مسجد السلطان حسن.. مفخرة الحضارة الإسلامية المملوكية

يجمع كثير من المؤرخين على أنه على الرغم من كثرة مساجد القاهرة في الحقب الطولونية، والإخشيدية، والمملوكية، والفاطمية، والأيوبية، إلا أن «مسجد السلطان حسن» من أعظم ما شيده البناؤون في تلك الحقب، والذي بناه حسن بن محمد بن قلاوون في الفترة ما بين 1356 و1362 ميلادية، وجمع بين روعة العمارة وشموخ المآذن وقوة البناء وجمال الزخرفة.

يقع مسجد السلطان حسن في ميدان صلاح الدين (الرميلة سابقاً) بمنطقة القلعة بشرق القاهرة، وقد بني المسجد في منطقة كانت تستضيف سوقاً يسمى سوق السلاح، وتحيط به مساجد عدة، مثل مسجد الرفاعي، ومسجد المحمودية، ومسجد قاني باي الرماح، ومسجد جوهر اللالا، إضافة إلى مسجد الناصر قلاوون بقلعة صلاح الدين.

تخطيط متعامد

وقد أنشئ المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، ليضم إيوانات للمذاهب الفقهية الأربعة، ولكل مذهب شيخ و100 طالب، ولكل منهم 25 متقدماً، لكل منهم راتب، وقد عين السلطان حسن مراقبين اثنين لمراقبة الحضور والغياب، أحدهما بالليل والآخر بالنهار، وأقام مكتبة خُصص لها أمين، ومكتباً لتعليم الأيتام القرآن الكريم والخط، وقرر لهم كسوة وطعاماً، وكان إذا أتم اليتيم القرآن حفظاً يعطى 50 درهماً، ويعطى مؤدبه مثلها، بحسب ما ذكر محمود أحمد في «دليل موجز أشهر الآثار العربية بالقاهرة».

يتكون المسجد من صحن أو فناء مكشوف، تتوسطه فوارة، ويحيط به أربعة إيوانات، مساحته مربعة أو مستطيلة ، وفي زوايا الصحن الأربع توجد أربعة أبواب توصل إلى المدارس الفقهية الأربع، الحنفية، والشافعية، والمالكية، والحنبلية، كل منها يتكون من صحن وإيوان، إلى جانب خلاوٍ سكنية للطلبة، إضافة إلى ملحقات خدمية ومئذنتين، وأهم ما يميز المسجد دقة الزخارف الحجرية المكتوب بداخلها بالخط الكوفي، والأعمال الرخامية، وجمال زخارف محراب الإيوان، ومحراب القبة، ومدخل المبنى الرخامي ذو الحشوات المزينة بأشكال الأطباق النجمية، بحسب المشاهدة العيانية ووصف موقع وزارة السياحة والآثار المصرية.

أبعاد الجامع

ويصف كتاب «تاريخ جامع السلطان حسن في مصر»، الصادر عن لجنة حفظ الآثار العربية، أبعاد الجامع بالقول إن «أكبر طول فيه هو 150 متراً، وأطول عرض فيه 68 متراً، ومساحته لا تقل عن 7906 أمتار مربعة، وارتفاعه عند البوابة 37 متراً، وكانت الأرض التي شيّد عليها صخرية ومنحدرة انحداراً تدريجياً من القلعة إلى المدينة، وكانت جدرانه السميكة مكسوة بحجر، واستلزم وضع أساس له أعمالاً جسيمة، كما أن أرضية الجامع ليست في مستوى واحد مع الأرض المحيطة».

وقد امتدح المؤرخون على اختلاف أزمانهم عظمة بناء المسجد وروعة جماله، فكتب غرس الدين شاهين في «زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك»، أن «مدرسة السلطان حسن تجاه القلعة المنصورة ليس لها نظير في الدنيا، وأن الملك الناصر حسن لما أمر بعمارتها طلب جميع المهندسين من أقطار الأرض، وأمرهم بعمارة مدرسة يكون ليس أعلى منها على وجه الأرض»، وأنه «أمر أن تعمر أعلى من إيوان كسرى 10 أذرع». قال ابن اياس الحنفي في «بدائع الزهور في وقائع الدهور» إن المسافرين في البحر الرومي كانوا يرون القناديل التي تعلق في مناراتها ليلاً، إلا أن المؤرخين اللاحقين اعتبروا هذا الكلام ضرباً من المبالغة.

