بصمة انبعاثات زراعته مماثلة لـ«الخاصة بالطيران»

أزمة الأرز العالمية تنذر بتداعيات خطيرة على الإنسان والمناخ

صورة

كانت الثورة الخضراء واحدة من أعظم إنجازات البراعة البشرية. ومن خلال التركيز على أصناف القمح عالية الإنتاجية والأرز أيضاً، ساعد المزارعون في الهند والمكسيك والفلبين الصين على الخروج من المجاعة، وتجنبت الهند بالفعل أزمة غذائية. ومنذ عام 1965 إلى 1995 تضاعف محصول الأرز في آسيا وانخفض معدل الفقر فيها إلى النصف تقريباً حتى مع ارتفاع عدد سكانها.

سوق الأرز الواسعة في آسيا هي إرث من هذا الانتصار. والحبوب النشوية هي المصدر الرئيس لقوت أكثر من نصف سكان العالم. وينتج الآسيويون أكثر من 90٪ من الأرز، ويحصلون منه على أكثر من ربع السعرات الحرارية. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على المحصول على خلفية النمو السكاني في آسيا وإفريقيا، وهي مستهلك كبير آخر للأرز. وحسب أحد التقديرات سيحتاج العالم إلى زيادة الإنتاج بنحو الثلث تقريباً بحلول عام 2050، ومع ذلك يبدو هذا صعباً بشكل متزايد، وفي بعض النواحي غير مرغوب فيه.

تباطؤ

وفي الوقت الذي يتأرجح فيه إنتاج الأرز زادت الغلة بنسبة أقل من 1٪ سنوياً خلال العقد الماضي، أي أقل بكثير مما كانت عليه في العقد السابق، وكانت أكبر فترات التباطؤ في جنوب شرق آسيا، حيث باتت إندونيسيا والفلبين معاً موطناً لـ400 مليون شخص من كبار المستوردين بالفعل، وهذا له تفسيرات كثيرة. وأدى التوسع الحضري والتصنيع إلى زيادة ندرة العمالة والأراضي الزراعية، وأدى الاستخدام المفرط للمبيدات والأسمدة والري إلى تسمم التربة والمياه الجوفية واستنفادها، ولكن السبب الأكبر قد يكون الاحتباس الحراري.

ويتأثر الأرز بشكل خاص بالظروف القاسية، وغالباً ما يُزرع في الأماكن التي باتت هذه الظروف تتكرر فيها بشكل متزايد. وأدت الأمطار الموسمية المتقطعة والجفاف العام الماضي في الهند، أكبر مصدر للأرز في العالم، إلى انخفاض الحصاد وحظر التصدير. وقضت الفيضانات المدمرة في باكستان، رابع أكبر مصدر للأرز، على 15٪ من محصول الأرز. ويتسبب ارتفاع منسوب مياه البحر في تسرب الملح إلى دلتا نهر ميكونغ، التي تعتبر «وعاء الأرز» في فيتنام.

سبب وضحية معاً

وفي غضون ذلك تزداد الأمور سوءاً، فالأرز ليس مجرد ضحية لتغير المناخ، لكنه أيضاً مساهم فيه، ومن خلال حرمان التربة من الأكسجين تحفز زراعة الأرز البكتيريا التي ينبعث منها غاز الميثان، وهو مصدر أكبر للغازات المسببة للاحتباس الحراري من أي طعام آخر باستثناء لحوم البقر. وبصمة انبعاثات زراعة الأرز مماثلة لتلك الخاصة بالطيران، وإذا تم تحويل أراضي الغابات إلى حقول الأرز - مصير الكثير من الغابات المطيرة في مدغشقر - فإن هذه البصمة ستصبح أكبر.

