نظراً إلى أن أنقرة تدعم معظمها
التقارب التركي مع دمشق بداية النهاية للمعارضة السورية المسلحة
الجهود التركية لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع الحكومة السورية أثارت القلق بين مجموعات المعارضة السورية المسلحة، ودفعت العديد من معارضي الحكومة السورية إلى الخوف من نهاية قضيتهم، التي بدأت منذ نحو عقد من الزمن. ومن بين أهم هؤلاء «هيئة تحرير الشام»، وهي منظمة متطرفة مسلحة، وتسيطر على معظم شمال غرب سورية. وعلى الرغم من أنه ليس هناك أي دليل على أن تركيا تدعم هيئة تحرير الشام بصورة مباشرة، إلا أن أنقرة كانت هي الداعم الرئيس لمجموعات المعارضة الأخرى خلال 12 عاماً من عمر الحرب الأهلية في سورية.
ولكنْ ثمة مصالح مشتركة بين تركيا وهيئة تحرير الشام، حيث قامتا بالتنسيق في قضايا معينة. وبدأت تركيا وسورية العمل لاستعادة العلاقات بينهما، وإذا نجح الطرفان في إيجاد أرضية مشتركة بينهما، فسيكون ذلك لمصلحة الحكومة السورية، وهو ما يعتبر من الناحية الفعلية نهاية حركة هيئة تحرير الشام.
واشترط الرئيس السوري بشار الأسد مراراً وتكراراً انسحاب القوات التركية من شمال سورية من أجل بدء المصالحة مع تركيا. وتصر دمشق على إلغاء أنقرة دعمها للمجموعات المسلحة المعارضة لها.
القدرة على البقاء
وعلى الرغم من أن بعض المجموعات المسلحة يمكن أن تظل قادرة على البقاء رغم توسع الحكومة السورية في الشمال، إلا أن هيئة تحرير الشام ليست واحدة منها، لأنها مصنفة منظمة إرهابية من قبل أنقرة ودمشق بسبب ارتباطها السابق بتنظيم «القاعدة». وفي حقيقة الأمر، فإن الجهود التركية لمصالحة الأسد تشكل تهديداً وجودياً لهيئة تحرير الشام.
وكان الهدف من انتشار القوات التركية في إدلب عام 2017 منع حكومة دمشق من السيطرة على آخر معقل للمعارضة، حيث ساعدت هيئة تحرير الشام القوات التركية في السيطرة على المكان، وحصولها على بيئة آمنة في المنطقة.
وتخشى الهيئة في هذه الأيام أن يستنتج داعموها أنها تؤيد المحادثات بين الأسد وتركيا، وهو تصور يمكن أن يهدد وحدة الحركة، ويؤجج الغضب العام حولها. وسارع زعيم الحركة، أبومحمد الجولاني، إلى شجب التقارب السوري التركي. وقال الجولاني في بيان مسجل على الفيديو إنه لن يصالح الأسد، ووعد باستمرار القتال حتى «تحرير» دمشق.
وتعهد الجولاني أيضاً بعدم تسليم أية مناطق لدمشق. ويُنظر إلى الحركة باعتبارها المجموعة الأكثر قوة وتماسكاً من بين المجموعات الموجودة في شمال غرب سورية، ولهذا من المتوقع اشتراك المجموعات المعارضة في القتال ضد الحكومة السورية من أجل حماية مناطق وجودها بصورة أفضل.
تصعيد الهجمات
وللتأكيد على هذه النقطة، صعّدت هيئة تحرير الشام هجماتها ضد الحكومة السورية في الأسابيع الأخيرة، بالمقارنة مع الهدوء النسبي الذي كان سائداً خلال العام الماضي، حيث نفذت الهيئة نحو 11 عملية ضد قوات الحكومة السورية في الشهر الماضي، واستهدفت خلايا مؤيدة للحكومة تعمل في إدلب، ولكن الهيئة تواصل استراتيجية محددة بدقة، إذ إنها تدرك أن بقاءها يعتمد على الحفاظ على علاقات جيدة مع جارتها الشمالية.
