شهر على الحرب في السودان ولا مخرج قريباً
كان السودان غارقاً قبل الحرب في فوضى سياسية واقتصادية. وبعد شهر من المعارك بين قوات الجنرالين المتصارعين على السلطة، قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو «حميدتي»، بات البلد مهدداً بالانهيار، ما يثير قلق دول الجوار وسط الأزمات التي تعاني منها هي نفسها.
وأوقعت الحرب بين البرهان، ودقلو، أكثر من 750 قتيلاً وآلاف الجرحى، إضافة إلى نحو مليون نازح ولاجئ.
في جميع أنحاء السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يعيش 45 مليون مواطن في خوف، ويعانون أزمات غذائية تصل إلى حد الجوع.
والإثنين أفاد شاهد عيان في العاصمة الخرطوم وكالة فرانس برس بتعرض منطقة «شرق النيل في شرق الخرطوم لقصف جوي»، فيما أكد آخر في جنوب العاصمة، يبلغ من العمر 37 عاماً، بأن «قصف الطيران وضرب المضادات له يجري منذ الثامنة والنصف صباحاً. لم يتغير شيء منذ بداية النزاع».
وأضاف «الأوضاع تتجه إلى الأسوأ رغم الحديث عن الهدنة، لكن عنف الطرفين ومخاوف الناس تتزايد كل يوم».
وقبل الحرب كان ثلث سكان البلاد يعتمدون على المساعدة الغذائية الدولية، واليوم أصبحوا محرومين منها، فمخازن المنظمات الإنسانية نهبت، كما علّق الكثير من هذه المنظمات عمله بعد مقتل 18 من موظفيها.
ارتفاع حادّ في الأسعار
وأصبحت السيولة نادرة. فالبنوك، التي تعرض بعضها للنهب، لم تفتح أبوابها منذ الـ15 من أبريل، فيما سجلت الأسعار ارتفاعاً حاداً وصل إلى أربعة أضعاف بالنسبة للمواد الغذائية، و20 ضعفاً بالنسبة للوقود.
ويعيش سكان الخرطوم، البالغ عددهم خمسة ملايين، مختبئين في منازلهم، في انتظار وقف لإطلاق نار لم يتحقق حتى الآن، فيما تستمر الغارات الجوية والمعارك بالأسلحة الثقيلة، ونيران المدفعية التي تطال حتى المستشفيات والمنازل.
في جدة بالسعودية، يجري الطرفان محادثات حول وقف إطلاق نار «إنساني»، للسماح للمدنيين بالخروج، وإتاحة المجال لدخول المساعدات.
لكنهما لم يتفقا حتى الآن إلا على قواعد إنسانية بشأن إجلاء المدنيين من مناطق القتال، وتوفير ممرات آمنة لنقل المساعدات.
ويقول الباحث علي فرجي «إذا لم يغير الطرفان طريقة تفكيرهما، فمن الصعب تصور ترجمة حقيقية على الأرض للالتزامات التي يوقعان عليها على الورق».
ويكرر الخبراء والدبلوماسيون أن كلّاً من الجنرالين «مقتنع بأنه يستطيع حسم الأمر عسكرياً».
ولكل منهما عدد كبير من العناصر، ودعم كبير من الخارج، إذ إن دقلو يحظى بمساندة مرتزقة مجموعة فاغنر الروسية، في حين يحظى البرهان بدعم دول عربية.
إفلات من المحاسبة
وهذا ما يجعل الجنرالين يفضلان خوض نزاع طويل الأمد، على تقديم تنازلات حول طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى تسوية.
والواقع أنه في كل مرة يتعهدان فيها بوقف إطلاق نار، يخرقانه منذ الدقائق الأولى.
ويقول ممثل الاتحاد الأوروبي السابق للقرن الإفريقي، أليكس روندوس، إن «الجيش وقوات الدعم السريع يخرقان الهدن بانتظام، ما يدل على درجة غير مسبوقة من الإفلات من المحاسبة، حتى بالمعايير السودانية للنزاع».
عرف السودان الكثير من النزاعات. في دارفور، أسفر قمع أقليات عرقية مطلع الألفية في عهد عمر البشير (1989-2019)، من قبل قوات الجيش وقوات دقلو المتحالفة آنذاك، عن سقوط 300 ألف قتيل، ونزوح ما يزيد على 2.5 مليون شخص.
ولاتزال المنطقة إلى اليوم غير مستقرة. ومع اندلاع الحرب بين الجنرالين في الخرطوم، بات الجميع يقاتل في الإقليم الغربي في السودان، الجيش، وقوات الدعم السريع، والمقاتلون القبليون، ومدنيون مسلحون.
وقال محمد عثمان من منظمة «هيومن رايتس ووتش» لوكالة فرانس برس «نتلقى تقارير بأن قناصة يطلقون النار على أي شخص يخرج من بيته».
وأضاف أن «أشخاصاً جرحوا في المعارك قبل أسبوعين يموتون في منازلهم»، لأنهم لا يستطيعون الخروج منها.
وتقول منظمة «أطباء بلا حدود» إن نازحي دارفور في المخيمات «باتوا يأكلون وجبة واحدة يومياً بدلاً من ثلاث وجبات».
وحذرت الأمم المتحدة من أن الجوع سيطال 19 مليون سوداني في غضون ستة أشهر، إذا استمرت الحرب.
هجرة وانحسار التصنيع
وكل يوم، يدخل آلاف اللاجئين إلى مصر وتشاد وإثيوبيا وجنوب السودان، وهي الدول الحدودية مع السودان، ما يثير قلق القاهرة التي تعيش أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها، فيما تخشى الدول الأخرى أن تنتقل عدوى الحرب إلى حركات التمرد فيها.
لم يعد هناك في الخرطوم لا مطار ولا أجانب، بعدما تم إجلاؤهم جميعاً على عجل في الأيام الأولى للقتال، ولا مراكز تجارية، إذ تعرضت كلها للنهب.
كذلك، أغلقت الإدارات الحكومية «حتى إشعار آخر»، ولم يتحدث الجنرالان إلا لتبادل الاتهامات عبر وسائل الإعلام.
وانتقلت بقية إدارات الدولة إلى بورتسودان، على بعد 850 كيلومتراً شرقاً على ساحل البحر الأحمر.
هناك، يسعى فريق مصغر من الأمم المتحدة للتفاوض على مرور المساعدات الإنسانية، ويعقد بعض الوزراء وكبار المسؤولين مؤتمرات صحافية يومية، يحرصون فيها على توجيه رسائل طمأنة. ويؤكد فرجي لوكالة فرانس برس أنه «مع تدمير معامل للصناعات الغذائية أو مصانع صغيرة، تسببت هذه الحرب بانحسار التصنيع جزئياً في السودان».
ويضيف «هذا يعني أن السودان سيصبح مستقبلاً أكثر فقراً، ولفترة طويلة».
• أوقعت الحرب أكثر من 750 قتيلاً وآلاف الجرحى، إضافة إلى نحو مليون نازح ولاجئ.
• في جميع أنحاء السودان، أحد أفقر بلدان العالم، يعيش 45 مليون مواطن في خوف، ويعانون أزمات غذائية تصل إلى حد الجوع.