كيف انفجر الصراع الحالي في السودان وإلى أين يتجه التصعيد
قتل نحو 100 مدني وأصيب المئات بجروح نتيجة المعارك الدامية المتواصلة في السودان بين الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، والتي تهزّ أرجاء البلاد منذ السبت الماضي.
على مدار الأشهر الماضية، تابع 45 مليون سوداني بقلق المواجهة السياسية بين البرهان، قائد الجيش ورئيس مجلس السيادة، ونائبه دقلو المعروف بـ«حميدتي».
وانفجر الصراع السبت على شكل مواجهات مسلحة عنيفة في الخرطوم ومدن أخرى، ودوّت أصوات الانفجارات وإطلاق النار الكثيف بين أفراد القوتين العسكريتين، وطالت مدنيين وقطعت طرقاً، وحبست السكان في منازلهم. كما شوهدت طائرات مقاتلة تقصف مواقع مختلفة.
وبين القتلى، ثلاثة عاملين في برنامج الأغذية العالمي في إقليم دارفور بغرب السودان، بحسب ما أعلن الممثل الخاص للأمم المتحدة في السودان، فولكر بيرثيس، الذي «دان بشدة الهجوم على موظفي الأمم المتحدة» ومنشآت المنظمات الإنسانية في دارفور. ودفع ذلك برنامج الأغذية العالمي إلى تعليق عمله في السودان بسبب الأوضاع الراهنة.
اتهامات متبادلة
ويتبادل البرهان وحميدتي الاتهامات ببدء القتال، ويزعم كلاهما السيطرة على مواقع رئيسة في العاصمة ومدن أخرى، إلا أنه يتعذّر التحقق من ذلك بشكل مستقل.
انفجار الصراع
في أكتوبر 2021، تمت إزاحة المدنيين الذين كانوا يتقاسمون السلطة مع العسكر لإدارة مرحلة انتقالية، تمّ الاتفاق عليها بعد فترة من الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير عام 2019.
وتولّى البرهان رئاسة مجلس السيادة الحاكم، وكان دقلو نائباً له في مشهد وصفه الباحث المستقل، حامد خلف الله، لوكالة «فرانس برس» بأنه لم يكن سوى «زواج مصلحة».
وتابع خلف الله: «لم يكن تحالفاً أو شراكة حقيقية. تعيّن عليهما ربط مصالحهما معاً لمواجهة المدنيين كجبهة عسكرية موحدة».
وعلى الرغم من ذلك، لم يدم التفاهم طويلاً، إذ وصف حميدتي في فبراير إزاحة البرهان للمدنيين بأنه «خطأ»، و«فتح الباب أمام عودة النظام القديم»، في إشارة الى أنصار عمر البشير.
وأتت هذه التصريحات بعد شهرين من توقيع البرهان وحميدتي على «اتفاق إطاري» ضمّ أطرافاً مدنية تشمل قوى «الحرية والتغيير»، التي قادت الاحتجاجات ضد البشير، كخطوة أولى في عملية سياسية كانت تهدف إلى إنهاء الأزمة السياسية التي نتجت عن إزاحة المدنيين عن السلطة.
ووضع الاتفاق مبادئ توجيهية لعملية انتقالية من دون أي جداول زمنية، ما دفع منتقديه إلى وصفه بأنه «غامض».
وتعهّد المسؤولان العسكريان في الاتفاق بالخروج من السياسة بمجرد تكوين حكومة مدنية.
توسيع الشقاق
إلا أن الاتفاق السياسي اصطدم بعقبة أسهمت في توسيع الشقاق بين البرهان ودقلو، وهي مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
وترى المحللة، خلود خير، أن هذا «الاتفاق الإطاري زاد من التوتر بين البرهان وحميدتي»، مشيرة إلى أنه «دفع حميدتي إلى منصب مساوٍ للبرهان، بعد أن كان نائبه».
