أوروبا تتعثر أمام تصاعد الهجرة من الشرق الأوسط وإفريقيا
عندما تحطم قارب يدعى «سمر لوف» وهو مركب شراعي، على حافة رملية كان على بعد نحو 100 متر من أحد شواطئ منتجعات جنوب إيطاليا القريبة، بحيث إنه كان بإمكان المهاجرين على متن القارب الصراخ وطلب النجدة، لو كان هناك من يسمعهم. ولكن الوقت كان مبكراً حيث كانت الساعة الرابعة صباحاً، وقامت الأمواج المتقلبة بدفعهم بعيداً عن الشاطئ، ولم يكن العديد من هؤلاء المهاجرين وهم من أفغانستان وسورية وأماكن أخرى، يستطيعون السباحة.
وعندما قام حرس السواحل الإيطالية بإنقاذ مركب آخر وصل بعد ثلاث ساعات من تحطم هذا القارب، كان نصف ركاب هذا القارب والبالغ عددهم 200 شخص قد غرقوا بمن فيهم 34 طفلاً.
سياسة متماسكة
ووقع هذا الحادث في 26 فبراير الماضي، ويمثل أحد أسوأ الكوارث البحرية لهذا العام وسط تصاعد كبير لقدوم المهاجرين من إفريقيا والشرق الأوسط اليائسين من أجل الوصول إلى الأراضي الأوروبية.
وسلط هذا الحادث الضوء على الموقف الخاطئ وغير الإنساني لهذه الأزمة. وبدون سياسة متماسكة ومنسقة وتتسم بالرحمة، ستكون النتائج مزيداً من الجثث التي ستطفوا على الشاطئ.
وينذر قدوم المركب «سمر لوف» الذي انطلق من تركيا، الحكومة الإيطالية وهي الوجهة الرئيسة بالنسبة للمهاجرين، بأن هناك مئات الآلاف من المهاجرين يخططون للقيام بمثل هذه الرحلة الخطرة بالنظر إلى تحسن ظروف المناخ هذا الربيع والصيف المقبل.
مزيد من الضحايا
وأدى تزايد أعداد المهاجرين في البحر إلى مزيد من الضحايا تحت مياه البحر الأبيض المتوسط، إذ إن نحو 500 مهاجر متجهين إلى أوروبا قضوا نحبهم هذا العام، وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة، ونحو 30 ألفاً آخرين وصلوا إلى إيطاليا، وهو ما يعادل أربعة أضعاف العدد الذي وصل إلى إيطاليا في مثل هذه الفترة من العام الماضي. وفي غضون أربعة أيام، كان آخرها في 10 أبريل الجاري، قالت السلطات الإيطالية إنها قامت بعمليات الإنقاذ لنحو 3000 مهاجر على متن قوارب واقعة في متاعب.
وفي الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة الإيطالية حالة طوارئ وطنية لمدة ستة أشهر، لمعالجة الأزمة. وقال وزير الحماية المدنية وسياسات البحر نيلو موسوميسي «لنكن واضحين، هذا لن يحل الأزمة، التي يرتبط حلها بالتدخل الواعي والمسؤول للاتحاد الأوروبي».
الجميع يريد ألمانيا والمملكة المتحدة
واستناداً إلى من وصل سابقاً من المهاجرين، نستطيع الافتراض بأن معظم هؤلاء يأملون الوصول إلى المملكة المتحدة أو إلى ألمانيا، على الرغم من أن كلا البلدين ترفض استقبالهم مع أنهما تعانيان من ضيق أسواق العمل. وهذه العدوانية تشكل جزءاً من انعدام التنسيق في الرد الأوروبي على الأزمة.
