جنوب السودان مقبلة على فوضى وحرب أهلية مروعة
يبدو أن الحرب التي اندلعت في السودان لن يتم احتواؤها داخل حدود السودان. وإضافة إلى تدفق اللاجئين السودانيين في أوروبا، نتيجة هذه الحرب، ستقوم الدول المجاورة، وكذلك الإفريقية الأخرى، بمراقبة ما إذا كان الطرفان المتقاتلان سيواجهان أي عواقب نتيجة أعمال التدمير التي ارتكبوها.
وهذا جلي على نحو كبير في دولة جنوب السودان، التي تشترك بتاريخ كبير مع المتقاتلين وقضايا تقسيم السودان، وتمتلك بعض الشرر ذاته، الذي يمكن أن يشعل ناراً ملتهبة ستكون أكثر رعباً بكثير مما هو جار الآن في الخرطوم.
وكما هي الحال في السودان، يوجد في جنوب السودان فريقان رئيسان مدججان بالأسلحة، ومتحالفان مع العديد من الميليشيات العرقية المحلية. وخلال العقدين المنصرمين، تنافس الفريقان للسيطرة على الموارد الطبيعية الغنية التي تسيطر عليها الحكومة. وكما هي الحال في السودان، ينتشر الفساد في جنوب السودان، ليس كحالات فردية منحرفة، وإنما كنظام عمل شامل. وجرى اختطاف المؤسسات الحكومية بغية إثراء الطبقة المحيطة بالرئيس سلفا كير، وسماسرة السلطة الآخرين في جنوب السودان، الذين يدعمون سيطرة الحكومة. وكما هي الحال في السودان أيضاً، ثمة غياب شبه كامل للمحاسبة عن الفساد المستشري والفظائع الجماعية التي يتم ارتكابها.
وخلال السنوات القليلة الماضية، دأب قادة جنوب السودان على تقويض اتفاق السلام المهزوز أصلاً، والذي تم توقيعه في عام 2018. وعند كل منعطف، عملت النخبة في الحزب الحاكم على ضمان تنفيذ الحد الأدنى، أو على نحو مجزأ للاتفاق. ويتمثل أسلوب العمل لتحقيق ذلك، في تطبيق العناصر الكافية من أجل خداع المجتمع الدولي وجعله يتقاعس عن اتخاذ أي إجراء.
وعلى سبيل المثال، تماماً كما كان الوضع في السودان قبل اندلاع الحرب، كانت الترتيبات الأمنية في جنوب السودان متأخرة بشدة عن الجدول الزمني المخصص لها، مع عدم وجود حل في الأفق. وأظهر المسؤولون عدم اكتراثهم بالمعايير التي وضعها مجلس الأمن الدولي، من أجل تحقيق أهداف التنفيذ. والأسوأ من ذلك، فإن الدولة لم تقترب أصلاً من الوفاء بمعظم الجزء الأساسي من الاتفاق الذي تم توقيعه لخفض الفساد الفاضح، ومنع السيطرة على مؤسسات الدولة التي تشرف على إنفاق الحكومة. ومع ذلك، فإن استجابة المجتمع الدولي لم تكن أكثر من مجرد تهديدات مبطنة، وفشل في إجراء أي محاسبة للمسؤولين.
انهيار حكم القانون
يسير جنوب السودان نائماً نحو ما يعتقد بأنه جولة أخرى من العنف المدمر في غضون عام من الآن. ويحدث الكثير من الهجمات من قبل المتمردين، ناهيك عن الهجمات المسلحة على قطعان الماشية، والصراع الدائر بين أفراد المجتمع نفسه، الذي يغذيه الانهيار العام لحكم القانون الذي يتصاعد في العديد من المواقع، كما أن المتطلبات الأساسية للديمقراطية، مثل حرية التعبير وحرية التجمعات غير موجودة. وعلى الأرجح، فإن الانتخابات المزمع إجراؤها العام المقبل لن تحدث، بالنظر إلى عدم توافر المتطلبات المهمة لذلك، مثل وضع دستور جديد، وتشكيل هيئة تشرف على الانتخابات، والتي لاتزال متأخرة للغاية عن موعدها. وإذا لم يتم إجراء هذه الانتخابات في موعدها، سيزداد احتمال وقوع أعمال العنف في الدولة.
وفشلت سياسات المجتمع الدولي السابقة، التي كانت تهدف سابقاً إلى معالجة الأزمة فشلاً ذريعاً.
