البعض يرون أن واشنطن تسعى لإشعال حرب بين تايبيه وبكين بهدف استنزاف الصين

أميركا لا تملك رفاهية التخلي عن تايوان

صورة

لا تمتلك الولايات المتحدة رفاهية التخلي عن تايوان، وتركها وحيدة في مواجهة الصين، التي تطالب باستعادة السيادة عليها، فهناك أسباب عديدة تفرض على واشنطن الدفاع عن تايوان، أهمها موقعها الاستراتيجي بالقرب من الصين، ودورها الحيوي في سلاسل الإمداد العالمية لأشباه الموصلات، المستخدمة في أغلب الصناعات، بدءاً من السيارات، وحتى الصناعات الجوية والفضائية، ثم طبيعة النظام الديمقراطي في تايوان، وأخيراً التأثير السلبي لأي تخلٍّ أميركي محتمل عن تايوان في حلفاء واشنطن الآخرين في المنطقة، بدءاً من اليابان وحتى كوريا الجنوبية.

ويقول المحلل السياسي الأميركي من أصل هندي، نيسيد هاجري، في تحليل نشرته وكالة بلومبيرغ للأنباء، إن تفاعلات السياسات الداخلية في تايوان خلال الشهور القليلة المقبلة، ستشكل تحدياً كبيراً، وربما فرصة أكبر للولايات المتحدة.

وتجري حالياً زيارتان في مكانين على طرفي النقيض، لكنهما تبرزان المعضلة التي تواجهها الولايات المتحدة في التعامل مع ملف تايوان. الزيارة الأولى هي لرئيسة تايوان تساي إنغ وين، التي ستتوقف في نيويورك لفترة قصيرة في طريقها لزيارة دولتي، غواتيمالا وبليز، وهما من الدول القليلة التي مازالت لها علاقات دبلوماسية مع تايبيه. وفي طريق عودتها ستتوقف في ولاية كاليفورنيا لتلتقي رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري كيفن ماكارثي. هذه الزيارة أججت التوتر بين واشنطن وبكين، التي تعهدت برد انتقامي عليها. في المقابل تأتي الزيارة الثانية للرئيس التايواني السابق ما ينغ جيو للصين، في أول زيارة لزعيم تايواني منذ فرار، شيانغ كاي شيك، زعيم القوميين من الصين عام 1949 إلى جزيرة فيرموزا، وتأسيس جمهورية الصين التي أصبحت تايوان فيما بعد.

زيارة شخصية

وترك ما رئاسة تايوان عام 2016، وهو آخر رئيس للبلاد من حزب الكومينتنغ المؤسس لتايوان. ويقول إن زيارته للصين شخصية، بهدف زيارة مقابر أجداده، ليؤكد حجة الصين بأن الشعبين على جانبي مضيق تايوان يمثلان أمة واحدة تاريخياً وثقافياً، وأيضاً سياسياً من وجهة نظرها. ورغم أنه لا توجد ترتيبات للقاء ما بأي من كبار المسؤولين في الصين، خلال تلك الزيارة، لكن قد تتغير الترتيبات.

ويقول هاجري المتخصص في الشؤون الخارجية ومؤلف كتاب «غضب منتصف الليل»، إن هاتين الزيارتين تبرزان عمق الانقسام السياسي في تايوان، قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في يناير المقبل لاختيار خليفة تساي. وكما يعلم الأميركيون من تجاربهم الانتخابية المؤلمة أخيراً، فإن الانقسامات ستزداد حدة مع اقتراب موعد الانتخابات.

ومن المنتظر أن يخوض تلك الانتخابات لاي شينغ تي، نائب رئيس تايوان عن الحزب الديمقراطي التقدمي، لأن الدستور لا يسمح لتساي بخوض الانتخابات لولاية جديدة. وسيركز تي في حملته الانتخابية على تأكيد موقف حزبه المتحدي لمحاولات الصين إعادة ضم تايوان إلى سيادتها.

في المقابل، فإن قادة حزب الكومينتنغ المعارض، الذين لم يحددوا بعد مرشحهم في الانتخابات، سيشددون على أن حزبهم هو الوحيد القادر على تخفيف حدة التوتر على جانبي مضيق تايوان، والتعامل مع بكين مباشرة. ومن المنتظر أن توجه الصين سهام نقدها إلى الحزب الديمقراطي التقدمي، مقابل مجاملة قادة حزب الكومينتنغ، كما فعلت عندما خففت بعض القيود على حركة السفر والتجارة بين جانبي مضيق تايوان، بعد زيارات لمسؤولين في الحزب خلال الشهور الأخيرة.

