زلزال تركيا قد يهزّ القواعد السياسية لأردوغان

في الوقت الذي كانت تهيئ فيه تركيا الساحة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية في مايو المقبل، ضرب زلزال مدمّر البلاد، قد يؤدي إلى بعض التغييرات في المشهد العام خلال الفترة المقبلة.

ويقول الدكتور خبير السياسات التركية، سنان سيدي، في تقرير نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، إنه ربما تكون تركيا قد شهدت للتو أكثر الكوارث الطبيعية تدميراً في تاريخها، حيث أحدث زلزالان قويان وتوابع عدة دماراً هائلاً في 10 ولايات بجنوب شرق البلاد، ما أسفر عن آلاف الوفيات. ويأتي ذلك وسط درجات حرارة تصل إلى حد التجمد، كما أن الناجين معرضون لخطر التجمد حتى الموت، قبل أن يتمكن رجال الإنقاذ من انتشالهم من تحت الأنقاض.

ولاتزال الكارثة تتكشف. وهناك الآن مشكلة تشرد هائلة. وحتى في الحالات التي لم تُدمر فيها المنازل، فإن العديد منها سيكون غير صالح للسكن بسبب الأضرار الهيكلية. كما أن مستوى الدمار في المدن هائل، لدرجة أنه بالإضافة إلى فقدان سكان المناطق المنكوبة منازلهم، من المرجح أن يكونوا قد فقدوا وظائفهم أيضاً.

ويقول سيدي إنه في حين أن الكوارث الطبيعية مثل الزلازل لا يمكن توقعها، كان ينبغي على الحكومة التركية أن تكون مستعدة بشكل أفضل لتجنب هذا السيناريو الأسوأ. وفي الأيام المقبلة، سيطالب المواطنون والسياسيون المعارضون بإجابات عن ثلاثة أسئلة غير مريحة.

الأول يتعلق بتوافر أموال الطوارئ، المخصصة تحديداً للإغاثة من الزلزال. ففي أعقاب زلزال مميت في عام 1999، فرضت الدولة ضريبة دائمة على جميع مالكي المنازل الأتراك للمساهمة في صندوق، حتى تكون البلاد مستعدة مالياً للزلزال المدمر التالي. وتشير التقديرات إلى أن الدولة جمعت ما يقرب من 40 مليار دولار. ويتساءل سيدي: أين هذه الأموال؟

في عام 2020، سأل صحافيون الرئيس رجب طيب أردوغان هذا السؤال بالذات. وردّ رداً لا يحمل إجابة واضحة، قائلاً: «لقد أنفقنا (الأموال) على ما هو ضروري. ليس لدي الوقت الكافي لشرح ما تم إنفاق الأموال عليه».

رقابة على الإنفاق

ومنذ عام 2012، خضع الكشف العلني عن الإنفاق الحكومي للرقابة، ما جعل من المستحيل تقريباً تحديد كيف تم إنفاق هذه الأموال.

ويتعلق السؤال الثاني بلوائح البناء. ففي أعقاب زلزال عام 1999، فرضت الدولة لوائح بناء أكثر صرامة، وتهدف خصيصاً لضمان مقاومة المباني للزلازل قدر الإمكان. ويشير الدمار الذي لحق بمبانٍ في مدن مثل هاتاي، وأنطاكيا، وإسكندرون، بقوة إلى أن المباني لم تكن مطابقة للمعايير.

ويتساءل سيدي: من المسؤول؟ ويقول إن الحكومة ستركن إلى تشويه سمعة المقاولين والبنائين الأفراد، ولكن ليس مسؤولي الحزب الذين يديرون البلديات، وبالتالي يصدرون تصاريح البناء وتقسيم المناطق. وبعبارة أخرى، سيبذل حزب العدالة والتنمية التابع لأردوغان كل ما في وسعه للهروب من الإحراج واللوم. وسيكون من المثير للاهتمام أن نرى كيف سيحققون ذلك في ضوء البنية التحتية العامة التي تعرضت أيضاً لأضرار جسيمة، وانهارت عشرات من مباني البلديات والمستشفيات.

شكوى

ويركز السؤال الأخير على استجابة الحكومة لحالات الطوارئ، أو عدم استجابتها. ومن المُسلّم به أن شدة الزلازل كانت هائلة لدرجة أن أي حكومة مستعدة، ستكافح من أجل القيام باستجابة كبيرة.

