«دبلوماسية الزلازل» تعيد الدفء إلى العلاقات التركية - اليونانية
منذ حدوث الزلزال المدمر بقوة 7.8 درجات على مقياس ريختبر الشهر الماضي على طول الحدود السورية التركية، لاتزال المساعدات الإنسانية إلى تركيا تأتيها من أنحاء العالم كافة. وساعدت دول أخرى في جهود الإنقاذ، بما فيها أصدقاء تركيا المقربين، إضافة إلى بعض الدول التي كانت تواجه بعض المشكلات الكبيرة مع تركيا.
وانبرت اليونان، جارة تركيا القريبة والتي عاشت توترات كبيرة في علاقاتها مع تركيا في عام 2022 وبداية 2023، إلى التدخل بسرعة لمساعدة الأتراك الذين يعانون الكارثة. ويمكن أن يكون الجانب المشرق لهذه الكارثة هو حدوث تحسّن ملحوظ في العلاقات بين أثينا وأنقرة.
وعلى الرغم من أن العلاقات المشحونة بينهما، كانت اليونان إحدى الدول التي أرسلت فرق إنقاذ إلى تركيا لإنقاذ الضحايا. وتلعب اليونان، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، دوراً محورياً في ما يتعلق بحشد الموارد لمساعدة تركيا، التي كانت تثمن هذه الجهود التي قامت بها اليونان. وظهر هذا الامتنان بسرعة في وسائل الإعلام التركية منذ السادس من فبراير، في حين أن المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ومستشار السياسة الخارجية له أعربا علناً عن شكرهما لليونان على مساعدتها في الـ10 من فبراير.
وقال كبير المسؤولين في المركز الدولي للتكوين الأوروبي، جورج تزوغوبولوس: «لقد فعلت اليونان ما يتوجب عليها فعله بروح التضامن، في ظل ظروف قاسية. ولكن الأمر الذي وجدته مؤثراً جداً هو مدى اهتمام المواطنين اليونانيين لإرسال الأطعمة والملابس للمتأثرين بالزلزال في تركيا».
دبلوماسية ليست جديدة
وفي الحقيقة، فإن «دبلوماسية الزلازل» ليست جديدة على العلاقات التركية - اليونانية، ففي 17 أغسطس عام 1999 وقع زلزال في منطقة مرمرة التركية نجم عنه مقتل نحو 20 ألف شخص ودمر نحو 100 ألف مبنى.
وكانت العلاقات سيئة بين الطرفين، ولكن اليونان نسيت ذلك وقدمت مساعدات كثيرة للمتأثرين بالزلزال. وفي الشهر التالي وقع زلزال مدمر في أثينا نجم عنه مقتل 98 شخصاً، في حين أصبح 50 ألفاً بلا مأوى. وفي الحال بادر الأتراك إلى تقديم المساعدة إلى جيرانهم. وتلا ذلك تحسّن العلاقة بين البلدين لمدة عقد من الزمن.
وبعد مرور ربع قرن تعود «دبلوماسية الزلازل» من جديد، الأمر الذي يبشر بعهد جديد من العلاقات التركية - اليونانية الدافئة. وعلى الأرجح لن تخفف هذه العلاقات الدافئة من مخاوف اليونان أن تستفيد المؤسسة الحاكمة في أنقرة من التوترات بين البلدين، ولكن هذه المخاوف بين اليونانيين تلاشت الشهر الماضي.
خفض التصعيد
وقال لنا رئيس برنامج البحر المتوسط في المؤسسة «الهيلينية» للسياسة الأوروبية، والتي مقرها أثينا، رونالد ميناردوس: «لقد فتح هذا الزلزال الكارثي الباب أمام خفض التصعيد في العلاقات بين الدولتين»، وأضاف: «لقد بدأت هذه الدبلوماسية بينهما، حيث زار وزير الخارجية اليوناني، نيكوس ديندياس، جنوب تركيا»، وفق ما قاله ميناردوس. وتشكل هذه الزيارة «خطوة رائعة تأتي جنباً إلى جنب مع هذا التضامن الغامر»، في الوقت الذي يتحدث فيه المسؤولون في أنقرة واثينا عن فتح «صفحة جديدة» في العلاقات الثنائية.
ويبدو أن العلاقات بين أنقرة وأثينا أصبحت دافئة، حيث إن المساعدة اليونانية لتركيا جعلت أردوغان ورئيس حكومة اليونان، كيرياكوس متسوتاكيس، يتحدثان مع بعضهما بعضاً للمرة الأولى منذ مارس العام الماضي.
