الولايات المتحدة تدرس الأخطاء الاستراتيجية المرتكبة في أفغانستان

باحث أميركي: واشنطن في حاجة لفهم «طالبان» حتى تستطيع تغييرها

صورة

يروي الباحث الأميركي الدكتور قمر الهدى، أستاذ العلاقات الدولية الزائر بالأكاديمية البحرية الأميركية، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية انطباعاته عن زيارته الأخيرة لأفغانستان، حيث أجرى حواراً مع نائب وزير الإعلام والثقافة في الحكومة الأفغانية، ذبيح الله مجاهد.

وحول تساؤلات قمر الهدى عن حكم «طالبان» وعزل المجتمع الدولي لأفغانستان، قال له مجاهد بحزم «أنصت لي، هذه الدولة أمامها طريق طويل قبل أن تشهد حدوث نهضة، ولكنها سوف تحدث أمام العالم كله.. وسوف ترى».

تسوّل

ويقول قمر الهدى، الذي عمل سابقاً مستشار سياسات بمكتب وزير الخارجية الأميركية للشؤون الدينية والعالمية، إن تفاؤل مجاهد ليس نشازاً، إذ إن مسؤولي الحكومة الذين أجرى حوارات معهم كانوا مجمعين في إجاباتهم، على أن البلاد تعمل لتحقيق أوقات أفضل. ولكن كان هناك إجماع بين غير المقربين من «طالبان»، من المدرسين، والمحامين، وطلاب الجامعات وقليل من جماعات المجتمع المدني الجديدة بالنسبة لمستقبل أفغانستان.

وقال محام تم فصله أخيراً من وزارة التعليم «ليست هناك فرص عمل؛ ولا نمتلك مالاً». وهناك رجال ونساء وأطفال يتسولون في الشوارع ويقولون إنهم لم يتناولوا طعاماً منذ أيام.

ويقول قمر الهدى إن صديقاً مقرباً منه كان باحثاً في معهد للنزاعات والسلام في كابول لكن «طالبان» أغلقت المعهد لأنها تعرف أن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية ومعهد السلام الأميركي يدعمانه، وتعتقد «طالبان» أن عمل المعهد سوف يقدم صورة سلبية عن أفغانستان.

ومنذ سيطرة «طالبان» على كابول في أغسطس 2021، يحاول خبراء السياسة الأميركية فهم الأخطاء الاستراتيجية التي تم ارتكابها في أفغانستان.

وسوف تقوم لجنة حرب أفغانستان التي تم تشكيلها حديثاً بتحديد الدروس المستفادة من الحرب الأميركية في أفغانستان، للسعي لتفهم التوترات بين الجهود المدنية والعسكرية، وكيف أسهم الفساد الراسخ والناجم عن أنشطة بناء الدولة في دورات من الفساد، وسوء إدارة استراتيجية الخروج من أفغانستان.

الانتقال من الماضي إلى الحاضر

ومع ذلك يتعين على واشنطن الانتقال من الماضي إلى الحاضر. فهناك حاجة للتركيز على ديناميكيات السلطة الداخلية لـ«طالبان»: ما الذي يحكم عقلياتهم؟ وما هي الفصائل الداخلية التي تسعى للوصول إلى السلطة؟ والأدوار المتباينة لمذهب «طالبان» الديني «الديوبندية»؟ والأمر الأهم هو كيفية استغلال هذه المعلومات وسيلة لتشكيل تطور طالبان في المنطقة.

ويقول قمر الهدى «إن زيادة معرفتنا بالديناميكيات الداخلية لـ«طالبان»، وانقساماتها، والعوامل المعقدة التي تؤثر في صنع القرار لن تقلل من الالتزام الأميركي تجاه حقوق المرأة وحقوق الإنسان. ولكن سوف تصبح واشنطن في وضع أفضل للتأثير في «طالبان»، وتقريبهم من احترام، وربما تنفيذ المبادئ الأساسية للديمقراطية.

وتعتبر خلافات الحركة الداخلية حول الشمول، والحكم، والتواصل الدولي مع الدول الغربية، وحقوق الإنسان محل انقسام كبير من جانب مختلف فروع فكر الديوبندية، لاسيما بالنسبة للتفاهمات الدقيقة التي تم التوصل إليها أثناء الحرب. فالمفكرون «ذوو العقلية العالمية» يعتقدون أنه من الضروري استثمار الأموال التي يقدمها المجتمع المدني في اقتصاد أفغانستان وبنيتها التحتية، وهو أمر تقيده الدبلوماسية في نهاية المطاف.

