مبادرة كويتية تنقذ تاريخاً ممتداً منذ 900 سنة داخل الأسوار العتيقة

سوق «الجزارين» في القدس يخرج من «غرفة الإنعاش»

صورة

بعد احتضاره لسنوات طوال، غاب خلالها عن مشهد الحياة اليومية لسكان مدينة القدس الشريف، جرت الحركة التجارية داخل سوق الجزارين، أو كما يشتهر منذ نشأته باسم «اللحامين»، أحد أشهر الأسواق العتيقة، داخل أسوار البلدة القديمة، لتعود الأقدام تطأ المحال التجارية، التي تآكلت أبوابها وأقفالها الحديدية من شدة الصدأ.

هذا المشهد تجسّد قبيل شهر رمضان المبارك بأيام قليلة، فور ترميم 16 محلاً تجارياً، عادت إلى العمل مجدداً، ضمن المرحلة الأولى من مبادرة تنفذها مؤسسة «وافا» الدولية للتنمية وبناء القدرات في فلسطين، بإشراف جمعية الهلال الأحمر الكويتي، وتمويل غرفة تجارة وصناعة الكويت.

ومنذ نشأته الأولى، ضم السوق التاريخي بين جنباته 100 محل تجاري، اختصت جميعها قديماً في بيع اللحوم الطازجة، بشتى أنواعها، ولكن بمرور السنين، تحوّل معظمها إلى بيع المستلزمات المنزلية والصوف، والخضراوات والفواكه، إلى جانب مطاعم شعبية صغيرة، ولكن ذلك أيضاً أدرج في طي ذكريات الدهر الماضي، نتيجة ممارسات الاحتلال التعسفية، والقيود التي تفرضها بلديته داخل حدود المدينة المقدسة.

مكانة الترميم

الجائل بين أزقة سوق الجزارين العتيقة، يدرك مكانته الاقتصادية، لدى أصحاب المحال التجارية، وكذلك المواطنين المقدسيين، إذ يعد على مر التاريخ مقصداً للسكان داخل أسوار البلدة القديمة وخارجها، ما يستوجب إعادة ترميمه، حتى لا تضيع معالمه الأثرية أدراج المخططات التهويدية، والتوسعة الاستيطانية.

وفي تاريخ 18 مارس الماضي، احتضن السوق التاريخي زيارة وفد جمعية الهلال الأحمر الكويتي مدينة القدس الشريف، الذي أشرف على عملية ترميمه، وافتتح المحال المرممة حديثاً، لينفض «اللحامين» غبار سنوات طويلة من الإغلاق، ويعود كما عهده المقدسيون في عديد من الفترات الزمنية المتعاقبة.

وخلال ذلك، يقول رئيس جمعية الهلال الأحمر الكويتي، هلال الساير: «إننا جئنا إلى مدينة القدس المحتلة بدعوة من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، وهنا رممنا 16 محلاً، بدعم من غرفة التجارة والصناعة الكويتية».

ترميم رغم القيود

من جهة ثانية، يقول مدير مؤسسة «وافا » الدولية للتنمية وبناء القدرات في فلسطين، محسن عطاونة، لـ«الإمارات اليوم»، في حديث خاص: «على مدار عام كامل رممنا بعض محال سوق (اللحامين)، ونتيجة الاحتياجات العالية لجميعها، تمكنا من اختيار المحال التجارية المتلاصقة، وذات الأولوية القصوى في عملية الترميم». ويضيف أنه خلال زيارته الأخيرة للقدس، وافتتاحه المحال المرممة حديثاً في مارس الماضي، «حصلنا في (وافا) على وعد من الهلال الأحمر الكويتي، بترميم بقية محال السوق، البالغ عددها 85 محلاً تجارياً، إضافة إلى تأهيل الممرات بين المحال، وصيانتها من حيث الإضاءة، والدهان، والعزل من الرطوبة».

تحديات

ويقول: «إن جميع التحديات التي أعاقت مسيرة عملنا، متمثلة في ممارسات سلطة الآثار الإسرائيلية، وقيودها التعسفية، من خلال تأجيل الحصول على الموافقات اللازمة للاستمرار في عملية ترميم المحال التجارية، واعتراضها، من خلال حضور عناصرها إلى سوق (اللحامين)، بشكل مستمر».

