تعيش البلاد على وقع أزمة نقص حادة بقائمة من المواد الأساسية

التونسيون يتخلون عن عادات رمضانية تحت وطأة غلاء المعيشة

صورة

كانت خطوات بسمة مرزوقي متثاقلة وهي تتجول في السوق المركزية بولاية نابل شمال شرق تونس، حاملة كيساً بلاستيكياً يحتوي على خضر ورقية وحبات طماطم (بندورة) فقط.

وقالت لرويترز «لم نعد قادرين على مجابهة الارتفاع الجنوني والكبير للأسعار».

وأضافت «أجبرنا نسق الحياة العصرية على ترك عادات الجدات، فيعيدنا رمضان إليها بحنين جارف للاحتفال بالشهر الكريم، ولكن بتنا مجبورين أيضاً على التخلي عن العديد من العادات، سواء إعداد الطعام أو صنع الحلويات، التي نشتهي أكلها في رمضان وفي العيد».

وفقدت سلة المشتريات التونسية في رمضان عدداً من مكوناتها بسبب لهيب الأسعار فلم تعد العائلات قادرة على تقديم الأطباق التي تعودت عليها في شهر الصيام.

وتراجع إقبال العائلات على صنع حلويات العيد، كحلوى (الصمصة) التي تتكون أساساً من الفواكه الجافة والزبد والسكر، بسبب غلاء المواد الأولية أو نقصها في الأسواق كالسكر، الذي مازال التونسيون يصطفون بالساعات بحثاً عن كيلوغرام منه.

وتعيش تونس على وقع أزمة نقص حادة بقائمة من المواد الأساسية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الوقود والنقل، ما قد يزيد من حجم الضغوط على جيوب التونسيين، خصوصاً مع إعلان الدولة عن الرفع التدريجي للدعم وهو ما ينذر بأزمة اقتصادية.

وتحدثت شريفة بن عربية، وهي أرملة لا يتجاوز معاش التقاعد الذي تتقاضاه بعد 18 عاماً قضتها في العمل في مصنع لخياطة الملابس 120 دولاراً شهرياً، عن معاناتها بهذا المبلغ الزهيد والذي لا يوفر لها الدواء والطعام أمام غلاء أسعار كل المواد.

ووفق بيانات المعهد الوطني للإحصاء، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في مارس 15.7% وذلك بسبب ارتفاع أسعار لحم الضأن 34.2% والبيض 31.3%، والدواجن 23.8%، والزيوت الغذائية 23.7% ولحم البقر 21.8%.

وعلى عكس شريفة فإن وقع الأزمة الاقتصادية الخانقة في تونس كان أقل وطأة على الموظف المتقاعد خلدون بن عمو (65 عاماً) والسبب هو أن ابنته تعمل في دولة خليجية، وتوفر له تحويلات مالية بصفة شهرية، الأمر الذي ساعده على مجابهة كلفة المعيشة هو وزوجته.

وتعتبر المنظمة التونسية للدفاع عن المستهلك أنه لم يعد ممكناً تحديد المعايير بدقة لضبط متوسط الدخل للمواطن التونسي في ظل انفلات الأسعار، الذي اجتاح أيضاً قطاعات أخرى بخلاف المواد الاستهلاكية، مثل النقل والمحروقات والإنترنت والإيجار والطاقة.

ويقول رئيس المنظمة، عمار ضية «كنا نتحدث عن متوسط دخل يتراوح بين 1000 و1500 دينار. هذا الدخل لا يكفي لتغطية كلفة المعيشة في تونس اليوم».

عادة ما يتشبث التونسيون بعاداتهم في شهر رمضان، عبر تأمين المستلزمات على الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة وتفاقم ارتفاع أسعار المواد الغذائية. ويحرصون أيضاً على التمسك بعادات وتقاليد وشعائر دأب عليها أجدادهم على مر السنين خلال هذا الشهر.

لكنهم باتوا مجبرين اليوم على التخلي عن بعض عاداتهم خصوصاً تلك التي تخص سلوكهم الغذائي، ليصبح الإقبال أقل على الأطباق المكلفة كالتي تتكون من لحم الضأن الذي ارتفع سعره إلى 15 دولاراً للكيلوغرام الواحد، بالإضافة إلى تراجع استهلاك الألبان الطازجة والفواكه الجافة، والبيض، وغيرها من المنتوجات التي كانت لا تغيب عن مائدة العائلة التونسية خلال رمضان.

وحمل رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك، لطفي الرياحي، مسؤولية اشتعال كلفة المعيشة في تونس إلى الدولة بتركها الأسواق تحت رحمة قانون العرض والطلب. وأضاف الرياحي «الدولة من مسؤوليتها حماية المستهلك والمواطن بأن تحدد الأسعار وبخاصة المواد ذات الإقبال الواسع».

وفرضت السلطات حزمة من الإجراءات قبل حلول شهر رمضان في محاولة للتحكم في الأسعار، كتحديد هامش الربح وأسعار البيع القصوى لبعض المنتجات الحيوية، كالبيض والدجاج، وبعض الفواكه مثل الموز والتفاح ووضع نقاط «من المنتج إلى المستهلك» التي تبيع بأسعار منخفضة في ولايات عدة، وفرضت رقابة على تجار التجزئة.

واعتبر الرياحي أن اعتماد الدولة على آليات تقليدية وظرفية لكبح الأسعار، قد يحقق نتائج لفترة وجيزة، لكنه لن يكون كافياً لوضع حد «للمد التضخمي للأسعار والذي بات ينهش المقدرة الشرائية للتونسي بشكل لافت».

وتقول الأرملة شريفة وهي تطلق تنهيدة عميقة «لا أريد التفكير كثيراً في الوضع، أحاول العيش كل يوم بيومه. نعيش بما سيأتي به الله».

فقدت سلة المشتريات التونسية في رمضان عدداً من مكوناتها بسبب لهيب الأسعار فلم تعد العائلات قادرة على تقديم الأطباق التي تعودت عليها في شهر الصيام.

لم يعد ممكناً تحديد المعايير بدقة لضبط متوسط الدخل للمواطن التونسي في ظل انفلات الأسعار الذي اجتاح قطاعات عدة.

تويتر