إرضاء الجميع

وضمن المقاتلين في جماعة حقاني في أفغانستان، هناك ضغط شديد لتنفيذ المثل العليا التي قاتلوا من أجلها. فقد اعتادت شبكة حقاني اتخاذ قراراتها على أرض المعركة، ولكنهم أعربوا أخيراً عن ضيقهم إزاء بطء صنع القرار في مجلس الشورى في قندهار. والتصرف المتوازن لـ«طالبان» هو إرضاء جميع الفصائل على الطاولة مع عدم فقدان الثقة في الدبلوماسية العالمية.

ويمثل مجلس الشورى السلطة الحقيقية - فهو الهيئة الاستشارية للشؤون السياسية - والذي يضم كبار قادة «طالبان» في قندهار، حيث مقر الرئيس الحالي هبة الله أخونزادة. وصانعو القرار في قندهار هم أساساً من البشتون، ولكن بينهم أيضاً أعضاء من الأقاليم الشمالية، والوسطى، والغربية.

وفي الخلفية هناك حامد كرزاي، الذي شغل منصب الرئيس في الفترة من 2004 إلى 2014، والدكتور عبدالله عبدالله، الرئيس التنفيذي السابق لأفغانستان. وكلاهما يجتمعان بانتظام مع قادة الحركة في كابول، ومجلس الشورى.

الأولوية لتدعيم القوة العسكرية

من ناحية أخرى، هناك في الحكومة يعقوب حقاني، وعبدالقيوم زاكر القائم بأعمال وزير الدفاع، اللذان يعطيان الأولوية لتدعيم القوة العسكرية محلياً، ويؤكدان أهمية حماية حدود أفغانستان وتحديد الموالين للنظام السابق، الذين يعتقد أنهم يعملون مباشرة مع حركة المقاومة.

وبالنسبة لأفغانستان، فإن صعود نجم رجل دين وقائد ديوبندي مثل أخوندزادة لتولي دور عام بارز يؤكد الصلة المهمة بين علماء الدين والنشطاء السياسيين.

والولايات المتحدة في حاجة لتحديد استراتيجية دبلوماسية معينة للتعامل مع قادة مثل أخوندزادة ويعقوب. وفي حقيقة الأمر فإن الولايات المتحدة متخلفة كثيراً عن لاعبين إقليميين مثل إيران، وتركيا، وباكستان، والصين.

وإذا كانت الولايات المتحدة مهتمة حقيقة بتقليص التهديدات العالمية من جانب تنظيمي «القاعدة» و«داعش -خراسان»، فإنه من الحكمة تماماً الاستثمار في شراكة محددة تماماً مع أفغانستان التي تقودها «طالبان».

وسوف يؤدي هذا أيضاً إلى أن يكون هناك احتمال أكبر لأن تحرز أفغانستان تقدما في تعزيز القيم المشتركة مثل حقوق المرأة، وسيادة القانون، وحرية التعبير، وحقوق الأقليات. وفي حقيقة الأمر فإن عدم التواصل والافتقار إلى الخبراء الدينيين يعوق الدبلوماسية الأميركية والتأثير السياسي في أفغانستان وغيرها.

وفي ختام تقريره، يقول قمر الهدى إن وزارة الخارجية مصابة بالشلل، بسبب عدم توافر خبراء في الشؤون الدينية والخارجية لديها، يمكنهم تقديم التوجيه السياسي الحكيم بشأن النشاط الديني - السياسي، ونظرة ثاقبة حول كيفية مناورة «طالبان» داخل التسلسلات الهرمية الاجتماعية. وسوف يؤدي توفير خبراء يمكنهم تقديم تحليل بشأن التفسيرات المتباينة للمذهب الإسلامي الحنفي السني، داخل هياكل سلطة إيران، إلى تحسين تحليل وزارة الخارجية، خصوصاً فيما يتعلق بكيفية تفكير «طالبان» بالنسبة للحكم، والأمور المالية، وفرض القانون، والتواصل العالمي، وديناميكيات صنع السياسات.

• منذ سيطرة «طالبان» على كابول في أغسطس 2021، يحاول خبراء السياسة الأميركية فهم الأخطاء الاستراتيجية التي تم ارتكابها في أفغانستان.

• يتعين على واشنطن الانتقال من الماضي إلى الحاضر. فهناك حاجة للتركيز على ديناميكيات السلطة الداخلية لـ«طالبان».

• إذا كانت الولايات المتحدة مهتمة حقيقة بتقليص التهديدات العالمية من جانب تنظيمي «القاعدة» و«داعش -خراسان»، فإنه من الحكمة تماماً الاستثمار في شراكة محددة تماماً مع أفغانستان التي تقودها «طالبان».

تويتر