شولتس يحكم ألمانيا بحذر وتردّد وينتظر حتى اللحظة الأخيرة
بعد أشهر من التردّد والتوتر وعدم اليقين، قررت ألمانيا الأسبوع الماضي إرسال دبابات «ليوبارد 2» إلى أوكرانيا، وكان التأخير مقياساً على أهمية القرار. وبالنسبة لدولة تشعر بالقلق منذ فترة من مغبة التورط العسكري النشط في الصراعات، فإن نشر واحدة من أكثر آلاتها العسكرية تطوراً في معركة مع الجنود الروس يعتبر أمراً جللاً، وهو من المحرمات التي طالما تم تجنبها.
من يحكم ألمانيا؟
كشف هذا القرار عن شيء يعتبر بمثابة لغز، ومفاده من الذي يحكم ألمانيا خلال واحد من أشرس الصراعات منذ الحرب العالمية الثانية، أهو عبقري استراتيجي أم طفل ضعيف القلب؟ وبعد عام من فترة حكمه، ظل المستشار الألماني أولاف شولتس عصياً على فهم سلوكياته، فمن ناحية فإن اتفاقه مع الولايات المتحدة سيجلب لأوكرانيا قوة عسكرية أكبر ممّا هو متوقع، ومن ناحية أخرى فقد تطلب نصف عام من الضغوط المتزايدة باستمرار من الحلفاء وشركائه في الائتلاف، وأجزاء كبيرة من الصحافة الألمانية، للتحرك في هذه القضية، ما سلب أوكرانيا الكثير من الوقت الذي لا تملكه أصلاً.
ومع ذلك فإن فك شيفرة شولتس مسألة حاسمة، ليس لدرجة فهم أول عام من وجوده في السلطة بقدر ما ستكون عليه تحركاته في الأشهر المقبلة، لأن ثمة سؤالاً حاسماً موجهاً لشولتس، ولحلف شمال الأطلسي عامة، مفاده ليس ما إذا كان سيرسل الدبابات إلى أوكرانيا، وإنما ما الذي سيفعله الغرب عندما تبدأ أوكرانيا باستخدام هذه الدبابات، خصوصاً عند التقدم إلى جزيرة القرم؟ وهذا الاختبار لايزال في المستقبل.
الدبابات الألمانية
في الحقيقة فإن نهج شولتس المتمثل في الانتظار حتى اللحظة الأخيرة كان مدمراً عندما تعلق الأمر بأوكرانيا، فخلال الأشهر التي استغرقها للموافقة على منح أوكرانيا الدبابات، قتل الآلاف من المدنيين الأوكرانيين، كما أن مزيداً من الأوكرانيين والروس سيقتلون في الأشهر المقبلة التي ستعمل بها الدبابات الألمانية، والأميركية. وبالتأكيد فإن مقتل هؤلاء الأشخاص ليس مسؤولية شولتس، ولكن لو اتخذ قراره بسرعة فلربما تغيّر مجرى المعركة، وأصبح لمصلحة أوكرانيا. وقد حذر المؤرخ البريطاني، تيموثي غارتن اش، من أن الصراع أصبح في حالة «انسداد تصعيدي».
ويعتبر الحصول على دعم الولايات المتحدة على شكل 31 دبابة «أبرامز» بمثابة نجاح، ولكن ثمة مشكلة هنا، فعن طريق إلحاحه على قيام الولايات المتحدة بالمخاطرة في مواجهة الجيش الروسي بالدبابات الأميركية، أظهر شولتس عدم إيمانه بالمبدأ الأساسي لحلف الناتو نفسه، وهي الفقرة الخامسة التي تنص على أن أي هجوم على أي عضو في الحلف سيعتبر هجوماً على جميع أعضاء الحلف، فهو لا يريد أن ينفرد وحده بتقديم هذه الدبابات لطرف يدخل في حرب ضد روسيا. وقال الخبير السياسي في الحزب الديمقراطي المسيحي المعارض في ألمانيا، إن مثل هذه القضية «تقوّض صدقية الحلف ذاته».
