«مطعم التيتي».. رائحة الطعام لا تبرح نابلس القديمة على مدار 130 عاماً
الجائل داخل البلدة القديمة في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، يشتم رائحة المأكولات الشعبية المنبعثة من بين حجارة الجدران التاريخية، فتتسارع خطاه حتى تطأ قدماه مطعم «التيتي» العتيق الذي شهد العهد العثماني. ويمتلك مطعم «التيتي» الذي يعود عمره إلى أكثر من 130 عاماً، مكانة تاريخية مهمة، إذ قصده الأمراء والسلاطين في العصر العثماني، وعهد الانتداب البريطاني، وكذلك الرؤساء العرب، أبرزهم الملك الأردني الراحل الحسين بن طلال، والرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
وفي الوقت الحالي يعد هذا المطعم الذي تمتلكه عائلة «التيتي» النابلسية في جيلها الرابع منذ نشأته، عنواناً لأهالي نابلس والضفة الغربية، وكذلك زوار البلدة القديمة من العرب والأجانب، نظراً لمأكولاته الشعبية فائقة المذاق، داخل موقع يجمع الكثير من مقتنيات الحقب الزمنية.
جولة في أحضان التاريخ
جالت «الإمارات اليوم» في بلدة نابلس القديمة، وصولاً إلى سوق خان التجار الشعبي، أو كما يسميه الفلسطينيون «سوق السلطان» التي تحتضن أزقتها عدة أسواق محلية عتيقة، منها ما يعرف باسم «دخلة جروان»، وهي عبارة عن مبانٍ تجارية صغيرة متلاصقة مضى على عمرها عقود زمنية طويلة، فيما يتقدم هذه الأماكن العتيقة، مطعم صغير الحجم ذو حجارة متراصة لم تندثر معالمه عبر العصور.
وفي سبيل دخول مطعم «التيتي» يجب تجاوز بوابتين صغيرتين، الأولى هي الخارجية الملاصقة لشارع سوق «دخلة جروان»، تعلوها يافطة كتب عليها اسم المطعم، وقد نال غبار الزمن منها، وتفضي تلك مباشرة - عبر مدرجات تنحدر نزولاً - إلى بوابة المطعم الثانية والرئيسة.
وللوهلة الأولى من ولوج المطعم ذي الأركان الضيقة، يشعر الزائر بوجوده داخل متحف تاريخي، إذ تتناثر القطع الأثرية الصغيرة، ومشغولات النحاس التراثية (الأنتيكا) على سقف المطعم، فيما تتدلى قرباً من الزائرين. ويتولى محمود التيتي (أبو محمد - 60 عاماً) الذي ورث المطعم عن والده، توالياً بعد جده الثاني، إدارته، وإعداد أصناف المأكولات والمقبلات والأطباق الشعبية، وهو من قاد أيضاً فكرة جمع آثار العصور القديمة، وتعليقها على سقف المطعم العتيق.
ويقول التيتي لـ«الإمارات اليوم»: «أفنيت أكثر من 13 عاماً من عمري في جمع القطع الأثرية، والأشكال الفنية من كافة المناطق الفلسطينية، لتقص كل قطعة منها حكايات عصور بأكملها، وتتناسق مع قدم سنوات المطعم عبر حقب زمنية شتى». ويضيف: «إن مطعمنا هذا يستقبل الزوار من كافة المناطق منذ عهد العثمانيين، الأمر الذي دفعني إلى تنفيذ فكرة تعليق القطع الفنية العتيقة التي تجذب الزوار لتناول أطباقنا التراثية، في حضرة آثار الحضارات التاريخية».
قائمة طعام طويلة
في منتصف مطعم «التيتي» يطل مطبخه المفتوح من دون جدران أو أبواب، على صالة طعام الزوار، ليتيح لهم مشاهدة الطهاة أثناء إعدادهم وجبات الطعام على مرمى بصرهم، في تقليد دائم اتبعه الجد الأول للعائلة، مؤسس المطعم القديم. وداخل المطبخ يقضي أبو محمد التيتي وقته في إعداد «العجة» النابلسية التي يشتهر بها المطعم منذ زمن بعيد، والمكونة من البيض والقرنبيط، بمساعدة أبنائه، وكذلك مأكولات خلطة «الكوسا باللبن»، و«البطاطس مع البيض»، والطماطم المقلية (قلاية البندورة)، والكبة الشامية، وسلطة الباذنجان بالطحينية المعروفة باسم «البابا غنوج»، إلى جانب أطباق الحمص واللبنة، وأقراص الفلافل، ووجبات طعام شعبية أخرى، وفقاً لما يطلبه العملاء الذين عهدوا تناولها على مدار سنوات عمرهم.
ينتهي أبو محمد من إعداد الأصناف المختلفة، ليكمل ابنه البكر العمل، تلبية لرغبات العملاء، وإلى جانب المطبخ يجلس، ويقول: «إن قائمة الأطباق الشعبية والتراثية لدينا باقية كما هي، لم تتغير منذ افتتاح المطعم في عهد جدي الأول، وكذلك الأمر لمذاق الطعام الذي رافق سنوات العمر دون اختلاف، ما حافظ على استمرار عمل مطعمنا حتى اليوم». ويواصل التيتي حديثه: «كل شخص يعيش في أرجاء نابلس، ويفد إليها من مختلف المناطق، يعرف جيداً مطعمنا الذي استقبل أجيالاً عدة على مدار سنوات مديدة».
• يشعر الزائر بوجوده داخل متحف تاريخي، إذ تتناثر القطع الأثرية الصغيرة، ومشغولات النحاس التراثية (الأنتيكا) على سقف المطعم.