاسي في الخرطوم بحضور الأطراف من قادة الجيش والمدنيين، رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو حميدتي، وبقية المكون العسكري في مجلس السيادة، بجانب قادة الأحزاب في تحالف «الحرية والتغيير».
وشاركت أيضاً في التوقيع أحزابٌ سياسية أخرى لكنَّها اتخذت موقفاً داعماً لعملية الانتقال المدني الديمقراطي في البلاد.
كما شاركت في مراسم التوقيع أيضاً «الآلية الثلاثية» الدولية التي تضم الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي ومنظمة «إيقاد»، بجانب «الآلية الرباعية» التي تضم السعودية والولايات المتحدة ودولة الإمارات وبريطانيا، بالإضافة إلى ممثلين عن دول الاتحاد الأوروبي والبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى الخرطوم.
الاتفاق الإطاري
ويتكون الاتفاق الإطاري من المبادئ العامة، التي تشمل ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة، وآليات العدالة الانتقالية، ووضع حد للإفلات من العقاب، وكذلك التأكيد على جيش مهني واحد، وملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة، وإقامة سلطة مدنية بالكامل دون مشاركة القوات النظامية، تتكون من مستوى سيادي مدني محدود، بمهام شرفية، يمثل رأس للدولة، ورمزاً للسيادة، وقائداً أعلى للأجهزة النظامية؛ ومستوى تنفيذي يرأسه رئيس وزراء مدني تختاره القوى الموقعة على الاتفاق، إضافة إلى مجلس تشريعي وآخر للأمن والدفاع يرأسه رئيس الوزراء، ويضم قادة الأجهزة النظامية وستة من حركات الكفاح المسلح الموقعة على سلام جوبا. وثمة قضايا تحتاج لمزيد من المشاورات بغية الوصول لاتفاق نهائي، تأتي في مقدمتها قضية العدالة والعدالة الانتقالية، تليها قضية اتفاق جوبا لسلام السودان، وإزالة تمكين نظام الرئيس المعزول، والإصلاح الأمني والعسكري، وقضية الشرق مع وضع الترتيبات المناسبة لاستقراره، وبما يحقق السلام العادل والمشاركة في السلطة.
هياكل السلطة الانتقالية في «الاتفاق الإطاري»
■ تتكون هياكل السلطة الانتقالية - بحسب ما نص عليه الاتفاق الإطاري - من مستوى سيادي ومجلس وزراء ومجلس تشريعي مدنية بالكامل.
■ تمثيل النساء في المجلس التشريعي بنسبة 40%.
■ المستوى السيادي سيكون مدنياً ومحدود العدد بمهام شرفية.
■ يتشكل مجلس الأمن والدفاع برئاسة رئيس الوزراء وعضوية الوزارات ذات الصلة وقادة الأجهزة النظامية.
■ تشكل المفوضيات المستقلة والمتخصصة والمجالس العدلية والنيابية.
الأجهزة النظامية ومهامها:
■ يأتي في مقدمة الأجهزة النظامية القوات المسلحة وقوات الدعم السريع وقوات الشرطة وجهاز المخابرات العامة.
■ القوات المسلحة وفق الاتفاق الإطاري مؤسسة نظامية قومية غير حزبية وبعقيدة تلتزم بالنظام الدستوري والمدني.
■ تضطلع القوات المسلحة بمهامها وفق ما نص عليه قانونها.
■ عليها كذلك تنفيذ المهام الواردة بالاتفاق الإطاري وفق خطة الحكومة الانتقالية.
■ تدمج في القوات المسلحة قوات الدعم السريع وفق الجداول الزمنية، كذلك دمج قوات الحركات المسلحة وفقاً لما ورد في اتفاقية جوبا.
■ حظر تكوين ميليشيات عسكرية أو شبه عسكرية.
■ حظر مزاولة القوات المسلحة الأعمال الاستثمارية والتجارية ما عدا تلك التي تتعلق بالتصنيع الحربي.
تفاصيل الاتفاق الإطاري
■ الفترة الانتقالية تحدد بعامين منذ لحظة تعيين رئيس وزراء، واختيار رئيس وزراء انتقالي من قبل قوى الثورة الموقعة على الاتفاق الإطاري.
وبحسب الاتفاق الإطاري رئيس الدولة سيكون القائد العام للجيش، كما أنه يوسع من صلاحيات رئيس الوزراء في الفترة الانتقالية.
■ إطلاق عملية شاملة لصناعة الدستور، وتنظيم عملية انتخابية شاملة بنهاية فترة انتقالية مدتها 24 شهراً على أن يتم تحديد مطلوباتها والتحضير لها في الدستور الانتقالي.
■ قضية الإصلاح الأمني والعسكري الذي يقود إلى جيش مهني وقومي واحد يحمي حدود البلاد والحكم المدني الديمقراطي وينأى بالجيش عن السياسة.
■ ضرورة إصلاح جميع الأجهزة النظامية وتحديد مهامها.
■ قضية إزالة تمكين نظام المعزول وتفكيكه في كل مؤسسات الدولة واسترداد الأموال والأصول المتحصل عليها بطرق غير مشروعة، ومراجعة قرارات إلغاء قرارات لجنة إزالة التمكين.
■ الإصلاح القانوني وإصلاح الأجهزة العدلية بما يحقق استقلاليتها ومهنيتها.
■ إيقاف التدهور الاقتصادي ومعالجة الأزمة المعيشية.
■ تنفيذ اتفاق سلام جوبا مع تقييمه وتقويمه.
■ استكمال السلام مع الحركات المسلحة غير الموقعة.
■ انتهاج سياسة خارجية متوازنة تحقق المصالح الوطنية العليا للدولة.
• يتكون الاتفاق الإطاري من المبادئ العامة التي تشمل ترسيخ مبدأ العدالة والمحاسبة، وآليات العدالة الانتقالية، ووضع حد للإفلات من العقاب، وأيضاً التأكيد على جيش مهني واحد، وملتزم بالعقيدة العسكرية الموحدة، وإقامة سلطة مدنية بالكامل دون مشاركة القوات النظامية.
المشاركون في توقيع «الاتفاقية الإطارية» التي ستبدأ فترة انتقالية جديدة في السودان. غيتي
فيضانات السودان أودت بحياة العشرات وشرّدت 136 ألف شخص
ربما كان من أسوأ الكوارث البيئية التي شهدها السودان في السنوات الأخيرة كارثة الفيضانات التي شردت عشرات الآلاف وأودت بحياة المئات، والتي ضربت أرجاء السودان في النصف الثاني من عام 2022، ما تسبب في وفاة العشرات وتشريد أكثر من 136 ألف شخص، حسب مفوضية العون الإنساني الحكومية والمنظمات الإنسانية العاملة في الميدان والسلطات المحلية. ووصلت حصيلة ضحايا الفيضانات بالبلاد منذ بدء موسم الأمطار في مايو الماضي إلى 134 قتيلاً. وتسببت الأمطار الغزيرة طوال أغسطس ومطلع سبتمبر، ذروة موسم الأمطار في السودان، بانهيار طرق ومنازل وبنية تحتية حيوية بجميع أنحاء البلاد، ما أدى إلى قطع خطوط الإمداد إلى المناطق الريفية التي تحتاج إلى مساعدات إنسانية.
ووفقاً لتقرير الأمم المتحدة الأخير عن الفيضانات، فقد تضرر 286 ألفاً و400 شخص، جراء الفيضانات التي دمرت أيضاً 16900 منزل.
مياه الأمطار والفيضانات غمرت بلدة عبود بمنطقة المناقل بولاية الجزيرة. أرشيفية - أ.ب