«مهزلة قضائية» في لبنان وسط تردي الأوضاع الاقتصادية
يبدو أن المدعي العام في لبنان قد أخذ الوصية القائلة «لا تحكموا على الناس فيحكموا عليكم» على محمل الجد. ولسنوات، عطّل هذا المدعي العام التحقيقات في الأزمة المالية في البلاد، وهي من بين الأسوأ في التاريخ الحديث. وهو الآن يريد تخريب التحقيق في الانفجار الكارثي، الذي وقع عام 2020 في ميناء بيروت، ما أدى إلى نزاع قضائي قد يتحول إلى عنف يخشاه البعض.
وطارق البيطار، القاضي المشرف على تحقيق الميناء، لم يتمكن من أداء عمله لأكثر من عام. ورفع المسؤولون والنواب الذين أراد استجوابهم عشرات الدعاوى القضائية ضده، بحجة أنه ليس لديه سلطة للقيام بذلك. وكانت بعض حججهم عبثية، لكن المحكمة التي كان ينبغي أن تسمع دعاواهم افتقرت إلى النصاب القانوني للانعقاد.
وأوقفت الدعاوى القضائية المعلقة التحقيق حتى 23 يناير الماضي، عندما استأنف البيطار التحقيق بشكل غير متوقع، وأصدر أوامر استدعاء جديدة لكبار المسؤولين، بمن فيهم رئيس الادعاء، القاضي غسان عويدات، الذي اتهم بدوره البيطار بتجاوز سلطاته، وأطلق سراح جميع المعتقلين على خلفية الانفجار، وصفع البيطار بمنعه من السفر، واتهامه بسوء السلوك القضائي، وهذه القضية، أيضاً، ستتعطل بسبب عدم اكتمال النصاب.
مهزلة
إنها مهزلة، لكنها ليست مضحكة. وتسبب الانفجار، الناجم عن آلاف الأطنان من نترات الأمونيوم المخزنة بشكل غير صحيح في الميناء، في مقتل أكثر من 200 شخص، وتدمير جزء كبير من وسط المدينة. وهناك الكثير من اللوم يجب الالتفاف حوله، فقد كان العشرات من المسؤولين اللبنانيين يعرفون أن المواد الكيميائية تشكل خطراً، لكنهم لم يعملوا على إزالتها. وتستمر عائلات الضحايا في تنظيم احتجاجات منتظمة من أجل العدالة، لكن قلة من اللبنانيين يتوقعون تحقيقها.
«حزب الله» و«حركة أمل»، وهما حزبان سياسيان قويان، كانا أشد خصوم البيطار، وقد هددوه في الماضي، واتهموه بإدارة حملة «مطاردة ساحرات» ذات دوافع سياسية، وعلى الأرجح، هؤلاء لديهم أشياء يخفونها.
كلاهما لديه الكثير من المؤيدين المسلحين، وكذلك يفعل سمير جعجع، رئيس حزب يميني مسيحي يدعم البيطار. والخوف هو أن الضجة حول التحقيق في الميناء قد تؤدي إلى أعمال عنف. وتحولت تظاهرة احتجاجية في أكتوبر 2021 ضد القاضي، برعاية «حزب الله» و«أمل»، إلى تبادل لإطلاق النار، وهو أسوأ حادث من نوعه في بيروت منذ أكثر من عقد. وبينما يتصارع القضاة، تنهار العملة. وبمجرد أن تم تثبيت الليرة اللبنانية عند 1500 مقابل الدولار، فإنها فقدت 97% من قيمتها. وانخفض المعدل إلى 50 ألفاً في السوق الموازية في منتصف يناير، ثم 60 ألفاً حالياً. وبلغ متوسط التضخم في عام 2022، 171%، ارتفاعاً من 155% قبل عام. والعملة متقلبة، لدرجة أن أسعار الخبز والوقود والأدوية يتم تعديلها يومياً. ولم تعد العديد من الشركات تقبل بطاقات الائتمان، لذا يجب على المتسوقين حمل الكثير من النقود.
اتفاق مؤقت
توصل لبنان إلى اتفاق مؤقت بقيمة ثلاثة مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي في أبريل، لكن لم يتم الانتهاء منه بعد. ولطالما دفع الصندوق لبنان لتوحيد أسعار الصرف، والتعرف إلى حجم الخسائر في قطاعه المالي. وفي الأول من فبراير، قام محافظ البنك المركزي (حاكم مصرف لبنان)، رياض سلامة، بتخفيض قيمة العملة أخيراً. وستستخدم البنوك الآن معدلاً جديداً في ميزانياتها العمومية، وهو رقم عشوائي، يبدو أنه تم الوصول إليه بمجرد إضافة صفر إلى الرقم القديم. ومن غير المرجح أن يلقى التغيير الكثير من الثناء من قبل صندوق النقد الدولي.
قد يكون لدى سلامة أشياء أخرى في ذهنه، في وقت يتم التحقيق معه في ست دول أوروبية. وفي يناير، وصل فريق من المحققين الأوروبيين إلى بيروت للتدقيق في موارده المالية، ويشتبهون في أنه وشقيقه (رجا) اختلسا أموالاً من البنك المركزي، واستخدما بعض الأرباح لشراء عقارات في أوروبا. ولم يتم توجيه اتهامات للأخوين، ونفيا ارتكاب أي خطأ، ومع ذلك، يستمر سلامة في إدارة البنك المركزي، كما هو الحال منذ عام 1993، وينبغي أن تنتهي ولايته الأخيرة في يوليو. وسيتطلب استبداله صفقة بين السياسيين اللبنانيين الذين لا يستطيعون الاتفاق على الكثير. ورئيس الجمهورية، ميشال عون، ترك منصبه في 30 أكتوبر في نهاية فترة ولايته التي استمرت ست سنوات. وعقد البرلمان 11 جلسة لاختيار بديل، لم تفض إلى أي فائز، وهذه، أيضاً، كانت غير منطقية، وأدلى العديد من أعضاء البرلمان بأوراق اقتراع فارغة. واختار عدد قليل - بسخرية - شخصيات تاريخية، مثل نيلسون مانديلا، وسلفادور أليندي. وبالنظر إلى حالة الحكم في لبنان، قد لا يكون رئيس ميت أسوأ من البدائل.
هناك الكثير من اللوم يجب الالتفاف حوله، فقد كان العشرات من المسؤولين اللبنانيين يعرفون أن المواد الكيميائية تشكل خطراً، لكنهم لم يعملوا على إزالتها. وتستمر عائلات الضحايا في تنظيم احتجاجات منتظمة من أجل العدالة، لكن قلة من اللبنانيين يتوقعون تحقيقها.
171 %
نسبة التضخم في لبنان العام الماضي. نسبة التضخم في لبنان العام الماضي.