فرنسا تستعد لعواصف سياسية واجتماعية خلال يناير
باشر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال معايدته الشعب الفرنسي بمناسبة حلول العام الجديد، مرحلة جديدة قد تعصف بها اضطرابات سياسية واجتماعية.
وقال رئيس الدولة الفرنسية البالغ 45 عاماً في خطابه الذي ألقاه من قصر الإليزيه، إنه يدرك شواغل الكثير من مواطنيه في ظلّ ارتفاع أسعار المواد الغذائية، والحرب في أوكرانيا وانتشار موجة جديدة من «كوفيد-19».
لكنه تعهّد بالمضي قدماً اعتباراً من الشهر الجاري في إصلاح يهدف إلى رفع سنّ التقاعد، وهو مشروع لا يلقى شعبية ويعتبره كثيرون حتّى في معسكر الرئيس، غير مناسب في الوضع الراهن.
وقال الرئيس الوسطي «كما التزمت أمامكم، ستكون هذه السنة بالفعل سنة إصلاح نظام التقاعد بهدف ضمان التوازن في نظامنا للسنوات والعقود المقبلة»، داعياً الفرنسيين إلى «العمل بعد أكثر».
وتواصلت هذا الأسبوع محادثات غير موفّقة بدرجة كبيرة أدارتها رئيسة الوزراء، إليزابيث بورن، في مسعى إلى إقناع النقابات الفرنسية. لكن الحكومة وخصومها عدّوا العدّة للمعركة.
ويبدو أن المقترحات المقدّمة لتخفيف التغييرات مثل رفع سنّ التقاعد إلى 64 أو 65 عاماً كما كان مقرّراً في البداية، لم يكن لها أيّ أثر لا على المواطنين ولا على النقابات التي رصّت الصفوف للاعتراض على هذا المشروع.
وقال لوران بيرجيه كبير المسؤولين في الاتحاد العمالي الديمقراطي الفرنسي CFDT، إثر خروجه من لقاء مع بورن «أقولها هنا وسبق أن قلتها لرئيسة الوزراء، إذا كانت السنّ القانونية للتقاعد سترفع إلى 64 أو 65 عاماً.. فسنرصّ الصفوف للاعتراض على هذا الإصلاح».
وتعترض كلّ الأحزاب اليسارية بالإضافة إلى حزب «التجمّع الوطني» اليميني المتطرّف على خطط الحكومة وقد تعهّدت الالتحاق بالتظاهرات.
إشعال الوضع
وحذّر مؤسس حزب «فرنسا الأبية» (اليسار الراديكالي)، جان-لوك ميلانشون، السبت الماضي في تغريدة من أن «الوضع سيصبح ساخناً في يناير».
وأقرّ ستيفان ترافير النائب من الحزب الرئاسي في تصريحات لصحيفة «لو باريزيان» أنه «لا يخفي على أحد أن الوضع سيصبح مائجاً».
وتعدّ السنّ القانونية للتقاعد في فرنسا والبالغة 62 عاماً دون تلك السائدة في بلدان أوروبية أخرى، مثل ألمانيا وبريطانيا حيث حدّدت بـ66 أو 67 عاماً.
وتظهر الأرقام الرسمية نظام تقاعد متوازناً على المدى القصير في فرنسا، لكنه قد يشهد عجزاً كبيراً في العقود المقبلة في ظلّ تقدّم السكان في السنّ.
ولطالما ناصر، إيمانويل ماكرون، مبدأ إعادة هيكلة النظام، لكنه في ظلّ أزمة «كوفيد-19» وتظاهرات كانت من الأوسع خلال ولايته الأولى، قرّر تأجيل محاولة أولى في 2020.
وإثر إعادة انتخابه في 2022 بناء على برنامج يتضمّن إصلاح نظام التقاعد، تردّد كثيراً بشأن توقيت هذه الخطوة.
وكان السياسي الوسطي، فرنسوا بايرو، الذي يعدّ من أقرب حلفاء الرئيس قد صرّح في ديسمبر «لم نبذل معاً المجهود التوعوي اللازم».
لكن بات ينبغي للرئيس الفرنسي أن يوضّح أجندته، في خطوة قد تمسّ بسمعته وبقدرته على الترويج لإصلاحات أخرى.
ومن المرتقب الكشف عن الخطوط العريضة للنصّ الخاص بنظام التقاعد، على أن يقدَّم مشروع قانون للبرلمان في فبراير.
ويخشى البعض فورة شعبية جديدة، على شاكلة تلك التي انطلقت عفوياً في الشوارع سنة 2018 لما عُرف بـ«السترات الصفراء».
وقال مدير معهد الاستطلاعات «إيفبوب» فريديريك دابي، هذا الأسبوع عبر أثير «أوروبا 1»، إن «البوادر موجودة وتكفي شرارة لإشعال الوضع».
وقد دعت مجموعة من «السترات الصفراء» إلى تظاهرات.
غير مستدام
لكن التكهّن بمزاج الفرنسيين ليس بالمسألة اليسيرة.فقد شهدت فرنسا، على غرار بلدان أوروبية أخرى كثيرة، إضرابات في الأشهر الأخيرة، في قطاعات السكك الحديد والمستشفيات ومصافي تكرير النفط، وسط مطالبات برفع الأجور للتعويض عن تضخّم في حدود 6%.
غير أن أغلبية الأشخاص الذين استُطلعت آراؤهم قالوا إنهم يعتبرون نظام التقاعد الجاري غير مستدام.
وكان أحد مستشاري الرئيس، طلب عدم الكشف عن هويته، قد أقرّ منذ فترة وجيزة في تصريحات لوكالة فرانس «يسود نوع من القدرية في الرأي العام»، مضيفاً «سوف نمضي إلى النهاية والرأي العام يدرك ذلك».
واعتبرت أديلايد ذولفقارباسيك، المديرة العامة لمعهد الاستطلاعات «BVA France» من جهتها، أن الرأي العام بات «متعباً ومتبرّماً» بعد سلسلة من الأزمات، من دون أن يكون في الوسع معرفة إن كان هذا التبرّم «سيفضي إلى حركات اجتماعية كبيرة أو بالأحرى إلى نوع من الرضوخ». لكن ما يمكن تأكيده هو أن «عام 2023 سيكون محفوفاً بالمخاطر للرئيس»، على حدّ قول ذولفقارباسيك.
• ماكرون تعهّد بالمضي قدماً اعتباراً من الشهر الجاري في إصلاح يهدف إلى رفع سنّ التقاعد، وهو مشروع لا يلقى شعبية ويعتبره كثيرون حتّى في معسكر الرئيس، غير مناسب في الوضع الراهن.
• شهدت فرنسا، على غرار بلدان أوروبية أخرى كثيرة، إضرابات في الأشهر الأخيرة، في قطاعات السكك الحديد والمستشفيات ومصافي تكرير النفط، وسط مطالبات برفع الأجور للتعويض عن تضخّم في حدود 6%.