ومع ذلك، يشكو المواطنون في المناطق المتضررة النقص التام في خدمات الطوارئ، ما يدفع البعض إلى التساؤل: «أين الدولة؟». وفي الساعات الـ48 الأولى، ترددت الحكومة في نشر الجيش التركي، الذي يمتلك موارد كبيرة مثل الأفراد ومعدات الرفع الثقيلة. وقد يكون هذا التردد قد أدى إلى فقدان الآلاف من الأرواح. علاوة على ذلك، تخضع وكالة الاستجابة للطوارئ الرئيسة في البلاد (أفاد) لتدقيق عام متزايد. فالهيئة متهمة بالقيام باستجابة بطيئة بشكل غير مقبول لكارثة وطنية كبرى.

ويرى سيدي أنه في الوقت الجاري، يبدو أن الشاغل الرئيس لأردوغان هو الأمور ذات الانعكاسات السياسية. وبعد يومين من الكارثة، أعلن أردوغان حالة الطوارئ لمدة شهرين في المناطق المتضررة. ويأتي هذا في توقيت محرج، إذ ستنتهي حالة الطوارئ قبل أسبوع واحد من الموعد المقرر للانتخابات العامة في تركيا. ومن قبيل المصادفة، ستسمح حالة الطوارئ للحكومة بالسيطرة على وسائل الإعلام، وعلى وجه التحديد، السيطرة على التقارير السلبية التي قد تلقي باللوم على الحكومة في إعادة البناء اللاحقة والتحديات الإنسانية.

ومن المرجح أن يدرك أردوغان أن هذا الزلزال قد يكون أكبر تحدٍّ سياسي يواجهه حتى الآن. وفي ظهور علني ناري، وبدلاً من الاعتراف بمستوى الصدمة العامة التي تواجهها البلاد، حذر أردوغان من أنه سيستهدف الأشخاص «الذين ينشرون الأكاذيب» حول الكارثة الوطنية.

وفي ظل الكثير من الدمار والكثير على المحك سياسياً، يمكن أن يحاول أردوغان الضغط على المكابح في ما يتعلق بإجراء الانتخابات المقرر إجراؤها في 14 مايو. وقد تضررت العديد من المباني العامة التي يصوّت فيها المواطنون عادة. وحتى لو كانت سليمة، فإن المواطنين سيكونون مهتمين في المقام الأول بإعادة بناء سبل عيشهم. وبالتالي، قد تحاول الحكومة استغلال الوضع، وإحباط ما كان من المقرر أن تكون انتخابات محتدمة، من خلال الإشارة إلى عدم قدرة المواطنين على المشاركة في عملية التصويت.

مثل هذه الاستراتيجية يمكن أن تأتي بنتائج عكسية سيئة إلى حد ما. وقد حظي الزلزال باهتمام دولي. وإذا فشلت الحكومة في تلبية احتياجات الشعب، ثم حاولت إلغاء الانتخابات، فقد يكون هذا أكثر من أن يتحمله الشعب التركي. وستكون إحباطاتهم واضحة للمجتمع الدولي الذي يعمل على جمع الأموال للشعب التركي المتضرر.

ويختم سيدي تحليله بالقول إن ما قد لا يدركه تماماً ذوو النوايا الحسنة هو أن أردوغان وحزبه يتوليان السلطة منذ 20 عاماً. وعلى الرغم من أن النخبة السياسية قد لا تكون مسؤولة عن كارثة طبيعية، فإن الهزات الارتدادية سياسية بقدر ما هي زلزالية.

 من المرجّح أن يدرك الرئيس التركي أن هذا الزلزال قد يكون أكبر تحدٍّ سياسي يواجهه حتى الآن. وفي ظهور علني ناري حذّر من أنه سيستهدف الأشخاص «الذين ينشرون الأكاذيب» حول الكارثة الوطنية.

في ظل الكثير من الدمار والكثير على المحك سياسياً، يمكن أن يحاول أردوغان الضغط على المكابح في ما يتعلق بالانتخابات المقرر إجراؤها في 14 مايو.

إذا فشلت الحكومة في تلبية احتياجات الشعب، ثم حاولت إلغاء الانتخابات، فقد يكون هذا أكثر من أن يتحمله الشعب التركي.

الأكثر مشاركة