بريطانيا ظلت خارج الاتحاد الأوروبي ديمقراطية مستقرة. أرشيفية

الاتحاد الأوروبي وصل إلى أضعف حالاته منذ تأسيسه

يجب ألّا يكون هناك الكثير من الشكوك بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي «بريكست» هو أعظم انتصار للديمقراطية في التاريخ البريطاني، في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية. وبضربة واحدة تخلى غالبية الناخبين عن انهزامية نخبهم السياسية والثقافية، واستعادوا سيادتهم الوطنية. ولم نعد اليوم ندفع مليارات الجنيهات سنوياً للبيروقراطيين الأجانب غير المنتخبين، لوضع قوانين تهدف إلى تدميرنا.

لا داعي للقلق

ولم نعد نعتقل أشخاصاً لأنهم يستعدون للإطاحة بالدولة، كما حدث في ألمانيا. ولم تواجه حكومتنا تهم التجسس على المعارضة السياسية، كما حدث في اليونان. ولا داعي الآن للقلق من استخدام هنغاريا حق النقض للتصويت على تقديم مساعدات مالية إلى أوكرانيا. وإضافة إلى ذلك، لم يشهد برلماننا اعتقال أحد كبار الأعضاء كجزء من تحقيق في فساد من قبل دولة أجنبية. وفي النهاية، لم نواجه مطالب تعويض في زمن الحرب بتريليونات الجنيهات، كما تطالب بولندا، واليونان ألمانيا، اللتان تبدوان بأنهما جادتان بصورة كبيرة لتحقيق مطالبهما.

وفي الحقيقة، فإن عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، بالنظر إلى تاريخنا الوطني الناجح، بصورة فريدة، غير طبيعية، إذ إن الاتحاد الأوروبي ذاته كان غير طبيعي أيضاً. ولطالما كانت أوروبا دائماً عبارة عن مجموعة من الدول المتنافسة، والتي أسهم تنافسها الاقتصادي، والتقني، والتجاري، والفكري في دفع التطور الأوروبي.

اندلاع الحروب

وبالطبع، فقد كان هذا التنافس أحياناً يؤدي إلى اندلاع الحروب. ولكن بعد ذلك يتم تشكيل تحالفات لهزيمة أي نظام مستبد يهدد التوازن الأوروبي. ومعظم هذه التحالفات تقريباً كانت بريطانيا تلعب فيها دور رأس الحربة، ولهذا فإن الاستقلال البريطاني، وليس الوحدة الأوروبية هي التي حفظت الديمقراطية في أوروبا.

بريطانيا تخلو من الأحزاب المتطرفة

وفي هذه الأيام، تستطيع بريطانيا مرة أخرى استئناف ذلك الدور التاريخي. وهي تقوم بدور الريادة في دعم أوكرانيا. ونحن نتصرف كقوة مستقلة متقدمة من جديد، حيث عقدنا اتفاقيات مع السويد وفنلندا، وأنشأنا اتفاق أوكس مع أستراليا والولايات المتحدة، وأبرمنا ثلاث اتفاقيات تجارية في شتى أنحاء العالم، إضافة إلى واحدة مع اليابان، والتي على الرغم من الانتقادات، شهدت زيادة في التجارة وليس نقصاناً.

ديمقراطية مستقرة

وخارج الاتحاد الأوروبي ظلت بريطانيا ديمقراطية مستقرة. وتخلو بريطانيا من الأحزاب المتطرفة أمثال التجمع الوطني في فرنسا، أو حزب البديل لألمانيا، وأخوة إيطاليا، أو الديمقراطيين السويديين. وربما انطوى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على بعض المتاعب، ولكن لم تصل الأحزاب المتطرفة إلى قيادة الحكومة أو المعارضة، وللأسف هذا ما يحدث في أوروبا حالياً.

وبالطبع، بالنظر إلى جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، تواجه بريطانيا تحديات اقتصادية صعبة. ومع ذلك فإن النمو الاقتصادي في بريطانيا منذ عام 2016 يتعادل مع النمو في ألمانيا، إذ إن التضخم هناك أقل من بعض الاقتصادات الرئيسة في الاتحاد الأوروبي، كما أن معدلات الفائدة في بريطانيا أقل منها في الولايات المتحدة وكندا، ولايزال «بنك سيتي» هو المركز المالي الطاغي في أوروبا. وأما سوق الأسهم، وعلى الرغم من موجة التعليقات المضللة، فإنه لايزال أفضل مما هو عليه في فرنسا.

عضة ضعيفة

وإذا نظرنا إلى الوضع الدستوري، فقد وضعت المحكمة العليا رئيسة الحزب الوطني الأسكتلندي في مكانها بحزم، كما أن حزبها «الوطني الأسكتلندي» في حالة انقسام، ولا يبدو أن هناك أي مجال لاستقلال أسكتلندا. والاتحاد الإنجليزي لن ينفصل كما توقع الرافضون تفككه. وثمة أمل في التوصل إلى اتفاق بشأن بروتوكول إيرلندا الشمالية. وفي هذه الأثناء، تقبل السير كير ستارمر خروج بريطانيا من المملكة المتحدة بعد أن كان عدواً لدوداً لذلك.

وبناء عليه، يجدر بنا التساؤل: من يريد بكامل قوته العقلية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الآن؟ إذ إنه ليس هناك فوائد اقتصادية، كما أن العقبات الدستورية ستكون كثيرة، وسيكون ذلك مثل الدخول في حجر أفعى، أو في غرفة التعذيب.

وإضافة إلى ذلك، فإن الاتحاد الأوروبي لن يستمر لفترة طويلة، ما لم يحقق الكثير من التطور، لأنه يفتقر إلى الوحدة المالية، وفي القوات المسلحة، والمحاسبة في الحكومات. وهو يمتلك برلماناً متصلباً، وعملة كثرت متاعبها. وكما قال أول مستشار لألمانيا أوتو فون بسمارك عن إيطاليا، فإن الاتحاد الأوروبي «لديه شهية كبيرة، لكن أسنانه ضعيفة»، ولهذا يجب عدم الخوف من عضته.

• تخلو بريطانيا من الأحزاب المتطرفة أمثال التجمع الوطني في فرنسا، أو حزب البديل لألمانيا، وأخوة إيطاليا، أو الديمقراطيين السويديين.

آلان سكيد - أستاذ أسكتلندي في التاريخ العالمي من جامعة لندن للاقتصاد

 

 

الأكثر مشاركة