عراقيون يسردون قصص «الوحشية» بعد الوعد الأمــيركي بـ«فجر جديد من الديمقراطية»
وعدت الولايات المتحدة بأن يكون غزوها للعراق عام 2003 بمثابة فجر لعهد جديد من الديمقراطية، لكن بعد مرور 20 عاماً يقول عراقيون من مختلف المجموعات الطائفية والعرقية والسياسية في البلاد «إنهم لم يقطفوا أي ثمار».
وفي ما يلي روايات شخصية عاشها البعض على مدى العقدين الماضيين:
مهند لفتة
عمد مهند لفتة في شبابه إلى تعليق ملصقات لصدام حسين، ليس لأنه يدعمه بل لتجنب تداعيات اعتباره منشقاً مثل والده، الذي أُعدم بسبب معارضته للنظام.
لكن الإطاحة بصدام الذي حكم العراق لعقود لم تبشر بفترات أفضل.
وقال الموظف الحكومي لفتة (51 عاماً): «أتمنى أن أقول لوالدي، الذي أُعدم بسبب مبادئه، إن من حكم البلاد اليوم صار أكثر وحشية».
واندلعت أعمال عنف طائفية في عام 2006 في حي لفتة، وجاب مسلحون الشوارع واضطرت عائلته إلى الرحيل.
وقال: «اعتقدنا أننا سنرتاح، لكن ليس هناك من يشعر بالراحة في العراق»، واصفاً كم الرعب الذي عاشته زوجته وأبناؤه عندما أمطرت قذائف الهاون منزلهم الجديد، ما أجبرهم على الرحيل مجدداً. وأضاف: «لا أريد أن يكبر أبنائي في بلد تطحنه رحى الحروب والفساد والطائفية.. لا أريد أن يعانوا مثلي».
أراس عبيد
كانت كل الأسباب تدفع أراس عبيد إلى الرغبة في الإطاحة بصدام حسين من السلطة، بعد أن صار الناجي الوحيد من عائلة مؤلفة من 12 فرداً، بعد هجوم استهدف مجتمعه الكردي في عام 1988. لكنه يقول إن «تخليص الأمة من صدام، لم يخلق سوى حالة من الفوضى استغلها آخرون لاستنزاف خيرات البلاد».
وقال: «في ظل نظام صدام كانت هناك عائلة واحدة تسرق ثروات البلاد. الآن هناك الآلاف ينهبون.. لا يمكنني التعامل مع هذا الوضع. انتهت حياتي». بعد هجوم حلبجة الكيماوي عام 1988، بحث عابد في مسقط رأسه للعثور على جثث عائلته. وقال: «كانت هذه أختي أواس، كان هذا أخي سيرياس، وكان هذا جدي، ثم رأيت أمي وبين ذراعيها طفل». كان الطفل هو شقيقه (ستة أشهر) الذي توفي بينما كان يرضع في حضن أمه.
بعد الإطاحة بصدام أقام الأكراد منطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي في شمال العراق، ما جذب استثمارات في النفط والغاز. لكن الخلافات دبت بين الحزبين الكرديين بشأن الثروات، وعندما أجرى الأكراد استفتاء على الاستقلال عام 2017، أمرت بغداد قواتها بالسيطرة على مساحات من الأراضي وقطع التمويل عن المنطقة.
وقال: «قضيتنا ضاعت بين السياسيين.. لقد هُزمنا مرة أخرى».
الناشط جاسم الأسدي
تعرّض جاسم الأسدي للسجن والتعذيب في عهد صدام، بسبب رفضه إعلان الولاء لحزب البعث. وعاد إلى ذهنه الشهر الماضي الرعب عندما خطفه رجال مسلحون وعذبوه. وكان الأمر هذه المرة أسوأ.
قال المهندس الهيدروليكي والناشط البيئي (65 عاماً): «مستوى وتقنيات التعذيب التي تعرّضت لها فاقت المستويات التي مارسها النظام السابق بحق السجناء»، واصفاً كيف تم تعصيب عينيه وتصفيد يديه وضربه بالهراوات وصعقه بالكهرباء ووضعه في حبس انفرادي.
فايزة سرحان
قالت فايزة سرحان (50 عاماً)، إن «سبعة من أفراد عائلتها شُنقوا في عهد صدام لانتمائهم للحزب الشيوعي».
وإبان عهد صدام كان هناك تسامح مع الأقليات، ولم يتم نبذها بسبب معتقداتها الدينية، ولكن كانت تتعرض للاضطهاد حال معارضة الحكومة.
وبعد سقوط صدام استهدف متطرفون أقليات بسبب معتقداتها الدينية ووصفوا أفرادها بالمرتدين أو «عبدة شيطان».
ولا تنسى فايزة القمع والحروب والعقوبات في عهد صدام، لكنها تتوق للأمن المحكم الذي كان يفرضه.
ومنذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة أصبح مجتمعها، الذي يعمل الكثير من أفراده بتجارة الذهب، ضحية للجرائم. وغادر كثيرون من أفراد الأقلية البلاد بسبب عدم تحقيق العدالة.
وقالت فايزة، التي فرت مع عائلتها إلى سورية عام 2006: «فُقد الأمن عندما رحل صدام. شعرت الأقليات بالضعف بعد عام 2003». وخلال هذا الوقت، تم خطف أحد أبناء عمومتها وتلقت عائلتها تهديدات من جماعة مسلحة.
