محللان: بوتين نجح في إضعاف تأثير العقوبات الغربية في بلاده واستطاع تعزيز نظامه
لم تنجح العقوبات الغربية ضد طبقة الأوليغارشية الروسية في تحقيق أهدافها، والسبب وراء ذلك هو أن الكرملين أثبت براعة كبيرة في التحايل عليها، أو إبطال تأثيراتها. وتقول أستاذة الاستراتيجية في كلية الحرب الوطنية، الدكتورة ماريا أوميليتشيفا، إحدى كليات جامعة الدفاع الوطني الأميركية، ومدير مركز دراسة التحديات والمخاطر الجديدة في مدينة فلاديفوستوك الروسية، ألكسندر سوخارينكو، في تقرير نشرته مجلة «ناشيونال إنتريست» الأميركية، إن 40 دولة فرضت مجموعة واسعة من العقوبات المالية، وإجراءات للسيطرة على الصادرات وعقوبات موجهة رداً على الهجوم الروسي واسع النطاق ضد أوكرانيا. وكان الهدف من هذه القيود هو تقييد قدرة الأفراد الذين فرضت عليهم العقوبات على تقديم الدعم للكرملين، وبالتالي، إقناع المليارديرات الروس باستخدام كل الوسائل المتاحة للتأثير في قرارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وعلى الرغم من أن العقوبات قلصت الثروات الفردية لطبقة الأوليغارشية، وهي طبقة اجتماعية حاكمة متفوقة أو مميزة بشكل أو بآخر عن بقية المجتمع، فإن عدد المليارديرات الروس وثرواتهم الصافية الجماعية، قد تزايد بشكل فعلي خلال العام الماضي، منذ بدء الهجوم الروسي.
وقد أسهمت العقوبات الفردية في تحقيق ظاهرة التجمع حول الكرملين، وزاد اعتماد النخبة على موسكو.
واعتبرت أوميليتشيفا وسوخارينكو أن العقوبات الفردية في صورتها الحالية أداة ضعيفة في تفكيك رأسمالية المحاباة في روسيا، التي تجمع الحوافز للنخبة الموالية للنظام، والعقاب على الانشقاق. لقد قدمت حرب روسيا في أوكرانيا، والعقوبات الغربية للكرملين فرصاً جديدة لمكافأة كبار رجال الأعمال الأوفياء، من خلال إعادة توزيع الأصول، وزيادة القمع الاقتصادي ضد النخبة المتمردة من رجال الأعمال.
وهذا هو الأمر السائد منذ انتخاب بوتين رئيساً لروسيا. فبعد شهرين من تنصيبه في السابع من مايو 2000، جمع الرئيس 21 من كبار رجال الأعمال الروس في الكرملين، وخلال ذلك الاجتماع التاريخي، أبرم بوتين «عقداً اجتماعياً» مع الرجال الأكثر ثراء في روسيا، الذين كانوا قد جمعوا ثرواتهم الضخمة خلال العقد السابق. وفي مقابل ولائهم وعدم التدخل في السياسة، وعد بوتين الطبقة الأوليغارشية بأن تدعم حكومته نتائج عملية الخصخصة الفوضوية في التسعينات، التي أثرت النخبة الروسية فيما بعد الحقبة السوفييتية. وفي الأعوام التالية، عملت حكومة بوتين على تطبيق القواعد غير المكتوبة للعقد الاجتماعي. ودفع أفراد طبقة الأوليغارشية، الذين تراجعوا عن الاتفاق، الثمن، في حين أصبح الأوفياء الذين أكدوا ولاءهم للرئيس هم رعاة النظام وداعموه.
وعندما قامت روسيا بمهاجمة أوكرانيا، فرضت الحكومة الأميركية على الفور مجموعة من العقوبات الاقتصادية والفردية المنسقة بشكل جيد. وبحلول الذكرى الأولى لبدء الحرب، كان مكتب مراقبة الأصول الأجنبية، التابع لوزارة الخزانة الأميركية، قد وسع عقوبات تجميد الأصول وحظر السفر لتشمل أكثر من 2400 فرد، من بينهم ما لا يقل عن 46 مليارديراً روسياً، أو روسي المولد. وفرض الاتحاد الأوروبي بالمثل عقوبات بحق نحو 1473 مواطناً روسياً.
وأشارت أوميليتشيفا وسوخارينكو إلى أنه بعد يوم من الحرب، دعا بوتين إلى اجتماع مع 40 من كبار رجال الأعمال الروس ورؤساء الشركات الحكومية. وخلال الاجتماع، طالب بوتين بالتضامن من جانب مجتمع الأعمال في روسيا، في مقابل دعمهم من جانب الحكومة. كما هدد المنشقين، ليؤكد بذلك مجدداً قواعد «العقد الاجتماعي» الذي أبرمه في عام 2000. وفي الأشهر التالية، خسر كبار رجال الأعمال الذين انتقدوا الحكومة الروسية أصولهم القيمة داخل روسيا.