وتركت العقوبات الفاترة والمتقطعة المعروفة باسم «الجبن السويسري» المرتبطة بصورة سيئة مع النتائج الاستراتيجية ثغرات كبيرة في شبكة الضغوط المالية، الأمر الذي يوحي بأنه لا توجد ضغوط كافية على النظام، على الرغم من أن قلة من نخبة هذا النظام تشعر بالاستقرار، وهذا على الرغم من الأدلة التجريبية من عام 2018، عندما أسهمت بضع جولات من العقوبات الف
اعلة، وضغوط وزارة الخزانة الأميركية بشأن غسيل الأموال، الذي تقوم به النخبة في جنوب السودان باستخدام النظام المالي العالمي، بدفع القادة للجلوس على طاولة المفاوضات، الأمر الذي نجم عنه اتفاق السلام عام 2018. ولكن نظراً إلى أن صانعي السياسة في الولايات المتحدة، وأماكن أخرى، فقدوا التركيز بعد ذلك، ولم يتخذوا إجراءات متابعة، ضاعت كل هذه التأثيرات على حسابات قادة جنوب السودان.
منع حدوث حرب أهلية شاملة لمنع حدوث انهيار آخر والوقوع في حرب أهلية شاملة في جنوب السودان، يجب تغيير حسابات أمراء الحرب والمستفيدين منهم، ويجب عدم السماح بوجود أي حصانات لأحد. ويجب على المجتمع الدولي أن يعمل بصورة محددة للقضاء على التربح الشخصي الناجم عن السيطرة الشاملة على الدولة. ويجب على الحكومات المعنية، وكذلك المنظمات المتعددة الجوانب، أن تجعل التربح الشخصي من سرقة الدولة بصورة عنيفة أمراً مؤلماً وصعباً.
ولإعادة بناء النفوذ الهادف إلى منع حدوث حرب أهلية شاملة، يجب على الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، إضافة إلى دول أخرى ذات نفوذ مؤثر، أن تنظر في وضع نظام أكبر لتصعيد التكاليف، والضغوط التي تستهدف الشبكات التي تغذي موارد جنوب السودان.
العقوبات
لا يمكن أن تستهدف العقوبات المسؤولين الفرديين، الذين نادراً ما يودعون الأموال التي يحصلون عليها بالفساد بأسمائهم الحقيقية. ويجب أن تركز الضغوط على الشركاء والشركات، والمساعدين الدوليين الذين يسهلون الفساد الناجم عن العنف في جنوب السودان.
ويعتبر النظام المالي الدولي من المصارف المحلية في جنوب السودان إلى المصارف الإقليمية والدولية، أداة فاعلة لتقويض التنافس العنيف على آلة النهب التي أصبحت تتمثل في دولة جنوب السودان. وأصبح النظام البنكي العالمي بمثابة السيارة التي تنقل معظم الأموال المسروقة. وبناءً عليه، يجب على صانعي السياسة والمصارف الأخرى ممارسة الضغوط على اللاعبين في جنوب السودان، حتى يصبح لدى الدولة إطار عمل جيد لمحاربة غسيل الأموال، بما يتوافق مع توصيات منظمة مهمة العمل المالي الدولية، التي وضعت جنوب السودان على القائمة الرمادية.
إشارة تحذير
السودان هي إشارة تحذير مبكر كبيرة لما ينتظر جنوب السودان، إذا لم يتم تغيير مسار هذه الأخيرة بطريقة ما. ولسوء الطالع، حتى الآن، فإن العقوبات الفردية المتقطعة، والتصريحات الصحافية والمحاولات الدبلوماسية لاتزال رمزية محضة. ولمنح جنوب السودان المحاصر فرصة سلام، يجب أن تصنع الجهود الدولية عواقب حقيقية لأولئك الذين يرون أنفسهم على خلفية البؤس الإنساني الذي لا مثيل له.
• كما هي الحال في السودان، يوجد في جنوب السودان فريقان رئيسان مدججان بالأسلحة، ومتحالفان مع العديد من الميليشيات العرقية المحلية.
• خلال السنوات القليلة الماضية، دأب قادة جنوب السودان على تقويض اتفاق السلام المهزوز أصلاً، والذي تم توقيعه في عام 2018..
جون برندرغاست
بريان أديبا
مستشار سياسي في منظمة «سنتري»