«طالبان» تواصل الصراع مع «داعش» على مستقبل أفغانستان
في الـ25 من أبريل الماضي، أكد المسؤولون الأميركيون أن «طالبان» قتلت زعيم تنظيم «داعش» العامل في أفغانستان. وعلى الرغم من أنه لم يتم الكشف عن هوية الرجل، إلا أنه يُعتقد بأنه العقل المدبر لهجوم مطار كابول بالقنابل عام 2021، الذي نجم عنه مقتل 170 أفغانياً و13 جندياً أميركياً.
ويمثل اغتيال هذا الرجل التصعيد الأخير للقتال بين «طالبان» و«داعش» هذا العام. وقتل العديد من مسؤولي «طالبان» أو تعرضوا للهجمات في شهر مارس على يد «داعش»، في حين لقي العديد من قادة «داعش» حتفهم على يد «طالبان» في يناير وفبراير الماضيين.
وكانت «طالبان»، وهي حركة سياسية متطرفة من عرقية الباشتون المنتشرة في عموم أنحاء أفغانستان وباكستان، قد سيطرت سابقاً على أفغانستان في المرحلة ما بين 1996 إلى 2001، الأمر الذي سمح لهذه الحركة بإعادة ترسيخ حكمها على أفغانستان، ولكنهم لم يتمكنوا من بسط كل نفوذهم على جميع أنحاء الدولة، بسبب وجود تنظيم «داعش»، الموجود في أفغانستان منذ عام 2014.
التفاوض مع الولايات المتحدة
وفي البداية كان العديد من قادة «طالبان» داعمين لـ«داعش» في السيطرة على مناطق عدة، ومواجهة الولايات المتحدة والقوات الغربية الأخرى الموجودة على أرض سورية والعراق عامي 2013 و2014. ولكن العداء بدأ بين «طالبان» و«داعش» عندما حاول هذا التنظيم بسط سيطرته على أفغانستان، وجذب الأفغانيين للقتال من أجل قضيته.
وفشلت «طالبان» في تلك الفترة في السيطرة على أفغانستان، وبدأت بالتفاوض مع الولايات المتحدة من أجل إنهاء الحرب. وبالنظر إلى الانقسامات التي كانت موجودة في قيادة «طالبان» أفغانستان وباكستان، قام تنظيم «داعش» باستغلال ذلك لمصلحته.
وفي عام 2014، انضم عدد من كبار المسؤولين في «طالبان» إلى صفوف «داعش»، الذي لقي دعم مجموعات الميليشيات الصغيرة، ولكن الأمر المهم أن «داعش» كان قادراً على جذب مسؤولين من تنظيم القاعدة إلى صفوفه، ولكنهم تبرأوا منه لاحقاً، وأصبح هناك تنافس على قيادة الإرهاب عالمياً.
ظهور «داعش» خراسان
أعلن تنظيم «داعش» في يناير 2015 تشكيل إقليم خراسان الذي يتضمن آسيا الوسطى، وجنوب آسيا، وهي جزء من جهود «داعش» لإنشاء دولة كبيرة. وبدأ التنظيم بالتوسع بسرعة وسط أفغانستان، واتهم «طالبان» بأنها تهتم بالقومية الأفغانية، وتتجاهل الإسلام لمصلحة عرقية.
وتصاعد الصراع بين «طالبان» و«داعش» خراسان عام 2015، وكان زعيم «طالبان» في حينه الملا أخطر منصور، الذي كتب رسالة إلى زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، يحثه على التوقف عن التجنيد داخل أفغانستان، وأصر على أن الحرب ضد الولايات المتحدة يجب أن تكون بقيادة «طالبان»، ولكن «داعش» رفض الانصياع لطلبه.
وظهر تنظيم «داعش» باعتباره تهديداً للاستقرار في أفغانستان، ما دفع «طالبان» والقوات الأجنبية الموجودة في أفغانستان إلى تركيز قواهما ضد «داعش». وعلى الرغم من التوسع الذي حققه «داعش» في البداية، إلا أنه أخذ يخسر المساحات والمقاتلين بسرعة في الفترة ما بين 2015 – 2018، في حين استسلم العديد من مقاتليه للسلطات في الفترة ما بين 2019-2020. وبالمقارنة تزايد نفوذ «طالبان» في أفغانستان، وتفاوضت «طالبان» مع الحكومة الأميركية لإنهاء الحرب.
اتفاق الدوحة
ووضع اتفاق الدوحة عام 2020 برنامجاً لانسحاب الجنود الأجانب، وتبادل الأسرى بين «طالبان» وكابول. وتعهدت «طالبان» بمنع المجموعات الإرهابية من العمل على أراضي أفغانستان، ولكن «داعش» رفض الاتفاق وأدانه، واعتبره هروباً من الجهود وتملقاً للأميركيين.