وقالت: «إن شقيقتها وبعض أبناء عمومتها أُعدموا في عهد صدام ليس بسبب معتقداتهم الدينية، بل لانتماءاتهم وأنشطتهم السياسية. ولم تُسلم جثثهم إلى ذويهم». وتقول فايزة، التي تدير الآن مركزاً ثقافياً لمجتمعها في العراق: «إن 15 ألفاً فقط من أبناء الطائفة لايزالون في العراق، مقارنة بـ70 ألفاً قبل عام 2003. وهاجر الباقون».
خالد علوكا
عاش خالد علوكا في عهد صدام، لكن لم يكن هناك ما يوحي له بأن أبناء مجتمعه قد يتعرّضون للاضطهاد بعد سقوط النظام.
في عام 2007 أنزل مسلحون تابعون لتنظيم «القاعدة» 24 رجلاً أيزيدياً، من بينهم اثنان من أبناء عمومته من حافلة وقتلوهم، تاركين الأطفال الصغار.
وخوفاً من التعرّض للمصير نفسه، حبس نفسه وأبنائه الأربعة في منزلهم لأسابيع، عندما سيطر تنظيم «داعش» الإرهابي - الذي اعتبر الإيزيديين عبدة للشيطان - على شمال العراق عام 2014 وقتل الآلاف.
وقال علوكا: «لدينا إنترنت وسيارات فارهة، لكن الوضع الأمني تدهور.. مصير العراق مجهول».
طُرد التنظيم الإرهابي من المنطقة في عام 2017، لكن الكثير من الإيزيديين لايزالون يعيشون في مخيمات ويخشون العودة.
واضطر علوكا إلى إرسال أبنائه إلى تركيا قبل أن يطلبوا اللجوء في كندا. وبقي هو وزوجته، وكلاهما يعمل في التدريس.
وقال عبر الهاتف من منزله في بلدة بعشيقة شمال العراق: «لا نريد لأبنائنا أن يعيشوا الحياة المريرة التي عشناها».
باسكال وردة
عندما وقع الغزو، الذي قادته الولايات المتحدة، كانت المسيحية العراقية باسكال وردة، في لندن تشارك في الضغط على القادة الأوروبيين لإسقاط صدام.
وقالت: «لقد كان يوماً لا يُنسى بالنسبة لنا. كنا نعتقد أن الديكتاتورية قد ولت، وأن لدينا كل ما نحتاجه لإعادة بناء البلاد».
وأرادت باسكال (61 عاماً) أن تشارك في ديمقراطية ما بعد سقوط صدام، ووافقت على أن تكون عضواً في الحكومة المؤقتة. لكنها تعرّضت بعد ذلك بقليل لحملة عنيفة استهدفت المسيحيين من قبل متطرفين.
ونجت باسكال من محاولات اغتيال عدة، خلال فترة عملها التي استمرت 11 شهراً في السلطة. لكنها لاتزال تعتقد أن العراق أفضل حالاً من دون صدام.
وقالت باسكال: «إن التسامح مع المسيحيين والأقليات الأخرى كان مشروطاً بعدم معارضته».
وأضافت: «تم توفير هذا الأمان (في عهد صدام)، لأن من أعلنوا معارضتهم للنظام، واجهوا الرعب والموت.. مثل الموتى، لم يكن لأحد أن ينطق أو يعبّر عن رأيه».
وقالت باسكال، التي أعدمت السلطات عدداً من أفراد عائلتها: «إذا ذهبت إلى جبانة فلن تسمع أي صوت. كان الأمر كذلك في عهد صدام». وسلم الأمن جثث أقارب وردة مقطعة وينقصها أعضاء.
أحمد ناصر
في عام 2007 ذهب ناصر وزميله في فريق لكرة القدم، إيهاب كريم، للتسوّق في بغداد لشراء أحذية كرة قدم جديدة، قبل بدء موسم الدوري العراقي الممتاز. في نهاية اليوم، صار كريم في عداد الموتى وفقد ناصر ساقيه.
انفجرت واحدة من القنابل العديدة التي دمرت العاصمة العراقية في سنوات العنف التي تلت الغزو، بينما كان الشابان يقفان لتناول شطائر. وقتلت القنبلة كريم وبدلت حياة ناصر إلى الأبد.
وقال ناصر، الذي يلعب الآن كرة السلة على كرسي متحرك ضمن أحد الفرق البارالمبية: «كان من الأفضل لو بقي صدام حسين، ما كنت سأفقد ساقي.. ما كان هذا ليحدث أبداً، لأنه لم تكن هناك أي طائفية في ظل حكمه».
لا تنسى فايزة القمع والحروب والعقوبات في عهد صدام، لكنها تتوق للأمن المحكم الذي كان يفرضه.
عندما وقع الغزو، الذي قادته الولايات المتحدة، كانت المسيحية العراقية باسكال وردة، في لندن تشارك في الضغط على القادة الأوروبيين لإسقاط صدام.
عاش خالد علوكا في عهد صدام، لكن لم يكن هناك ما يوحي له بأن أبناء مجتمعه قد يتعرّضون للاضهاد بعد سقوط النظام.