وفي موقف آخر، تحدث وزير الخارجية التركي، مولود شاويش أوغلو، مطولاً عن احتمالات الانفراج بين الدولتين الجارتين، حتى إنه قدم اقتراحاً من ست نقاط لليونان بهدف تحسين العلاقات الثنائية.
التداعيات على السياسة الخارجية لواشنطن
لطالما أدى التوتر بين اليونان وتركيا إلى انقسام في التحالف عبر الأطلسي. ولهذا، ففي الوقت الذي تعمل فيه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، جاهدة لتقوية وحدة حلف شمال الأطلسي (ناتو)، فإن أي تحسّن للعلاقات بين أنقرة وأثينا سيكون بمثابة أخبار جيدة لواشنطن.
وستكون الولايات المتحدة سعيدة للغاية، إذا ما كان هناك علاقات دافئة بين أنقرة وأثينا، خلال الأسابيع القليلة الماضية، تؤدي إلى تقارب وتعاون وتضامن دائم بين الدولتين الحليفتين للولايات المتحدة.
وبينما كان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، يتحدث في العاصمة اليونانية في 21 فبراير الماضي، قال: «إنه لمصلحتنا تحسّن العلاقات بين اليونان وتركيا، وأعتقد أنه سيكون لمصلحة البلدين أيضاً إيجاد الطرق الملائمة لحل الخلافات المستحكمة».
وفي سياق الحرب في أوكرانيا، أصبحت الأدوار الجيوستراتيجية التي تلعبها اليونان وتركيا أكثر أهمية في أعين الولايات المتحدة، وبقية أعضاء حلف «الناتو». ولهذا فإن تحسّن العلاقات بين أثينا وأنقرة سيكون لمصلحة الأمن القومي لواشنطن في هذا الجزء من البحر المتوسط. وقال الدبلوماسي الأميركي السابق، ماتيو بريزا: «نريد أن تكون علاقة حلفائنا مع بعضهم جيدة»، مؤكداً أن اليونان وتركيا «توفران مساحة جغرافية مهمة تماماً لحلف (الناتو) والقواعد العسكرية أيضاً».
الأمر ليس سهلاً
ومع ذلك، فإن سعي صانعي السياسة في الولايات المتحدة إلى جعل العلاقات التركية - اليونانية أكثر دفئاً، لا يعني أن ذلك سيكون أمراً سهلاً. نظراً إلى مدى التوتر الذي خيّم على العلاقات بين البلدين في 2022، وبداية 2023، وثمة العديد من الأسئلة المفتوحة حول مدى سهولة حدوث أي تحول في العلاقات بين الطرفين.
ويقول الدكتور سيرهات سوها كوباك أوغلو، الباحث في «ترندز للأبحاث والاستشارة» في مقابلة معنا: «من المبكر جداً القول ما إذا ستكون هناك نتيجة ملموسة جرّاء الدفء الأولي للعلاقات بين اليونان وتركيا. وتاريخ العلاقات بين البلدين مليء بالمطبات، كما أن الولايات المتحدة لم تعد تلتزم بالتدخل أو العمل كوسيط متوازن لحل أكثر القضايا الملحة، مثل المناطق الرمادية للجزر والصخور في بحر ايجة».
وأصبحت السياسة التركية أكثر استقلالية في عالم يميل نحو التعددية القطبية، الأمر الذي نجم عنه تناقص نفوذ واشنطن في أنقرة، مقارنة في الفترة التاريخية السابقة. وخلال الأشهر المقبلة سيكون من المهم مراقبة أي تغيّرات محتملة في السياسة الخارجية التركية في ما يتعلق بأجزاء ببحر إيجة وشرق البحر المتوسط. وإذا اختفت مطالبات تركيا في هذا المجال سيكون من السهل على إدارة بايدن تقريب وجهات النظر بين تركيا واليونان كحليفين في «الناتو».
• تلعب اليونان، وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، دوراً محورياً في ما يتعلق بحشد الموارد لمساعدة تركيا.
• الولايات المتحدة ستكون سعيدة للغاية، إذا ما كان هناك علاقات دافئة بين أنقرة وأثينا.
جيورجيو كافير الرئيس التنفيذي لـ«غلف ستيت أناليتكس»
إيميلي كاميلي باحثة سياسية