ويرجع تزايد هؤلاء المهاجرين نتيجة الأوضاع الاقتصادية في بلادهم وهي الناجمة عن أسباب عدة. فقد جاءت الحرب الأوكرانية، في أعقاب التدهور الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا، حيث حدث تضخم في أسعار النفط، والمواد الغذائية والسلع الأخرى، ما أسفر عن تدهور ظروف المعيشة في دول جنوب الصحراء الإفريقية، وهي سيئة في الأصل. وقام سكان هذه الدول بالتوجه إلى دول شمال إفريقيا وأولاً إلى ليبيا، وأخيراً إلى تونس، التي شعر سكانها بالضجر منهم نتيجة سوء الأوضاع الاقتصادية لديهم في الأصل. وهذا ما دفع هؤلاء المهاجرين إلى جانب سكان الدولة وهم التونسيون إلى ركوب البحر بحثاً عن فرص أفضل.
تعهدات ميلوني
وبالنظر إلى الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها تونس، توقعت إيطاليا أن يحاول نحو 900 ألف مهاجر الإبحار نحو أوروبا. وحتى رئيسة الحكومة الإيطالية اليمينية، جورجيا ميلوني، التي تعهدت خلال حملتها الانتخابية بمنع المهاجرين من الوصول إلى الأراضي الإيطالية، تعثرت في تحقيق وعودها الانتخابية. وطالبت صندوق النقد الدولي بالإفراج عن الأموال لتونس على الرغم من أن الحكومة كانت ترفض شروط الصندوق المرتبطة بالقرض الذي سيقدمه لها.
وتريد ميلوني، حقاً، الحصول على مساعدة أوروبا من أجل إعادة توطين المهاجرين الذين يرغب قلة منهم في البقاء في إيطاليا. ومن بين الاقتراحات الأخرى، طلبت ميلوني من الاتحاد الأوروبي إرسال المال إلى دول شمال إفريقيا مقابل وقف تدفق المهاجرين ومحاربة المهربين الذين يتربحون من محنة هؤلاء المهاجرين. ولكن مناشداتها لم تسفر عن أي شيء من شركائها في الاتحاد الأوروبي بمن فيهم العديد من الذين قبلوا استقبال مئات الآلاف من اللاجئين من أوكرانيا.
قيود صارمة
في هذه الأثناء، أسهمت ميلوني في تفاقم الأزمة عن طريق فرض قيود صارمة على قوارب الإنقاذ التي تعمل للمنظمات الخيرية، وعلى سبيل المثال أجبرتهم على الإبحار نحو الموانئ الإيطالية البعيدة على الساحل الإيطالي بعد إنقاذهم للمهاجرين الذين يعانون من محنة، الأمر الذي يقلل من الزمن الذي يقضونه في البحث عن زوارق أخرى تعاني من المتاعب. وتكمن الفكرة من ذلك في جعل المهربين يدركون إنه ليس هناك شبكة أمان ستكون جاهزة للقوارب التي تواجه المحن. ولكن نجم عن ذلك مزيد من المخاطر على الرحلات التي قد تواجه المتاعب، وربما ينتهي بركابها المطاف ليكونوا طعاماً للأسماك.
وسيكون من الحكمة بالنسبة لأوروبا أن تسهل وصول هؤلاء المهاجرين الباحثين عن حياة أفضل، والقادمين من إفريقيا والشرق الأوسط، كما فعلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بالنسبة للمهاجرين القادمين من أميركا اللاتينية.
وهذا من شأنه أن يوفر صمام أمان لتخفيف الضغوط على الدول التي يغادر منها المهاجرون كما أنه يوفر عمالة شرعية، ومنخفضة الأجر للمناطق التي تعاني من نقص العمال. وعلى المدى البعيد سيتطلب الأمر مساعدة غربية، بما فيها صناديق الاتحاد الأوروبي للمساعدة على توفير الاستقرار والفرص الاقتصادية في دول إفريقيا التي تعاني من نقص الاستقرار وسوء الوضع الاقتصادي، ما يدفع مواطنيها إلى البحث عن حياة أفضل في أوروبا التي ينظرون إليها باعتبارها الأمل المنشود.
• استناداً إلى من وصل سابقاً من المهاجرين، نستطيع الافتراض أن معظم المهاجرين يأملون الوصول إلى بريطانيا أو ألمانيا، على الرغم من أن كلا البلدين ترفضان استقبالهم.