«روز اليوسف».. «مقاتلة» غيرت وجه الحياة الصحافية والسياسية والنسائية في مصر
احتفلت «ورشة الزيتون» بالقاهرة بالذكرى الـ65 للرائدة الصحافية والفنانة المسرحية فاطمة اليوسف (روز اليوسف)، في ندوة أقامتها ترافقاً مع حفل إفطار جماعي أقيم بالورشة، حضرها نخبة من المثقفين مع أفراد من عائلة فاطمة اليوسف، حيث أبرزت الندوة المحطات الرئيسة في حياة الرائدة الصحافية الراحلة، واجتذابها لأسماء صحافية كبيرة لعبت دوراً أساسياً في المشهد الثقافي المصري، كما تطرقت لدورها في دفع المرأة إلى مساحات أوسع في المجال العام، وطرحت سؤالين مهمين في حياة روز اليوسف، هما أسباب تجاهلها من قبل مؤرخي الصحافة والسياسة، وعدم اجتذابها لكاتبات نسويات في مشروعها الصحافي، توازياً مع اجتذابها لكتاب بارزين.
في بداية الندوة، استعرض الناقد شعبان يوسف سيرة حياة روز اليوسف، حيث أشار إلى أنها لبنانية الأصل، ولدت لأسرة مسلمة ثرية في طرابلس، هاجر والدها التاجر من لبنان إلى تركيا، وتركها في رعاية أسرة هناك، ثم سافرت مع صديق للأسرة، فانسلت منه أثناء السفر إلى الاسكندرية، وانجذبت إلى المسرح وهي في سن الـ14، حيث كانت تتسلل إلى الكواليس، فاكتشفها أستاذها الأول اسكندر فرح، وحاول تقديم فرصة لها، ثم التقاها الرائد المسرحي الكبير عزيز عيد، فتبناها، وأصبح بالنسبة لها «أباً روحياً»، وتزامن ذلك مع ولادة نهضة مسرحية في مصر، ظهر فيها قامات مثل علي الكسار، وجورج أبيض، ويوسف وهبة، وأصبحت من أعظم الفنانات المسرحيات وهي لاتزال في العشرينات.
انتقال
وأشار يوسف في عجالة إلى انتقال روز اليوسف من الفن إلى الصحافة، حيث أنشأت مجلة «روز اليوسف» عام 1925، التي مثلت حدثاً ثقافياً مهماً وقتها، وتحولت لاحقاً من مجلة فنية ثقافية إلى مجلة فنية سياسية، كما احتلت فاطمة اليوسف مكاناً رائداً في الصحافة بسبب قدراتها وجرأتها، سواء من حيث مبادرتها بصناعة منبر صحافي، اجتذبت فيه نخبة من أهم كتاب مصر في مطلع العشرينات، أو مخاطبتها كثيراً من الزعماء السياسيين، وتوجيه خطابات انتقادية لهم، مثل نجيب الهلالي، وزينب الوكيل، ومصطفى النحاس، أو دخولها معارك سياسية كبرى مع كيانات مثل حزب الوفد.
تهميش
ونوه يوسف إلى أن روز اليوسف عانت التهميش والاستبعاد، نظراً لأنها كانت ضد السلطان بكل أنواعه، السياسي والاجتماعي، وأورد واقعة طريفة، وهي رفض عباس العقاد العمل معها في البداية، بعد أن أرسلت إليه توفيق صليب، حيث نسب إلى العقاد قوله بعد هذه الواقعة أنه رفض «لأنه يرفض العمل تحت إمرة امرأة»، لكنه وفي ظل إصرارها، قبل في النهاية، فواجهته لحظتها بما نسب إليه، فنفى صحة ذلك.
تضحيات
وختم شعبان يوسف بأن «روز اليوسف، دفعت تضحيات هائلة في حياتها، إذ أفلست أكثر من مرة بسبب الصحافة، وانتقلت للسكنى من حي الزمالك الأرستقراطي إلى حي الزيتون».
