الزلزال يضاعف من محنة النساء في سورية

برز وضع المرأة السورية الهشّ والمشكلات التي تلاحقها منذ تفجر الحرب الأهلية قبل أكثر من 10 سنوات، ثم تفاقم هذه المشكلات وتحولها إلى أزمات مستعصية على الحل، كأهم موضوع سيطر على مواقع التواصل ونشرات الأخبار العربية والدولية طوال الأيام القليلة الماضية، حيث راحت تسلط الضوء على أبعاد هذه المشكلة الإنسانية وما يرتبط بها من مشكلات يعانيها الأطفال، وسنحاول إجمال أهم تفاصيل هذه المشكلة، ولفت الأنظار إلى بعض الجوانب التي قد تكون خافية على البعض.

رغم مرور نحو 11 يوماً على حدوث الزلزال، إلا أن السورية (عائشة - 43 عاماً)، التي دمر منزلها بالكامل نتيجة الزلزال، في بلدة الأتارب في شمال غرب سورية، لاتزال من دون ماء ولا كهرباء ولا تدفئة لها ولعائلتها المؤلفة من 12 شخصاً، وجميعهم تضمهم خيمة واحدة، وأقرب حمام يمكن أن تذهب إليه يبعد عنها ربع ساعة مشياً. وهي لا تدري، ولا بقية النساء السوريات كيف تحملن عبء الحفاظ على العائلة خلال 12 عاماً من عمر الحرب الأهلية. ولكن الآن حدث هذا الزلزال كي يزيد الطين بلة، وأدى إلى مقتل عشرات الآلاف، وترك الملايين بلا مأوى في جنوب تركيا وشمال غرب سورية.

ولا تستطيع عائشة الحصول على المساعدة الطبية من أجل معالجة المرض الذي أصاب كبدها، كما أنها فقدت هي وزوجها مصادر دخلهما نتيجة الزلزال، حيث دُمرت سيارة التاكسي التي كان يعمل عليها الزوج، كما أن الملابس التي كانت تتاجر فيها مع الجيران أتلفت بالكامل. ولهذا فإنهما لا يملكان أي شيء يقدمانه لأطفالهما الستة وأحفادهما الخمسة.

وأدت الحرب إلى مزيد من العبء والعزلة للنساء، حيث قتل الكثير من الرجال، أو أصبحوا في عداد العاجزين، أو هرب آخرون إلى خارج الدولة. ولهذا تزايد تعداد النساء المسؤولات عن تدبير أمور العائلة والمنزل في سورية إلى 80% وفق إحصاءات الأمم المتحدة.

وحتى قبل الزلزال كان نحو سبعة ملايين امرأة وفتاة بحاجة إلى خدمات صحية ملحة، ودعم ضد العنف الجسدي والجنسي. وارتفعت حالات الزواج من القاصرات على نحو كبير جداً، وأصبح هناك مئات الآلاف من الفتيات خارج المدارس. وكانت النتيجة المباشرة للزلزال تعرض نحو 350 ألف امرأة حامل في سورية وتركيا، لحالة الخطر، وفق أرقام الأمم المتحدة.

وكان وضع النساء في سورية أكثر هشاشة بشكل خاص، فنظراً إلى هرب كثير من السكان من أجزاء مختلفة من سورية، إلى شمال غرب سورية، أصبحت الخدمات الطبية لا تكفي للملايين الأربعة الذين وصلوا إلى المنطقة من أنحاء متفرقة من سورية. والآن تم تعليق الخدمات الطبية غير الطارئة للتعامل مع ضحايا الزلزال. وقال رئيس الجمعية الطبية السورية الأميركية باسل ترمانيني «نستطيع معالجة النساء بعد تعرضهنّ لصدمات أو بعد الولادة، ولكن بعد ذلك يصبحن بحاجة إلى العودة إلى مكان آمن، مع غذاء مناسب وماء نظيف. ولسوء الطالع، فإن هذا غير متوافر بصورة عامة في شمال غرب سورية».

وفقدت المرأة السورية (حليمة - 30 عاماً)، زوجها في بداية الحرب الأهلية، وهي أم لطفلين، وتظل تتنقل بين الملاجئ المخصصة للمشردين في شمال غرب سورية، بحثاً عن سلّات غذائية يمكن أن تساعدها على إطعام عائلتها. ولكن الزلزال أدى إلى تشقق المكان الذي تقيم فيه الآن، وهي تخشى البقاء فيه. وقالت حليمة وهي تأخذ الملابس من التبرعات من مستودع تابع للهلال الأحمر التركي: أدعو الله أن يقوم أحد ما برعاية طفليّ.

وعندما ضرب الزلزال المستشفيات لم يؤد إلى حدوث أضرار فيها فقط، وإنما أدى إلى تراكم المصابين بأعداد مهولة، في حين أن الأدوية كانت تنفد بسرعة. وأصبحت مشافي التوليد مكتظة بأعداد كبيرة من الحوامل اللواتي يردن الولادة، ناهيك عن اللواتي يعانين تعقيدات في الحمل، وقالت إكرام حبوش، مديرة مستشفى التوليد في الأتارب «الأمهات لايزلن يعشن في الشوارع. وليس لدينا ما يكفي من الحاضنات من أجل الولادات المبكرة. لقد أصبح الوضع مضطرباً للغاية».

واستنفدت النساء السوريات كل استراتيجياتهن في التعامل مع الصعوبات خلال سنوات الحرب. ولذلك فإن وقوع كارثة طبيعية هو آخر ما كنّ يتوقعن حدوثه. وقالت عائشة «لقد تعبنا فعلاً. وعلى مدى 12 عاماً، لم ننم ليلة واحدة من شدة الخوف من القصف، ومن الغارات، أو من التشرد. والآن نواجه حالة أبدية من التشرد. نحن نعيش كارثة الكوارث».

الأكثر مشاركة