وعلى سبيل المثال، بدلاً من الانخراط في مواجهات مباشرة مع قوات الحكومة السورية، ركزت هيئة تحرير الشام عملياتها على المواقع الدفاعية العسكرية «خلف خطوط العدو»، وذلك على الأرجح لأن الهيئة تريد تجنب تصعيد التوترات مع تركيا، التي تحافظ على وقف إطلاق النار، الذي توسطت من أجله مع روسيا في مارس 2020.
وإضافة إلى ذلك، امتنعت هيئة تحرير الشام عن توجيه انتقادات مباشرة للسياسة الخارجية لتركيا، وحافظت على لهجة أكثر تصالحية. وفي بيان صدر في ديسمبر الماضي، ألقت الهيئة باللوم على الحكومة السورية لعدم استعدادها معالجة المخاوف الأمنية التركية، وحثت أنقرة على «الحفاظ على قيمها ومكتسباتها الأخلاقية في دعم المظلومين».
وعبّرت الهيئة عن «تفهمها للضغوط المحلية والدولية التي تواجهها تركيا»، والتي تتضمن حاجة تركيا إلى تحقيق التقدم في مجال تسهيل عودة اللاجئين السوريين، ومواجهة «التهديد الكردي» قبل الانتخابات التركية في مايو المقبل.
وفي المجالس الخاصة، كانت هيئة تحرير الشام أكثر مباشرة في التعبير عن آرائها. وأبلغني أحد المصادر المحلية أن الهيئة عقدت اجتماعاً في ديسمبر مع المسؤولين الأتراك، أعرب خلاله قادة المجموعة عن قلقهم بشأن المصالحة مع سورية، وكرروا التزامهم باحترام الاتفاقات مع تركيا.
ويبدو أن الردود المحسوبة لهيئة تحرير الشام، مدفوعة بتقييم مفاده أن المفاوضات بين أنقرة ودمشق على الأرجح لن تفضي إلى نتائج إيجابية، وهي وجهة نظر يشاركها فيها العديد من المراقبين السوريين، الذين يرون أن المباحثات بين تركيا وسورية ستصطدم بالكثير من العقبات، ناهيك عن أن الحكومة السورية غير مستعدة لتقديم أي تنازلات، وهذا يمكن أن يفسر لماذا لاتزال ردة فعل هيئة تحرير الشام حتى الآن تؤكد لجمهورها المحلي على التزامها بالقتال، دون الطلب من الحكومة التركية إلغاء محادثاتها مع الحكومة السورية.
وبالطبع، فإن جميع النتائج غير متوقعة، وقد تفضي المحادثات بين دمشق وأنقرة إلى اختراق غير متوقع. ففي مثل هذا السيناريو، على الأرجح أن هيئة تحرير الشام ستكون أول من يستخدم أقنيته الدبلوماسية مع أنقرة، للتوصل إلى تسوية من شأنها السماح لها بالحفاظ على أقصى حد ممكن من مصالحها، والتي ستتضمن على سبيل المثال، الانسحاب من مناطق محددة من إدلب مقابل التوسع في شمال حلب.
وإذا فشلت في التوصل إلى حل وسط مقبول مع تركيا، فإنها ستلجأ دون أدنى شك إلى وسائل أكثر حزماً من أجل البقاء. وبغض النظر عن مدى تطور التقارب التركي السوري، فإن هذه الأيام تعتبر أوقاتاً عصيبة بالنسبة لمجموعات المعارضة السورية في إدلب، سواء تلك التي تريد أن تقاتل أو التي تشتاق فقط إلى رؤية نهاية لسنوات المعاناة.
حايد حايد كاتب سوري ومستشار دار تشاتام حول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
صعّدت «هيئة تحرير الشام» هجماتها ضد الحكومة السورية في الأسابيع الأخيرة، مقارنة مع الهدوء النسبي الذي كان سائداً خلال العام الماضي.
اشترط الرئيس بشار الأسد مراراً وتكراراً انسحاب القوات التركية من شمال سورية من أجل بدء المصالحة مع تركيا. وتصر دمشق على إلغاء أنقرة دعمها للمجموعات المسلحة المعارضة لها.
بغض النظر عن مدى تطور التقارب التركي السوري، فإن هذه الأيام تعتبر أوقاتاً عصيبة بالنسبة لمجموعات المعارضة السورية في إدلب، سواء تلك التي تريد أن تقاتل أو التي تشتاق فقط إلى رؤية نهاية لسنوات المعاناة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news