ولكن الاقتراحات بزوال «داعش» من أفغانستان لم تكن واقعية، خصوصاً إثر الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الأجنبية، فقد تزايد تعداد «داعش» بالنظر إلى ألوف السجناء الذين هربوا من سجون أفغانستان إثر سقوط حكومة كابول. وكان تعداد «داعش» في أفغانستان بحلول عام 2023 نحو 4000 شخص، مقارنة بـ«طالبان» التي يبلغ تعداد مسلحيها نحو 80 ألفاً. ويستخدم تنظيم «داعش» أسلوب قتال العصابات ضد الأميركيين، وهو الأسلوب ذاته الذي تستخدمه «طالبان».
وبحلول عام 2021، كان «داعش» قد قتل الكثير من سكان أفغانستان، واشتبك مع «طالبان» مرات عدة. وتقوم «طالبان» بقتال «داعش» خراسان وحدها، وبأسلحة عادية، ولهذا فإن «داعش» خراسان يتمدد في أفغانستان أكثر مما يقوم به في سورية والعراق.
طلب الدعم من الخارج
سعت حركة «طالبان» إلى حشد الدعم من الدول الأخرى، مستغلة ثروة أفغانستان من الفلزات المعدنية التي تبلغ قيمتها ما بين تريليون إلى ثلاثة تريليونات دولار، كما يقوم «داعش» بمغازلة دول مثل الهند والصين وروسيا لتطوير علاقته معها.
وهناك ضغوط على «طالبان» للحصول على نتائج. وأصبح المواطنون والبنى التحتية الصينية والروسية في أفغانستان أهدافاً لـ«داعش»، ما جلب الكثير من الانتقادات. وعلى الرغم من أن «طالبان» لن تسمح لأحد باستخدام أراضيها لمهاجمة الدول المجاورة، إلا أن «داعش» اختبر ذلك في كل من أوزبكستان وطاجيكستان.
ولكن تعاون «طالبان» مع «القاعدة» جعل الدول الغربية ترفض التعاون معها، ناهيك عن التعامل مع المرأة على نحو سيئ، وهضم حقوقها. وربما تؤدي السياسات المتطرفة لـ«طالبان» إلى مزيد من هروب كوادرها إلى «داعش».
وبعد الحرب مع «طالبان» لـ20 عاماً من الزمن، يبدو أن من الصعب على الغربيين التعاون مع «طالبان»، ولكن رئيس الأركان المشتركة للقوات الأميركية، مارك ميلي، تحدث عام 2021، إثر التنسيق من أجل إخراج الغربيين من أفغانستان، عن احتمال التنسيق مع «طالبان» بغية هزيمة «داعش». وأعرب رئيس الأركان البريطاني عن نية مشابهة لما قاله نظيره الأميركي.
ويمكن أن يسهم قيام «طالبان» بقتل زعيم «داعش» في أبريل الماضي في تشجيع قيام تنسيق محدد ودبلوماسية غير رسمية مع الدول الأخرى، بما فيها الولايات المتحدة، ولكن بالنظر إلى بقاء «طالبان» معتمدة على التعاون مع المجموعات المتطرفة مثل «القاعدة»، يمكن أن تستمر عزلتها الدولية لفترة طويلة.
وسيواصل تنظيم «داعش» محاولة إضعاف «طالبان» عسكرياً، واستغلال انقساماتها، وتقويض مزاعمها بأنها جلبت السلام والاستقرار إلى أفغانستان.
ولاتزال حالة انعدام الاستقرار مستمرة في أفغانستان منذ سبعينات القرن الماضي، وستظل الدولة مرتعاً للقلق الإقليمي، وتنافس الدول العظمى، والصراعات الأيديولوجية. وعلى الرغم من أن الدول جميعها سترى في «داعش» تهديداً كبيراً، إلا أن هذا لن يكون كافياً بالنسبة لـ«طالبان» لإنهاء عزلتها، ومساعدة أفغانستان على تحقيق السلام والاستقرار.
جون رويل صحافي أميركي
• في عام 2014 انضم عدد من كبار المسؤولين في «طالبان» إلى صفوف «داعش»، الذي لقي دعم مجموعات الميليشيات الصغيرة، ولكن الأمر المهم أن «داعش» كان قادراً على جذب مسؤولين من تنظيم القاعدة إلى صفوفه، ولكنهم تبرأوا منه لاحقاً، وأصبح هناك تنافس على قيادة الإرهاب عالمياً.