وقال المقريزي تحت عنوان «جامع الملك الناصر حسن » إن «السلطان حسن ابتدأ عمارة المسجد سنة 957، وأوسع دوره وعمله في أكبر قالب وأحسن هندام، وأضخم شكل، فلا يعرف في بلاد المسلمين معبد من معابد المسلمين يحاكي هذا الجامع»، ويضيف «أقامت فيه العمارة مدة ثلاث سنين، لا تبطل يوماً واحداً، رصد لمصروفها في كل يوم 20 ألف درهم عنها نحو 1000 مثقال ذهب، ولقد أخبرني الطواشي مقبل الشامي أنه سمع السلطان حسن يقول انصرف على القالب الذي بني عليه الإيوان 100 ألف درهم»، ويقول أيضاً إنه «أكبر من إيوان كسرى الذي بالمدائن بخمس أذرع، ومنها القبة العظيمة التي لم يبن بديار مصر والشام والعراق والمغرب واليمن مثلها».

ووصفه المؤرخ الفرنسي آدم فرانسوا جومار في موسوعة «وصف مصر » بأنه «من أجمل مباني القاهرة والإسلام، ويستحق أن يكون في المرتبة الأولى للعمارة العربية، بفضل قبته العالية، وارتفاع مئذنته، وعظم اتساعه، وفخامة وكثرة زخارفه»، ووصفه الرحالة المغربي الورتلاني بأنه «مسجد لا ثاني له في مصر، ولا غيرها من البلاد، في فخامة البناء ونباهته »، ووصفه المستشرق الفرنسي جاستون فييت بالقول «قد يكون هذا الجامع هو الوحيد بين جوامع القاهرة الذي جمع بين قوة البناء وعظمته، ورقة الزخرفة وجمالها، ولا ريب أن هذا البناء العالمي الشهرة، والعظيم القيمة، رمز لمجد الإسلام »، ووصفه ابن تغري بردي بأن هذه المدرسة ومئذنتها وقبتها من عجائب الدنيا، وهي أحسن بناء بني في الإسلام.

من المثير بشأن هذا المسجد، أن «لجنة حفظ الآثار العربية» التي شكلها الخديوي توفيق شككت في تقريرها الذي كتبته حول المسجد عام 1898 في أن يكون المهندس الذي بنى المسجد عربياً أو مسلماً، واستندت في ذلك إلى وجود رسومات نباتية في المسجد، وهو أمر غير معتاد من وجهة نظرها في الطرز العربية، كما أشارت إلى وجود طرز يونانية ورومانية فيه، وأشارت أيضاً إلى عدم معرفتها حتى تاريخه باسم المهندس الذي بناه، لكن المصادفة قادت إلى دحض هذه الشكوك، حيث استطاع الأثري حسن عبدالوهاب عام 1944 الوصول إلى اسم باني هذا الصرح الإسلامي الكبير، وهو محمد بن بليك المحسني، مبدداً بذلك كل الفروض الخاطئة.

