عادات أهل الصعيد والدلتا ضحية الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر
تداعيات الأزمة الاقتصادية في مصر، لم تقتصر على ارتفاع الأسعار ونسب الفائدة المصرفية
فحسب، بل امتدت لتقيد عادات راسخة لدى أهل الصعيد والدلتا.
تأتي على رأس هذه العادات التي بدأ يهجرها سكان الشمال والجنوب، احتفالات الزفاف وتحضيراته التي اعتاد الأغنياء والبسطاء في هذه المناطق الاحتفاء بها.
في محافظة المنوفية بدلتا النيل، اعتاد أهالي القرى الاحتفال بيوم «الحنّة»
(الحناء)، الذي يسبق حفل الزفاف، فيجمع من هو مقبل على الزواج في ذلك اليوم، أصدقاءه وأقاربه للاحتفال بالزواج، وينتهي بوضع الحناء على قدمي العريس وكفيه.
يقام يوم الحناء في سرادق مصنوع من الأقمشة الملونة تذبح فيه بقرة أو جاموس لإعداد الطعام، وتقديم المشروبات المتنوعة للحضور، ويتخلله كذلك إحضار فرقة فنية أو مكبرات صوت للغناء والرقص على أن يغطي العريس وأهله التكاليف.
اختفاء
إلا أن هذه العادة بدأت في الاختفاء على ما يقول المهندس الشاب محمد شديد، في بلدته قويسنا والقرى المحيطة.
ويوضح شديد «الاحتفال بيوم الحنّة قلّ للغاية.. كنا نرجع السبب إلى (كورونا) في بادئ الأمر، لكن بعدها اصطدم الناس بالظروف الاقتصادية».
يعاني الاقتصاد المصري في الفترة الأخيرة تداعيات جائحة كوفيد، فضلاً عن تأثير الحرب في أوكرانيا، إذ إن روسيا وأوكرانيا هما المصدر الرئيس الذي تستورد منه مصر القمح، وهما مصدر أساسي للسياح الذين يزورون بلاد النيل.
ويعاني المصريون تضخماً نسبته 33.9%، يفاقمه تراجع متواصل في سعر صرف الجنيه الذي فقد 50% من قيمته.
منذ عام 2017، حصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي لمواجهة النقص في الدولار ودعم الموازنة، ولكن لاتزال مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.
خاتم صغير
في النوبة في أقصى جنوب البلاد، يقول عمر مغربي، مدرس اللغة النوبية، البالغ من العمر 43 عاماً، لوكالة فرانس برس «بسبب الغلاء لم تعد أفراحنا أو تعازينا كما كانت».
ويتابع «الحالة أصبحت صعبة، والبيوت الآن تحتاج ما كنا ننفقه من قبل على عاداتنا».
كانت حفلات زفاف النوبيين تمتد على ثلاثة أيام، بل على أسبوع عند الأغنياء، على ما يفيد مغربي، مع دعوة كل أبناء القرية «مع تقديم وجبات الفطور والغداء والعشاء لهم على طول المدة المحددة بأكملها».
لكن ارتفاع تكاليف حفلات الزفاف العائد إلى انخفاض سعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار، وكذلك أسعار المواد الغذائية في بلد يستورد معظم احتياجاته الغذائية، جعل التمسك بهذه العادة صعباً.
ويضيف مغربي «قبل بضعة أشهر اتفقت القرى النوبية على تخفيض نفقات الأفراح.. بات الزفاف يقتصر الآن على وجبة عشاء خفيفة».
وأضاف «حتى الذهب.. عندما كان السعر في المتناول، كان العريس مطالباً بوزن معين، أما الآن فقد ينتهي الأمر بخاتم صغير».
كذلك نشرت دار الإفتاء المصرية على موقعها الرسمي قبل فترة قصيرة، فتوى تفيد بأنه يمكن استبدال الحلي المصنوعة من الذهب بأخرى أقل ثمناً من الفضة «تيسيراً لأمر الزواج وترغيباً فيه».
جنازة فقط
ويؤكد البرلماني السابق محمد رفعت عبدالعال، لوكالة فرانس برس، من قريته العضّاضية، في محافظة قنا بجنوب البلاد، عبر الهاتف «اعتاد الجميع في القرية أثناء المآتم إخراج صواني الطعام لمواساة أسرة المتوفى»، قبل الظروف الاقتصادية القاسية.
أما الآن «فقد أصبح الأمر قاصراً على أفراد العائلة المقربين من أسرة المتوفى»، على ما يقول عبدالعال، الطبيب البالغ من العمر 68 عاماً، ويضيف «تقترح عائلات أن يقتصر العزاء على الجنازة لتجنب التكاليف».
وتفيد الإحصاءات الرسمية أن الفقراء يمثلون نحو 30% من مجمل عدد السكان البالغ زهاء 105 ملايين نسمة.
الخبز المنزلي
وفيما خفض الجميع استهلاك اللحوم والدجاج والحلويات في المناسبات الكبرى، لايزال الخبز منتشراً.
لكن ارتفاع أسعار سلع مثل الدقيق والزيت أدى إلى تضاؤل عادة مهمة وحيوية في قرى الصعيد، وهي تحضير الخبز في المنازل على ما يفيد عبدالعال.
فقد أدى الإبقاء على الدعم في مخابز الدولة إلى الإقبال على شراء الخبز منها.
ويوضح «كان من العار على أهل القرى في الصعيد في الماضي، أن يشتروا خبزاً من الطابونة (المخبز)، لأن ذلك يشير إلى التراخي والكسل داخل المنزل».
وتابع «الآن الجميع يتسابق إلى الطابونة لانخفاض ثمن الخبز بها، وسرعة تجهيزه».
قبل بضعة أشهر اتفقت القرى النوبية على تخفيض نفقات الأفراح، وبات الزفاف يقتصر الآن على وجبة عشاء خفيفة.
منذ عام 2017، حصلت مصر على أربعة قروض من صندوق النقد الدولي، لمواجهة النقص في الدولار، ودعم الموازنة، ولكن لاتزال مؤشرات التعافي من الأزمة الاقتصادية سلبية.
ارتفاع تكاليف حفلات الزفاف العائد إلى انخفاض سعر صرف الجنيه المصري في مقابل الدولار، وكذلك أسعار المواد الغذائية في بلد يستورد معظم احتياجاته الغذائية، جعل التمسك بالعادات صعباً.