حرب المعلومة في السودان
لم تشهد حرب حول المعلومة في الحقبة الأخيرة، بقدر ما شهدته الحرب الجارية في السودان بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، إلى الحد الذي وصفت فيه «قناة العربية» ما يجري في الساعات الأولى للمعركة بأنه «حرب البيانات».
شملت حرب المعلومة والرواية، كل شيء تقريباً، تحديد مكان وجود وسيطرة كل طرف في كل من مبنى القصر الجمهوري والقيادة العامة والتلفزيون الرسمي، ومطار الخرطوم ومطار مروي، إلى أصغر مكان في الخرطوم بحري وأم درمان، حتى كاد المشاهد من بعيد يصل إلى نتيجة صفرية إذا وضع البيانات الصادرة من الطرفين إلى جانب بعضها بعضاً.
في الساعات الأولى للمعارك، على سبيل المثال، قالت قوات الدعم السريع، طبقاً لبياناتها، إنها «سيطرت على مقر القوات البرية وبرج وزارة الدفاع والقصر الجمهوري ورئاسات الفرق العسكرية بدارفور، و200 دبابة»، وقال بيان الجيش السوداني في رد فوري إن «بيان الدعم السريع مليء بالأكاذيب، وإن قواته لم تدخل وزارة الدفاع، ولم تسيطر على مقر الجوية، ولم تستول على دبابات، ولم تسقط طائرات».
اللافت أن هذه البيانات، لم تكتف ببث رواياتها عن الوضع الميداني واللوجستي، بل دخلت رأساً على شخوص قائدي معسكر الحرب، فصدر تصريح حول حصار منزل البرهان، تبين لاحقاً أنه شروع في هجوم، بينما صدر بيان من الجيش أعلن فيه هروب حميدتي من مخبئه مع طاقم حراسته، وهي رواية ثبت عدم صحتها بظهور حميدتي لاحقاً.
وقد صعب من مهمة العثور على الحقيقة، إضافة لذلك، وجود تزوير متعمد على مواقع التواصل، منها كما رصدت منصة «ميزان برس» صورة قيل إنها لغارة جوية على الشمالية، وفيديو للبرهان كتب تحته أنه يتفقد قواته في أول يوم معارك، تبين أنه منشور قبل المعارك بيومين، وصورة لعناصر الجيش في المطار، ثبت أنها قديمة وغير ذلك.
هناك أيضاً عنصر ثالث إضافة لـ«اختفاء الحقيقة» يتعلق بغياب الخط الفاصل بين «المعلومة» و«الرأي».
فأسراب المحللين الذين زحفوا على الشاشات هم «مسيسون حتى النخاع»، بحسب صحافي سوداني طالب الناس بالحذر، وهذا طبيعي في بلد يشهد صراعاً سياسياً حاداً منذ خمس سنوات، وهو صراع لم يكن بين كتل المكون العسكري، كما ظهر في نسخته الأخيرة، وإنما بين العسكري والعسكري، والمدني والعسكري، والمدني والمدني، والحرية والتغيير (المركزي ) والحرية والتغيير (الديمقراطي ) وأنصار ديسمبر، وخصومهم.
فإذا أضفنا لهذا كله، مشاكل جوهرية ومزمنة عاني منها الإعلام السوداني منذ 1989، وخطط لمواجهتها في مؤتمر شامل هو «مؤتمر الخرطوم الدولي الأول للصحافة والإعلام» والذي كانت أهم استراتيجياته، مكافحة التضليل الإعلامي، أدركنا مدى تعقيد الصورة.
• كاد المشاهد من بعيد يصل إلى نتيجة صفرية، إذا وضع البيانات الصادرة من الطرفين إلى جانب بعضها بعضاً.