المستشار شميدت
يصف شولتس هذا التصرف بأنه «الشعور بالمسؤولية»، حيث يرى أنه عن طريق حصوله على مزيد من الاطمئنان، يكون قد قلّد أحد أسلافه، وهو المستشار الألماني السابق، هلموت شميدت، وهو من الحزب الديمقراطي أيضاً، والذي ضغط على الولايات المتحدة في ثمانينات القرن الماضي، كي تنشر صواريخ «بيرشنغ 2» في ألمانيا، لأنه أراد أن تكون واشنطن قادرة على الرد على الاتحاد السوفييتي في حينه إذا هاجم أوروبا بصواريخ «أس أس-20».
ولكن الهدف الأساسي لشميدت كان إغلاق فجوة دفاعية، في حين أن شولتس على ما يبدو يريد إغلاق فجوة شجاعة. وانقسم الشعب الألماني على قرار دبابات ليوبارد لأسباب أقلها أن ألمانيا لا تملك الردع النووي الخاص بها، ولكن هل من الحكمة الاستفادة من هذا القلق ضد حليف وشريك قوي مثل الولايات المتحدة؟ يتعين على القيادة الحقيقية أن تكون عكس ذلك، أي تستخدم التحالف القديم، والمهم للتخلص من القلق لدى الألمان.
وهناك عرض أخير لبطء تحرك شولتس، والذي يتعين على الحلفاء في الشرق والغرب أن ينتبهوا إليه، وهو أن المستشار شولتس لم يتلفظ بجملة أن أوكرانيا يجب أن تنتصر في هذه الحرب، إذ إنه حتى الآن لم يقل إلا أن أوكرانيا يجب ألا تخسر هذه الحرب. ربما يرجع ذلك إلى أنه يريد أن يوضح للمسؤولين الأوكرانيين أن النصر الذي يحلمون به ليس ما هو تتخيله ألمانيا.
حذر شولتس
يمكن تبرير حذر شولتس بقدر ما يمكن تبرير الخطوط الحمر لبوتين، فامتلاك شبه جزيرة القرم هو أحد الخطوط الحمر بالنسبة له، وهي ليست مقدسة بالنسبة لبوتين فقط، وانما لأن مصيرها سيحدد مصيره شخصياً، وإذا فقد بوتين شبه جزيرة القرم، فسيفشل في الوعد الذي قامت عليه الحرب برمتها في أوكرانيا، والمتمثل باستعادة المجد الوطني لروسيا وعظمتها، كتعويض عن المهانة التي أنزلها الغرب بروسيا منذ سقوط الاتحاد السوفييتي، وفق رؤية بوتين.
وعليه فإن خسارة القرم ليست مجرد خسارة منطقة، بل إنها ستكون عبارة عن مهانة خلال الجهود المبذولة للتخلص من مهانة انهيار الاتحاد السوفييتي. ولا يدري أحد ما إذا كان بوتين سيلجأ إلى استخدام السلاح النووي لتجنب هذا التدهور النهائي.
وفي هذا المشهد، فإن الدفع من قبل أوكرانيا لاسترجاع شبه جزيرة القرم بواسطة الدبابات الغربية يجب أن يثير القلق أكثر من مجرد ضعاف القلوب. ويرغب شولتس في أن يقدم تحركه ببطء باعتباره تعقّلاً يدركه الآخرون بعد فوات الأوان عادة. ومع ذلك عندما يتعلق الأمر بشبه جزيرة القرم، فإن استراتيجيته المتعلقة بالحذر لن تصمد بالتأكيد، فيتعين عليه التوقف عن لعب دور المتفرج، والتحرك فوراً.
• بإلحاحه على قيام الولايات المتحدة بالمخاطرة في مواجهة الجيش الروسي بالدبابات الأميركية، أظهر شولتس عدم إيمانه بالمبدأ الأساسي لحلف الناتو نفسه المتمثل في أن شن أي هجوم على أي عضو في الحلف سيعتبر هجوماً على جميع أعضاء الحلف، ولم يرد الانفراد وحده بتقديم هذه الدبابات لطرف يدخل في حرب ضد روسيا.
جوشن بتنر ■ صحافي ألماني يكتب عن المجتمع والسياسة الألمانية