وروى حسن عبدالوهاب في كتابه «تاريخ المساجد الأثرية في القاهرة» قصة هذا الاكتشاف المهم، فيقول «كنت أراجع في 14 نوفمبر 1944 كتابات الجامع حتى أنشرها مع أستاذي الجليل مسيو فييت ضمن المجموعة التاريخية الجاري نشرها، فوجدت في المدرسة الحنيفية اسم المهندس مكتوباً في طرزها الجص، ونص يقول: بسم الله الرحمن الرحيم (إن المتقين في جنات ونعيم، ادخلوها بسلام آمنين، ونزعنا ما في صدورهم.... إلى قوله تعالى: وما هم منها بمخرجين). اللهم يا دائماً لا يفنى من نعمه التي لا تحصى أدم العز والتمكين والنصر والفتح المبين ببقاء من أيدت به الإسلام والمسلمين وأحييت... حسن ابن مولانا السلطان، عنه على ما وليته، وخلده في ذريته.. كتبه تحمد دولته، وشاد عمارته محمد بن بليك المحسني». من الحكايات اللافتة التي حدثت بشأن هذا المسجد، أنه لما سقطت المنارة التي على الباب، وهلك تحتها 300 نفس من الأيتام وغيرهم «لهجت عامة مصر والقاهرة بأن ذلك منذر بزوال الدولة »، لكن شاعراً هو بهاء الدين السبكي أراد أن يذهب بالحادث إلى موضع آخر يمتدح به السلطان حسن، رغم كارثيته، بدلاً من النقد الذي وجه إليه، فكتب يقول:

أبشر بسعدك يا سلطان مصر أتى ... بشير بمقال يبارك لمثلي

أن المنارة لم تسقط لمنقصة .... لكن لسر خفي قد تبين لي

من تحتها قرئ القرآن فاستمعت... فالوجد في الحال أداها إلى الميل تلك الحجارة لم تنقض بل هبطت .... من خشية الله لا للضعف والخلل من جهته، قال الإعلامي والمهتم بتاريخ القاهرة، وصاحب مبادرة «أرواح في المدينة» محمود التميمي لـ«الإمارات اليوم»، إن «هناك ملمحين أساسيين يميزان مسجد السلطان حسن، ويجعلانه ذا أهمية نوعية، هما الاختيار الجغرافي لمكان المسجد من قبل السلطان حسن، حيث أقامه فوق قصر الأميرين المملوكين التنبغا المرداني، والبلبغا الحيناوي، وكانا أميرين لهما سطوة ونفوذ، فأراد السلطان حسن أن يظهر أنه أقوى منهما، وأن زمانهما ولى، فهدم القصرين ليشيد المسجد فوقهما، أما الملمح الثاني لهذا الاختيار الجغرافي فهو أن المسجد صار نكبة على كل سلطان مملوكي، حيث بني بمواجهة قلعة صلاح الدين ليصبح هيئة حاكمة مقابلة، ما حدا بقادة المماليك كلما تأخرت مرتباتهم أن يصعدوا إلى سطح المسجد ويقصفوا القلعة بالمنجنيق، بما يشكل تهديداً حقيقاً للقلعة وساكنيها، الأمر الذي اضطر السلطان مؤيد شيخ حين صعد للسلطة أن يبطل الصلاة في المسجد، ويهدم السلالم الداخلية له، ويخلع بوابته بعد أن اشتراها بـ50 درهماً، ويجعلها بوابة مسجده، لكن ظل مكتوباً عليها اسم السلطان حسن، الذي لم يمحه المؤيد، حتى يومنا هذا. يذكر أن الرئيس الأميركي باراك أوباما لدى زيارته للقاهرة في 2009، اختار أن يزور مسجد السلطان حسن فقط، دون بقية الآثار الإسلامية في القاهرة، تقديراً منه لقيمته التاريخية والمعمارية.

أنشئ المسجد على نظام المدارس ذات التخطيط المتعامد، ليضم إيوانات للمذاهب الفقهية الأربعة، ولكل مذهب شيخ و100 طالب، ولكل منهم 25 متقدماً، لكل منهم راتب.

كانت الأرض التي شيّد عليها المسجد صخرية ومنحدرة انحداراً تدريجياً من القلعة إلى المدينة، وكانت جدرانه السميكة مكسوة بحجر.

المراجع

1-دليل أشهر الآثار العربية بمصر، محمود أحمد.

2-جامع السلطان حسن، لجنة حفظ الآثار العربية، مكس هرتس بك.

3-موقع وزارة السياحة والآثار المصرية.

4-«زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك »، غرس الدين شاهين، المطبعة الجمهورية

5-ابن اياس، روائع الزهور في وقائع الدهور.

6-تاريخ المساجد الأثرية، حسن عبدالوهاب، مطبعة دار الكتب المصرية.

الأكثر مشاركة