كما أوفت الحكومة الروسية بوعدها لرجال الأعمال الأوفياء. وبعدما غادر أكثر من 1000 شركة غربية روسيا، تركت هذه الشركات مئات المليارات من الدولارات في صورة أصول متروكة. وقامت الدولة الروسية بتأميم هذه الأصول رداً على تجميد الأصول الروسية في الخارج.
وأوضح المحللان أن موسكو قامت بمصادرة أصول شركة إكسون موبيل، التي تقدر قيمتها بأكثر من أربعة مليارات دولار، وصادرت أسهم شركة شل في مشروع ساخالين مع غازبروم. وبجانب الدولة نفسها، استفاد الموالون لبوتين من مزايا إعادة توزيع هذه الثروة. وعلى سبيل المثال، حصل حليف بوتين، جينادي تيمشنكو على عقد جديد مع الحكومة لبيع الغاز الروسي المسال إلى الصين. كما أصبح يوري كوفالتشوك الذي يعرف بأنه «مصرفي بوتين» يملك الآن معظم الإنترنت الروسية. وحصل رجل أعمال شيشاني مقرب من رئيس الشيشان رمضان قديروف، على مصنع وما تبقى من شركة ستاربكس، في مدينة ماريوبول الأوكرانية التي تسيطر عليها روسيا.
وقد ساعدت الإجراءات الجديدة التي اتخذها الكرملين لحماية الموالين له من التأثيرات السيئة للعقوبات على تقوية رأسمالية المحاباة التي يطبقها بوتين. وأضاف الأفراد الأكثر ثراء في روسيا 154 مليار دولار إلى ثرواتهم في مارس، مقارنة بالعام السابق. وتركز الحكومة الروسية على هذه الثروة لفرض ضريبة حرب لمرة واحدة، لسد الثغرات في ميزانية الدولة. ويعتبر نظام العقوبات الحالي ضعيفاً للغاية، ولا يمكن أن يشكل تهديداً وجودياً لثروة طبقة الأوليغارشية، وهو نوع من التهديد الافتراضي الذي كان من المفترض أن يدفعهم إلى السعي لتغيير سياسات روسيا ومؤسساتها. ولإضعاف العلاقة الوطيدة بين القوة والثروة التي تدعم نظام بوتين، يجب توسيع وتعميق العقوبات الفردية بدرجة كبيرة.
وأكدت أوميليتشيفا وسوخارينكو أن رصد أصول كبار رجال الأعمال الروس، والسيطرة عليها بشكل فعال، يتطلبان مشاركة المعلومات المالية والمصرفية والاستخباراتية بين الدول. وقد تم تحقيق ذلك بوساطة مجموعة العمل المتعددة الأطراف للنخب الروسية والوكلاء والأوليغارشية (ريبو)، التي تتعاون فيها أجهزة الاستخبارات في كل من الولايات المتحدة وأستراليا وفرنسا وكندا وألمانيا واليابان وبريطانيا والمفوضية الأوروبية. ومع ذلك، يجب أن يتم توسيع جهود مجموعة ريبو إلى مزيد من البلدان. ويجب أن تتحرك الدول المشاركة في مجموعة عمل ريبو بشكل سريع، لتسهيل وتسريع مصادرة أصول كبار رجال الأعمال الروس، من أجل استغلالها لمصلحة أوكرانيا.
واختتم أوميليتشيفا وسوخارينكو تقريرهما بالقول، إن الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما من الدول الغربية، تحتاج إلى حشد الإرادة السياسية لسد الثغرات أمام التهرب الضريبي، وآليات مكافحة غسل الأموال.
• على الرغم من أن العقوبات قلصت الثروات الفردية لطبقة الأوليغارشية، وهي طبقة اجتماعية حاكمة متفوقة أو مميزة بشكل أو بآخر عن بقية المجتمع، فإن عدد المليارديرات الروس وثرواتهم الصافية الجماعية قد تزايد بشكل فعلي خلال العام الماضي، منذ بدء الحرب الروسية.
• أوفت الحكومة الروسية بوعدها لرجال الأعمال الأوفياء. وبعدما غادر أكثر من 1000 شركة غربية روسيا، تركت هذه الشركات مئات المليارات من الدولارات في صورة أصول متروكة. وقامت الدولة الروسية بتأميم هذه الأصول، رداً على تجميد الأصول الروسية في الخارج.