نزار الدباس نزح من مخيم اليرموك ليحافظ على عمله منذ 36 عاماً

المسحراتي في غزة بـ «اللكنة الشامية»

صورة

انطلاقاً من مخيم اليرموك في الأراضي السورية، وصولاً إلى قطاع غزة المحاصر، لم يكف اللاجئ السوري من أصول فلسطينية، نزار الدباس، عن إيقاظ الناس وقت السحور، باللكنة والطريقة «الشامية»، محافظاً على مشوار بدأه منذ 36 عاماً.

ترانيم

وداخل مدينة خان يونس الأكبر مساحة بين مدن القطاع، يجوب الدباس، البالغ من العمر 51 عاماً، مناطق عدة، يصدح بصوته الذي ألفه السكان ترانيم جمة، رافقت رحلة تهجيره من الأراضي السورية إلى مستقر لجوئه في غزة.

إحياء مظاهر التراث

مع ساعات الفجر الأولى، التقت «الإمارات اليوم» المُسحر نزار الدباس، تزامناً مع مغادرته منزله في حي «قيزان النجار» في خان يونس، مرتدياً الزي السوري المرصع بخيوط التراث القديم، والكوفية الفلسطينية، وطربوشاً أحمر يلزم رأسه، ليتنقل على مدار ساعة كاملة داخل الحي الذي يقطنه.

وأثناء ذلك، يقرع اللاجئ السوري بعصا خشبية رقيقة على طبلته، مردداً باللكنة السورية الخالصة عبارات المديح التراثية، وأهازيج شعبية، دمج خلالها بين اللونين الفلسطيني والسوري.

الظروف واحدة

ويقول الدباس فور انتهاء مهمته في إيقاظ الفلسطينيين خلال ليالي الشهر الفضيل، إن

«الحياة في غزة تشبه تلك التي عشتها في مخيم اليرموك، من حيث البيوت المتلاصقة، والمساجد المنتشرة بكم لا حصر له، وهذا ما دفعني لأكمل وجه التشابه باستكمال مشوار المسحراتي، الذي ابتدأ من حارات الشام، وانتقل إلى أزقة غزة المحاصرة».

ويسترسل «إنه من خلال مواصلة مهمة المسحراتي، التي تتصدر قائمة أجواء شهر الصيام، حافظت على إحياء التراث السوري الحضاري، ونقلته بحذافيره إلى غزة، ومن مظاهر ذلك، إلى جانب إنشاد المديح، والأهازيج الشعبية، مواصلة ارتداء زي أهل الشام».

ويشير المُسحر السوري إلى أن استمرار مشوار عمله في مهنة المسحراتي، نثر الفرحة داخل كل بقعة جالها، رغم تطور تقنية التكنولوجيا، وانتشارها بين الناس، الذين يعتمدون على منبهات الهواتف النقالة.

مشوار الطفولة

في عام 1997، نزح الدباس من مخيم اليرموك السوري إلى غزة، برفقة أسرته، ليستقر في حي «قيزان النجار» بمدينة خان يونس، فيواصل رحلته مع التسحير، منذ وصوله القطاع حتى اليوم، لتتكون حكاية أخرى، أبطالها هو وسكان خان يونس الذين عشقوا صوته، وألفوا مشهده الذي يجسد مشاهد التراث القديم على مر الأزمنة والعصور.

ويقول اللاجئ السوري «إن التسحير في شهر رمضان رافقني منذ نعومة أظفاري، حيث كنت أستيقظ على صوت الطبلة والمديح في ليالي رمضان، وهو ما يمنح رمضان بهجة منقطعة النظير».

ويمضي الدباس بالقول إن «مشواري في التسحير بدأته في سن الـ15 عاماً من عمري، حيث عملت إلى جانب شقيقي، عندما انتقلنا للعيش في مخيم اليرموك، ومازلنا نواصل حكاية المسحراتي، أنا في غزة، وشقيقي لم يغادر صوته بلاد الشام».

ولا يتحصل نزار على أي عائد مادي مقابل عمله مُسحراً، إذ يقول إن ذلك «ابتغاء لمرضاة الله، والظفر بثوابه، إحياء لسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبارك، وهو الذي دعا بالبركة للمتسحرين».

بين الناس

«اصحا يا نايم، وحد الدايم، وقول نويت، بكره إن حييت»، «الشهر صايم، والفجر قايم، اصحا يا نايم، وحد الرزاق، رمضان كريم»، «اصحا يا نايم وحد الدايم، السعي للصوم خير من النوم»، «أفلح من قال لا إله إلا الله وصلى على رسول الله»، طوال رمضان يشدو الدباس عباراته باللكنة السورية الخالصة، لتستقر في قلوب الفلسطينيين دون سابق استئذان.

ويقول المُسحر السوري «إنني أصبحت هنا في خان يونس أحد مظاهر أجواء الشهر الفضيل بالنسبة للسكان، فأجد الناس على الأبواب بعد مناداتي على كل واحد منهم للاستيقاظ، والتسحر، أما الأطفال فلهم حكاية جميلة، فمنهم من يقف على شرفات منازلهم لاستقبالي، والفرحة تغمرهم، أو الذين ينتظرون قدومي على أبوابهم لمشاهدتي، ومنهم من يرافقني مردداً بعض عبارات المديح والأهازيج الشعبية».

ويبين الدباس أن من أسباب انتشار علاقة الألفة والمحبة وسط سكان غزة، حفاظه على التراث الشامي، وحديثه باللكنة السورية، مصيفاً «إنه حتى اللحظة مازال الناس ينادونني بالسوري، رغم استقراري بينهم على مدار السنوات الطويلة».

وكما نثر أجواء البهجة على وجوه الفلسطينيين في غزة، طوال شهر رمضان، خلال السنوات المتتابعة، محافظاً على إرث تاريخي، يمني الخمسيني نزار نفسه بزيارة مدينة القدس الشريف، ليجوب حاراتها القديمة، وأزقتها العتيقة، طوال الليالي الرمضانية، بعيداً عن مشاهد الاحتلال التي نشرت ممارساتها التعسفية في كل شبر داخل المدينة المقدسة.

• استمرار مشوار دباس في مهنة المسحراتي نثر الفرحة داخل كل بقعة جالها، رغم تطور تقنية التكنولوجيا، وانتشارها بين الناس، الذين يعتمدون على منبهات الهواتف النقالة.

تويتر