بدورها، قالت الدكتورة عزة كامل إن «روز اليوسف لم يتم تهميشها من سجلات التاريخ الصحافي والثقافي فحسب، بل تم استبعادها من التاريخ النسوي، بمعنى أن هذا التاريخ لا يشمل فقط المدافعات التقليديات عن المرأة، بل يشمل أيضاً النساء اللواتي اقتحمن جوانب من المجال العام، التي كانت حكراً على الرجال، مثل الصحافة، التي قادت الرجال ووجهتهم إلى مزيد من التقدم».
وكانت أول امرأة تصدر مجلة فنية أسبوعية عام 1925، ثم تتحول إلى سياسية، ثم تصدر جريدة يومية باسم روز اليوسف أيضاً عام 1935، تقود فيها رجالاً بقامة محمد التابعي والعقاد، وتتبنى رسام كاريكاتير بقامة صاروخان الذي لم يكن يتكلم العربية، وتوجهه نحو الكاريكاتير السياسي، بل وتجتذب الصحافي والكاتب الموهوب أحمد بهاء الدين، لتقنعه بالعمل كصحافي في روز اليوسف، وتثنيه عن عزمه على الذهاب إلى باريس للحصول على الدكتوراه في القانون من السوربون، وليصبح لاحقاً من أهم كتاب الوطن، هذا علاوة على مبادرتها بإنشاء تجارب صحافية أخرى مثل «الصرخة» و«صباح الخير» و«مصر الحرة» و«الرقيب» و«صدى الحق».
طبيعة الدور
من جهتها، أثارت الكاتبة الصحافية إيمان رسلان في مطلع مداخلتها النقاش حول طبيعة الدور الصحافي لروز اليوسف.
وقالت رسلان إن «روز لم تكن أبداً صحافية، وإنما كانت تملي المقالات، وهذا ليس من عندي، إنما كلام أمدني به أكثر من مرة حفيدها، الكاتب الصحافي محمد عبدالقدوس»، وشددت رسلان على أن «دور روز كان منصباً على الإدارة الصحافية، وليس على الانخراط في التحرير الصحافي».
وقالت أن روز أنشأت الصحيفة لأنها رغبت في أن تحارب فساداً لمسته من وجهة نظرها في عالم الفن، كما أنها أحست بأن الفنانات والفنانين بحاجة إلى منبر للدفاع عنهم وعن قضاياهم.
الصندوق الأسود
من ناحيتها، قالت الناقدة والكاتبة د فاطمة الصعيدي إن «روز اليوسف تملك في صندوقها الأسود الكثير من الخبرات الإنسانية والصحافية والسياسية، وقد اختارت القالب المناسب لكتابتها لهذه الخبرات، حيث كانت بعنوان (ذكريات)، وهو عنوان يسمح بوصول هذه الذكريات على تنوعها دون احتياج للقالب أو القواعد التي يحتاجها أي شكل آخر».
الجدير بالإشارة، أن ملابسات رحيل الرائدة الصحافية روز اليوسف اتسمت بالغرابة، مثلما اتسمت محطات حياتها المختلفة، حيث كانت مع صديقتها تشاهد فيلماً في سينما ريفولي بالقاهرة، فقررت فجأة دعوة صديقتها للانصراف، لتعود هي إلى المنزل بمفردها، وترتدي ملابس النوم، وتدخل إلى سريرها لتموت بعد نصف ساعة، ليكتب أحمد بهاء الدين أن «موت روز يعبر عن إرادتها، لأنها قاومت الموت حتى تعود إلى منزلها».
انجذبت إلى المسرح وهي في سن الـ14، حيث كانت تتسلل إلى الكواليس، فاكتشفها أستاذها الأول اسكندر فرح وحاول تقديم فرصة لها.
روز اليوسف، دفعت تضحيات هائلة في حياتها، إذ أفلست أكثر من مرة بسبب الصحافة، وانتقلت للسكنى من حي الزمالك الأرستقراطي إلى حي الزيتون.