وتقدم مدير «وافا» الدولية في الأراضي الفلسطينية بالشكر الجزيل إلى دولة الكويت «أميراً، وحكومة، وشعباً، على الدعم السخي غير المحدود لفلسطين، والذي يطال مختلف مناحي حياة المواطنين»، مضيفاً: «إنني كذلك أخص بالشكر السفارة الكويتية في المملكة الأردنية الهاشمية، ولجميع طواقم السفارة، وعلى رأسهم القائم بأعمالها المستشار مبارك الهاجري».

عهد جديد

جالت «الإمارات اليوم » سوق «اللحامين »، الذي يأتي توالياً بعد سوقي «الخواجات » و«العطارين»، داخل أسوار بلدة القدس القديمة، فمن بين الأزقة العتيقة الضيقة، ينهض السوق التاريخي من جديد، بعد أن لفظ أنفاسه الأخيرة خلال سنوات عديدة، إذ تظهر مشاهد الانتعاش الاقتصادي واضحة جلية بين المحال المرممة حديثاً، وتلك التي تنتظر المرحلة الثانية من المشروع لترميمها، حيث يتوق أصحابها لإعادة فتح أبوابها، حتى يرجع السوق العتيق إلى سابق عهده على مدار 900 عام.

ميلاد جديد

تجار سوق «الجزارين »، يصفون عملية ترميم محالهم التجارية بميلاد عهد جديد، فلم يظنوا يوماً العودة إليها مرة أخرى، نتيجة تراكم الضرائب الإسرائيلية بحقهم، وتعدد القيود التي تفرضها بلدية الاحتلال ضد محالهم، لتعجز قدرتهم المالية على مواجهتها، فيصاب «اللحامين» بانتكاسة الركود الاقتصادي القاسية، والتي أعدمت الحركة الشرائية بين أزقته التاريخية مطلقاً.

المقدسي ناصر قرّش، يجسّد لسان حال أصحاب المحال التجارية المرممة حديثاً، داخل حدود سوق «اللحامين»، فهو يمتلك محلاً لبيع اللحوم الطازجة، يجاور أبواب المسجد الأقصى المبارك مباشرة، ورثه عن والده، الذي افتتحه في ثلاثينات القرن الماضي، لتعيد المبادرة الكويتية الأمل إليه مجدداً، في الحفاظ على محل والده من مخططات التهويد المتصاعدة.

ويقول التاجر المقدسي: «إن مبادرة دولة الكويت مسحت الغبار من بين أركان المحال، وأزالت صدأ استوطن أبوابها منذ سنوات، فعادت الحياة تدريجياً إلى السوق التاريخي، في انتظار ترميم بقية المحال التجارية، لنسطر حكايات جديدة لتاريخ متجذر، وطويل». ويؤكد قرّش أن «عملية ترميم محال سوق اللحامين، تعدّ دعماً معنوياً لنا نحن أصحاب المحال التجارية، في إطار تعزيز صمودنا، للمضي قدماً في البقاء داخل إرث الآباء والأجداد ما حيينا».

تظهر مشاهد الانتعاش الاقتصادي واضحة جلية بين المحال المرممة حديثاً، وتلك التي تنتظر المرحلة الثانية من المشروع لترميمها، حيث يتوق أصحابها لإعادة فتح أبوابها، حتى يرجع السوق العتيق إلى سابق عهده.

الجائل بين أزقة سوق الجزارين العتيقة، يدرك مكانته الاقتصادية، لدى أصحاب المحال التجارية، وكذلك المواطنين المقدسيين، إذ يعد على مر التاريخ مقصداً للسكان داخل أسوار البلدة القديمة وخارجها، ما يستوجب إعادة ترميمه، حتى لا تضيع معالمه الأثرية.

منذ نشأته الأولى، ضم السوق التاريخي بين جنباته 100 محل تجاري، اختصت جميعها قديماً في بيع اللحوم الطازجة، بشتى أنواعها، ولكن بمرور السنين، تحوّل معظمها إلى بيع المستلزمات المنزلية والصوف، والخضراوات والفواكه، إلى جانب مطاعم شعبية.

تويتر