التسريب الأخير للوثائق السرية يختلف عن الانتهاكات السابقة
تبدو الوثائق التي تم تسريبها حديثاً حول الحرب في أوكرانيا مختلفة تماماً. والبيانات التي تم الكشف عنها، حتى الآن، أقل شمولاً من تلك المحفوظات السرية الضخمة، ولكنها تأتي في الوقت المناسب. كما أن الانتشار الفوري للمعلومات الاستخباراتية هو ما يقلق مسؤولي البيت الأبيض والبنتاغون.
وتم الكشف عن بعض المواد الأكثر حساسية، بما في ذلك خرائط الدفاعات الجوية الأوكرانية، والخطط السرية لكوريا الجنوبية لتقديم 330 ألف قطعة ذخيرة، التي تشتد الحاجة إليها، في الوقت المناسب للهجوم المضاد في أوكرانيا، وكل ذلك في وثائق يبدو أن عمرها بالكاد 40 يوماً.
ويقول مسؤولو الإدارة الأميركية إن حداثة الوثائق «السرية» و«السرية للغاية»، والتلميحات التي تحملها للعمليات المقبلة، تجعل هذه الإفصاحات ضارة بشكل خاص. وقالت المتحدثة باسم «البنتاغون»، سابرينا سينغ، إن «المسؤولين الأميركيين أبلغوا الكونغرس بالتسريب، وأحالوا الأمر إلى وزارة العدل التي فتحت تحقيقاً».
لا لبس
لا تترك الصفحات، التي تزيد على 100 صفحة من الشرائح والوثائق الموجزة، أي شك حول مدى تورط الولايات المتحدة في إدارة الحرب اليومية، ما يوفر المعلومات الاستخبارية الدقيقة والدعم اللوجستي، اللذين يساعدان في تفسير نجاح أوكرانيا حتى الآن. وبينما منع الرئيس جو بايدن القوات الأميركية من إطلاق النار مباشرة على أهداف روسية، ومنع إرسال أسلحة يمكن أن تنال عمق الأراضي الروسية، توضح الوثائق أنه بعد مرور عام على الحرب، كانت الولايات المتحدة مشاركة بشدة في كل شيء آخر تقريباً.
الوثائق المسربة حديثاً توفر بيانات مفصّلة، بما في ذلك توريد الأسلحة للأوكرانيين. وكما توضح وثيقة بتاريخ 22 فبراير، فإن المسؤولين الأميركيين يخططون لمرحلة تكون فيها معركة دونباس «تتجه على الأرجح نحو طريق مسدود»، من شأنه أن يحبط هدف فلاديمير بوتين في الاستيلاء على المنطقة، وهدف أوكرانيا المتمثل في طرد الغزاة.
لخص أحد كبار مسؤولي المخابرات الغربية التسريبات بأنها «كابوس». من جهته، قال رئيس شركة «سيلفرادو بوليسي أكسيليورر»، ديمتري ألبيروفيتش، المولود في روسيا، والذي اشتهر بعمله الرائد في مجال الأمن السيبراني، إنه يخشى أن «تستخدم التسريبات بطرق ضارة». وقال إن «ذلك يشمل احتمال أن تكون المخابرات الروسية قادرة على استخدام الوثائق، المنتشرة عبر (تويتر) و(تليغرام)، لمعرفة كيف تجمع الولايات المتحدة المعلومات حول خطط جهاز المخابرات العسكرية الروسية، وتحركات الوحدات العسكرية».
لمحة موجزة
في الواقع، الوثائق التي تم إصدارها حتى الآن هي لمحة موجزة عن نظرة الولايات المتحدة إلى الحرب في أوكرانيا. ويبدو أن العديد من الصفحات تأتي مباشرة من الإحاطة المتداولة بين رؤساء الأركان المشتركة، وفي بعض الحالات تحديثات من مركز عمليات وكالة المخابرات المركزية.
وفي وثيقة من وكالة الاستخبارات المركزية، تمت الإشارة إلى مجموعة قراصنة مؤيدة لروسيا نجحت في اختراق شبكة توزيع الغاز الكندية وكانت «تتلقى تعليمات من مسؤول في الأمن الفيدرالي الروسي للحفاظ على الوصول إلى الشبكة والبنية التحتية للغاز الكندي، وانتظار المزيد من التعليمات».
ولا يوجد دليل، حتى الآن، على أن جهات فاعلة روسية بدأت هجوماً مدمراً، لكن كان هذا هو الخوف الصريح الذي عبّرت عنه الوثيقة.
ولأن مثل هذه التحذيرات حساسة للغاية، فإن العديد من الوثائق «السرية للغاية» تقتصر على المسؤولين الأميركيين أو على «العيون الخمس» تحالف الاستخبارات للولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا ونيوزيلندا وكندا. وهذه المجموعة لديها اتفاق غير رسمي على عدم التجسس على الأعضاء الآخرين. ولكن من الواضح أنها لا تنطبق على الحلفاء والشركاء الأميركيين الآخرين. وهناك أدلة على أن الولايات المتحدة قد تنصتت على المحادثات الداخلية للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ومحادثات حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة، مثل كوريا الجنوبية.