ويقول مسؤول منطقة القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، آلان بوزويل، إن «دقلو رأى في (الاتفاق الإطاري) فرصة ليكون أكثر استقلالية عن الجيش، ويحقّق طموحاته السياسية الواسعة، التي تتجاوز الاستجابة لسلسلة الأوامر العسكرية المعتادة».
وتقول خير، التي تعمل لدى مؤسسة مركز «كونفلونس ادفايزوري» للاستشارات في الخرطوم، إن «هذا التحول في السلطة هو سبب انتهاء المحادثات حول إصلاحات قطاع الأمن، ودمج قوات الدعم السريع، ما أفضى إلى نزاع مسلح بدلاً من نقاش ساخن حول الطاولة».
قوات الدعم السريع
تأسست قوات الدعم السريع عام 2013 من رحم «ميليشيا الجنجويد» في إقليم دارفور، وعُرفت بمواجهتها تمرّد القبائل غير العربية الذي اندلع احتجاجاً على تهميش الإقليم اقتصادياً في عهد البشير.
واتُهم عناصر الجنجويد بتنفيذ انتهاكات في دارفور، وصفها البعض بجرائم حرب.
كما وجّهت المحكمة الجنائية الدولية اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وإبادة في دارفور ضد البشير.
في عام 2015، أفادت أنباء أنه تم نشر أفراد من قوات الدعم السريع في اليمن كجزء من تحالف دعماً للحكومة اليمنية ضد الحوثيين، ما عزّز صورة دقلو في المنطقة.
بعد الإطاحة بالبشير، اتُهمت قوات الدعم السريع بارتكاب مزيد من الجرائم، إذ كانت جزءاً من الحملة الأمنية التي فرقت المعتصمين المدنيين في الاعتصام قرب مقرّ القيادة العامة للجيش في الخرطوم في يونيو 2019، للمطالبة بحكم مدني، وقُتل خلالها 128 شخصاً على الأقل.
ويقول بوزويل لـ«فرانس برس»: «قوات الدعم السريع استمرت في النمو منذ 2019»، ما يجعل تخلي حميدتي عن السلطة أمراً مستبعداً إلى حد بعيد.
صراع وجودي
يرى بوزويل أن ما يحدث هو «صراع وجودي على السلطة من الجانبين». بينما تستبعد خير «أن يجلسا على طاولة المفاوضات من دون أن يتكبّد أحدهما أو كلاهما خسائر فادحة».
وتضيف أنه «كلما طالت المعركة في شوارع المدن، سيرتفع عدد القتلى المدنيين، وستتراكم الخسائر المادية وسيخسران كذلك شعبيتهما، لأن السودانيين لن ينسوا حرب الشوارع وقتلاهم المدنيين».
ويقول بوزويل: «المعسكران قويان والحرب بينهما ستكون مكلفة جداً ودامية وطويلة.. وحتى إذا حقق أي من الطرفين انتصاراً جزئياً في الخرطوم، ستستمر الحرب في سائر أنحاء البلاد، وهذا سيقسم السودان إلى معاقل متنافسة».
ويضيف: «نحن بالفعل نشهد أسوأ السيناريوهات، والوضع يتجه نحو أحداث أكثر مأساوية، مع تداعيات محتملة على المنطقة بأسرها».
• «الاتفاق الإطاري» وضع مبادئ توجيهية لعملية انتقالية من دون أي جداول زمنية، ما دفع منتقديه إلى وصفه بأنه «غامض».
• الاتفاق السياسي اصطدم بعقبة أسهمت في توسيع الشقاق بين البرهان ودقلو، وهي مسألة دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي.
مسؤول منطقة القرن الإفريقي في مجموعة الأزمات الدولية، آلان بوزويل:
• «دقلو رأى في (الاتفاق الإطاري) فرصة ليكون أكثر استقلالية عن الجيش، ويحقق طموحاته السياسية الواسعة، التي تتجاوز الاستجابة لسلسلة الأوامر العسكرية المعتادة».