شكوك

ويقول هاجري في تحليله إن مستوى عدم الثقة بالولايات المتحدة سيفاجئ الكثير من الأميركيين الذين اعتادوا الاقتناع بأن التايوانيين يشعرون بالامتنان للجهود التي تقوم بها أميركا لمنع الصين من غزو بلادهم.

ليس هذا فحسب، بل إن نظرية المؤامرة التي تجد لها صدى قوياً، خصوصاً بين أنصار حزب الكومينتنغ، تنظر إلى خطة إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، لدعم صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، محاولة أميركية لحرمان تايوان أمهر مهندسيها في هذه الصناعة، وحرمانها ريادتها العالمية في مجال الرقائق الإلكترونية. كما يرى البعض أن مخططي السياسات الدفاعية الأميركية يسعون إلى إشعال حرب بين تايوان والصين من أجل محاصرة الأخيرة، واستنزاف جيشها.

وأسهمت مؤسسات الإعلام التايوانية المرتبطة بالمليارديرات الموالين للصين، في نشر هذه الشائعات، باعتبارها منصات للدعاية السياسية الصينية. في المقابل، فإن تصريحات بعض الشخصيات الأميركية المهمة، عن ضرورة تفجير مصانع أشباه الموصلات في تايوان، حتى لا تقع في أيدي الصينيين، تعزز موقف أنصار نظرية المؤامرة الأميركية في تايوان. ومن المنتظر أن تشهد الولايات المتحدة الكثير من هذه التصريحات التي تضر، ولا تفيد، مع اقتراب معركة انتخابات الرئاسة الأميركية 2024.

حذر

وفي حين يجب على السياسيين التايوانيين، خصوصاً من حزب الكومينتنغ، توخي الحذر عند استعراض علاقاتهم مع الصين، حتى لا يثيروا السخط في أوساط أعضاء الكونغرس الأميركي، فإنه على القادة الأميركيين التحكم في تصريحاتهم بشأن تايوان خلال الشهور المقبلة.

الأكثر من ذلك، فإنه في حين تحتاج تايوان لتعزيز قدراتها العسكرية، حتى تكون قادرة على التصدي لأي غزو صيني، يجب على الولايات المتحدة عدم المبالغة في التعلم من تجربة الحرب الروسية ضد أوكرانيا. كما أن أي ضغط على تايبيه لتحويل قوات الاحتياط غير الدائمة إلى قوة قتالية فعالة بسرعة، يبدو تصرفاً أحمق، ولا يقدر عواقب الأمور. فالإصلاحات الكبرى والشاملة تحتاج إلى الصبر، ومشاركة أقوى من جانب القادة والمواطنين في تايوان، وليس فرضها عليهم من الخارج.

أخيراً، على الولايات المتحدة إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع قادة حزب الكومينتنغ المعارض والحكومة، ومن البوادر الجيدة قيام المليادرير التايواني تيري كو، مؤسس شركة الإلكترونيات العملاقة «فوكسكون تكنولوجي غروب»، والمرشح المحتمل للحزب في انتخابات الرئاسة المقبلة بزيارة الولايات المتحدة حالياً.

وقبل كل ذلك، يتعين على واشنطن السعي لتحسين العلاقات مع الصين، فهناك أمر واحد يتفق عليه كل التايوانيين، وهو أن أي حرب ستكون كارثية، لذلك فأي جهود أميركية لمنع هذه الحرب ستكون بالتأكيد محل ترحيب من كل تايوان.


• مستوى عدم الثقة التايوانية بالولايات المتحدة سيفاجئ الكثير من الأميركيين الذين اعتادوا الاقتناع بأن التايوانيين يشعرون بالامتنان للجهود التي تقوم بها أميركا لمنع الصين من غزو بلادهم.

• أنصار حزب الكومينتنغ ينظرون إلى خطة إدارة جو بايدن لدعم صناعة أشباه الموصلات في أميركا، على أنها محاولة أميركية لحرمان تايوان أمهر مهندسيها في هذه الصناعة، وحرمانها ريادتها العالمية في مجال الرقائق الإلكترونية.

تويتر