هناك مجموعة مشكلات أكثر تعقيداً بكثير من انعدام الأمن الغذائي الذي حفز الثورة الخضراء في الماضي، وفي الواقع تبين أن تناول الكثير من الأرز ضار بالناس وكذلك المناخ، ويعتبر الأرز الأبيض أكثر تسبباً في السمنة، مقارنة بالخبز أو الذرة، وليس لديه الكثير من القيمة الغذائية. وارتبطت النظم الغذائية الغنية بالأرز في جنوب آسيا بارتفاع معدلات مرض السكري وسوء التغذية المستمر.

ويحتاج صانعو السياسات إذاً إلى زيادة محاصيل الأرز، ولكن بشكل انتقائي أكثر مما كان عليه الحال في الستينات، وفي الأماكن الأكثر ملاءمة لزراعة الأرز، مثل جنوب شرق آسيا الحار والرطب، يمكن أن يوفر الاعتماد السريع على التقنيات الجديدة، مثل البذور المقاومة للفيضانات والأكثر تغذية، زيادة كبيرة في الإنتاجية. وجنباً إلى جنب مع الممارسات المحسنة، مثل الزرع المباشر للأرز، يمكن أيضاً تقصير دورة النمو وتقليل كمية المياه المطلوبة، والتخفيف من الضرر البيئي.

النهج الأفضل

وكان المزارعون بطيئون في تبني مثل هذه التحسينات، ويرجع ذلك جزئياً إلى الإعانات السخية التي تحميهم من أزمات إنتاج الأرز، والنهج الأفضل من شأنه أن يجعل دعم الدول مرهوناً بأفضل الممارسات. ومن خلال تشجيع التأمين على المحاصيل - وهي فكرة جيدة في حد ذاتها - يمكن للحكومات أيضاً أن تساعد في طمأنة المزارعين وهم ينتقلون من الطرق القديمة إلى الطرق الجديدة.

وتحتاج الحكومات إلى دفع المنتجين والمستهلكين بعيداً عن الأرز، وتعمل الهند وإندونيسيا على الترويج لحبوب «الدُخن»، التي تعتبر مغذية بدرجة أكبر وتستخدم كميات أقل من الماء. ومن شأن إلغاء الإعانات التي تفضل الأرز على المحاصيل الأخرى أن يجعل هذه الجهود أكثر فاعلية. والهند على سبيل المثال تشتري الأرز من المزارعين غالباً بمعدلات أعلى من السوق، ثم توزعه كمساعدات غذائية.

ويجب أن تجعل تدخلاتها أكثر حيادية بشأن المحاصيل من خلال استبدال الإعانات والأرز المجاني بدعم الدخل للمزارعين والتحويلات النقدية للفقراء. ومن شأن ذلك أن يشجع المزارعين على اختيار أفضل محصول لظروفهم المحلية، فالكثير من الزراعة في شمال غرب الهند سيتحول من الأرز إلى القمح بين عشية وضحاها، وسيكون للهنود الفقراء الحرية في اختيار نظام غذائي أكثر توازناً، وبالتالي فإنه سيصحح السوق المنحرفة نحو الضرر البيئي وسوء الصحة.

إن إحداث مثل هذا التغيير في آسيا وخارجها سيكون أصعب بكثير من الترويج لبذور جديدة. ويشكل المزارعون في كل مكان تقريباً دائرة انتخابية قوية، ومع ذلك يجب أن يعتاد صانعو السياسة على مزج الحلول الاقتصادية والتكنولوجية المعقدة بهذه الطريقة. وعلى نحو متزايد هذا هو ما ستترتب عليه مكافحة تغير المناخ. وقد يكون حل الأزمة المتصاعدة في أهم المواد الغذائية في العالم نقطة جيدة للبدء.


• يحتاج صانعو السياسات إلى زيادة محاصيل الأرز، ولكن بشكل انتقائي أكثر مما كان عليه الحال في الستينات.

• منذ عام 1965 إلى 1995، تضاعف محصول الأرز في آسيا وانخفض معدل الفقر فيها إلى النصف تقريباً حتى مع ارتفاع عدد سكانها.

• 90% من الأرز يُنتج في آسيا.

• 15% من محصول الأرز أتلفته الفيضانات المدمرة في باكستان.

تويتر