مساعدات فتاكة
في رسالة تذكر كثيراً بتسريبات «ويكيليكس»، لعام 2010، تصف إحدى الوثائق التي تستند إلى ما يشار إليه بدقة باسم «استخبارات الإشارات»، النقاش الداخلي في سيؤول، حول كيفية التعامل مع الضغط الأميركي لإرسال المزيد من المساعدات الفتاكة إلى أوكرانيا، والتي من شأنها أن تنتهك ممارسة الدولة المتمثلة في عدم إرسال أسلحة مباشرة إلى منطقة حرب. وذكرت الوثيقة أن رئيس كوريا الجنوبية، يون سوك يول، كان قلقاً من أن بايدن قد يضغط عليه من أجل مساهمة أكبر للجيش الأوكراني.
إنه موضوع حساس للغاية بالنسبة للمسؤولين الكوريين الجنوبيين. وخلال زيارة أخيرة إلى سيؤول، قبل ظهور الوثائق المسربة، تجنب المسؤولون الحكوميون أسئلة أحد المراسلين حول ما إذا كانوا يخططون لإرسال قذائف مدفعية من عيار 155 ملليمتراً، والتي ينتجونها بكميات كبيرة، للمساعدة في المجهود الحربي. وقال أحد المسؤولين إن كوريا الجنوبية لا تريد انتهاك سياساتها أو المخاطرة بعلاقتها الحساسة مع موسكو.
ضرر دائم
والآن شاهد العالم «الجدول الزمني» لتسليم «البنتاغون» للشحنات من تلك القذائف، إلى جانب تقديرات كلفة الشحنات البالغة 26 مليون دولار. ومع كل إفشاء للوثائق السرية، بالطبع، هناك مخاوف من حدوث ضرر دائم، وأحياناً مبالغ فيه. وحدث ذلك في عام 2010، عندما بدأت صحيفة «نيويورك تايمز» في نشر سلسلة بعنوان «أسرار الدولة»، تعرض بالتفصيل وتحلل وثائق مختارة من مجموعة المراسلات، التي أخذها تشيلسي مانينغ، الذي كان وقتها جندياً في العراق. وبعد نشر مؤسس «ويكيليكس»، جوليان أسانغ، الوثائق الأولى، أعربت وزيرة الخارجية، آنذاك، هيلاري كلينتون، عن مخاوفها من ألا يتحدث أحد مع الدبلوماسيين الأميركيين مرة أخرى.
وقالت كلينتون للصحافيين: «إضافة إلى تعريض أفراد معينين للخطر، فإن تسريبات كهذه تمزق نسيج الوظيفة للجهة المسؤولة». وبالطبع، استمر الدبلوماسيون الأميركيون في الحديث، على الرغم من أن العديد من المسؤولين الأجانب قالوا إنهم عندما يتحدثون اليوم، فإنهم يتوقعون أن يتم نشر ما يقولون في البرقيات التي تتسرب في المستقبل.
عندما سرب، إدوارد سنودن، كميات هائلة من البيانات من وكالة الأمن القومي، كان هناك خوف مماثل من الانتكاسات في جمع المعلومات الاستخباراتية. وأمضت الوكالة سنوات في تغيير البرامج، بكلفة مئات الملايين من الدولارات، ويقول المسؤولون إنهم ما زالوا يراقبون الأضرار، الآن، بعد عقد من الزمن. وفي سبتمبر، منح الرئيس الروسي، سنودن، وهو مقاول استخباراتي منخفض المستوى، الجنسية الروسية، ولاتزال الولايات المتحدة تسعى إلى إعادته لمواجهة التهم.
تجاوزات
ولكن كل من مانينغ وسنودن قالا إن الدافع هو الرغبة في الكشف عما اعتبروه تجاوزات من قبل الولايات المتحدة. وقال ألبيروفيتش: «هذه المرة لا يبدو الأمر أيديولوجياً». وكان أول ظهور لبعض الوثائق قد حدث على منصّات الألعاب. وقال ألبيروفيتش: «فكر في ذلك.. معركة على الإنترنت تنتهي بكارثة استخباراتية هائلة».
عندما سرب إدوارد سنودن كميات هائلة من البيانات من وكالة الأمن القومي، كان هناك خوف مماثل من الانتكاسات في جمع المعلومات الاستخباراتية.
100
صفحة من الشرائح والوثائق الموجزة تم تسريبها على الإنترنت.
العديد من الصفحات تأتي مباشرة من الإحاطة المتداولة بين رؤساء الأركان المشتركة، وفي بعض الحالات تحديثات من مركز عمليات وكالة المخابرات المركزية.
هناك أدلة على أن الولايات المتحدة قد تنصتت على المحادثات الداخلية للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، ومحادثات حتى أقرب حلفاء الولايات المتحدة، مثل كوريا الجنوبية.