زوجها وابنها البكر خلف القضبان.. و«محمد» و«نور» قتلهما الاحتلال ويطارد نجلها المصاب
«أم شادي غنيم».. إسرائيل تغيّب عائلة كاملة عن مائدة رمضان
«منذ اليوم الأول لشهر رمضان المبارك لهذا العام، يسود الحزن أركان منزلي، فمن سواه سيرافقني بعد غياب جميع أفراد عائلتي، لتتبدل أجواء الفرحة باستقبال الشهر الفضيل، بحسرة عارمة على ذكريات لم يتبق منها حتى القليل».
في بلدة برقين، غرب محافظة جنين بالضفة الغربية المحتلة، تُخط حكايات الألم يومياً، داخل منزل الأم الفلسطينية الخمسينية شادية غنيم (أم شادي)، التي تقضي شهر الرحمة والمغفرة وحيدة، دون زوجها وأولادها الأربعة، المحرومة منهم، نتيجة ممارسات الاحتلال، الذي غيّبهم قسراً عن مائدتها في شهر الصيام.
وقتلت إسرائيل في نهاية شهر يناير الماضي نجليها (نور - 21 عاماً)، و(محمد - 26 عاماً)، داخل مخيم جنين، إلى جانب ثمانية فلسطينيين آخرين، فيما أصيب ابنها (أحمد - 36 عاماً) بجراح بالغة، ليقضي حياته مطارداً لقوات جيش الاحتلال، بعد أن أصابته بنيران أسلحتها.
أما ابنها البكر (شادي - 38 عاماً) فقد اعتقله الاحتلال في فبراير الماضي، داخل سجن «مجدو» الإسرائيلي، لينضم إلى جانب والده (سامي)، الذي قضى خمس مرات أسيراً، تكبله الأصفاد خلف القضبان، آخرها في 17 من شهر يناير الماضي.
مرارة الفراق
من داخل منزلها في بلدة «برقين» الفلسطينية، حيث الفراق الموجع، إلى حد يصعب وصفه، تقول (أم شادي) لـ«الإمارات اليوم»، في حوار خاص: «إن رمضان هذا العام يمر علينا ونحن نشعر بالفقد، والنقص التام بعدد أفراد عائلتي، كيف لا وهناك خمسة أشخاص لن يشاركوننا الصلاة والدعاء».
وتضيف متسائلة بنبرة حزن شديد: «من سيملأ مقاعدهم الفارغة؟ ومن سيجلس إلى جانبي على مائدة الطعام؟ ليخبرني (شادي) برغبته في طهي طبق الملوخية في اليوم التالي، فيشاركه شقيقه (نور) الحديث مبتسماً: أنا الابن الأصغر، وأمي ستعد لي غداً (المقلوبة) التي أحبها».
وتكمل الأم المكلومة حديثها، بعيون دامعة: «إنني اليوم لا أشعر بلذة شهر رمضان، ولم أعد أتذوق طعماً للطعام، فجميع أصنافه باتت مرة بالنسبة لي، وكذلك التمر أيضاً». وتسترسل (أم شادي): «إن الذين كانوا يختارون وجباتهم المفضلة، لطهيها في جميع أيام رمضان، ودّعوا منزلي قسراً، لأحرم من سماع صوتهم على مائدة الإفطار، وهم يتسابقون للتعبير عن إعجابهم بالطعام، الذي أعده خصيصاً لهم».
ذكريات موجعة
تسترجع (أم شادي) ذكرياتها في شهر رمضان مع أفراد عائلتها، المغيب نصفهم خلف القضبان، والنصف الآخر ارتقى إلى عليين: «إن زوجي وأبنائي الأربعة كانوا يتسابقون لتعليق أحبال زينة رمضان داخل أرجاء منزلنا، لينشب شجاراً جميلاً في ما بينهم على طريقة تعليقها، واختيار المكان المناسب لها، وفي وقتي المغرب والسحور يجتمعون حول مائدتي فرحين، لنتبادل الضحكات، التي تغمر بيتي بسعادة مطلقة».
وتسرد (أم شادي) مزيداً من ذكرياتها مع أفراد عائلتها في شهر رمضان، خلال السنوات الماضية: «عند مغادرتهم المنزل وقت العصر إلى السوق يومياً، ينادوني جميعهم ما إن كنت بحاجة إلى بعض الطلبات، وفي صلاة التراويح يقبلون يدي عند الذهاب والعودة، لتتكرر أجواء الدفء العائلي وهم جميعاً بجانبي، زوجي، وأبنائي، لا يفارقون حياتي أبداً».
تصمت الأم المكلومة قليلاً، لتبكي، فتردد بصوت خافت مستدركة: «إنهم فارقوا حياتي جميعاً، (محمد) و(نور) انتقلا إلى حياة أخرى، لا رجعة فيها أبداً، و(شادي) ذهب إلى مكان بعيد برفقة والده (سامي)، و(أحمد) الله وحده يعلم مكانه». تحبس (أم شادي) دموعها، لتواصل قولها بينما تحتضن صور زوجها وأولادها: «أصبحت وحيدة في منزلي، وتبقت صورهم رفيقة وحدتي الموحشة، فلم يعد يتواجد أحدهم لحظة واحدة مطلقاً، لتغيب جميع مظاهر المناسبات داخل بيتي مبكراً، دون إشعار مسبق».
أم شادي:
«أصبحت وحيدة في منزلي.. وتبقت صورهم رفيقة وحدتي الموحشة».
«ابنائي الذين كانوا يختارون وجباتهم المفضلة في جميع أيام رمضان، ودّعوا منزلي قسراً، لأحرم من سماع صوتهم على مائدة الإفطار، وهم يتسابقون للتعبير عن إعجابهم بالطعام، الذي أعده خصيصاً لهم».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news