خبير اقتصادي: تحرك الرئيس البرازيلي يثير من الأسئلة أكثر مما يقدم من إجابات
لولا دا سيلفا يراهن على «عدم الانحياز» لتوحيد أميركا الجنوبية ومواجهة النفوذ الأميركي
منذ عودته إلى الحكم في البرازيل، مطلع العام الجاري، يقود الرئيس البرازيلي، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، تحولات جذرية في السياسة الخارجية لبلاده، ليتخلى عن سياسات سلفه اليميني، جايير بولسونارو، الموالية للولايات المتحدة بشكل عام، ويعيدها إلى سياسة عدم الانحياز، التي تتيح لأكبر دولة واقتصاد في أميركا الجنوبية المضي قدماً في مسارها المستقل، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، والعمل من خلال منظمات عالم الجنوب، مثل تكتل «بريكس»، الذي يضم إلى جانب البرازيل، روسيا والصين، والهند، وجنوب إفريقيا.
وفي تحليل نشرته مجلة «ناشيونال إنترست» الأميركية، يقول كبير خبراء الاقتصاد في مؤسسة «سيمثز ريسيرش أند غرادينجز» للاستشارات والأبحاث، الدكتور سكوت بي. ماكدونالد، إن «محاولات لولا لإقامة شكل من أشكال الوحدة بين دول أميركا الجنوبية يثير من الأسئلة أكثر مما يقدمه من إجابات».
الانحياز لموسكو
ويرى ماكدونالد زميل الأبحاث في كل من «كريبيان بوليسي كونستريوم» و«غلوبال أمريكانز»، أن سياسة لولا لعدم الانحياز تعني أيضاً الانحياز إلى موسكو في الحرب الروسية - الأوكرانية، وتبقي على العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع الصين. ومن منظور المصلحة الوطنية البرازيلية تعتبر روسيا شريكاً مهماً، حيث إنها مورد رئيس للأسمدة للقطاع الزراعي البرازيلي، في حين تعتبر الصين سوقاً رئيسة لصادرات البرازيل، إلى جانب استثمار بكين نحو 66 مليار دولار في البرازيل، خلال الفترة من 2007 إلى 2020، بحسب مجلس الأعمال البرازيلي الصيني.
ويقول أستاذ العلاقات الدولية في مؤسسة «غيتوليو فارجاس فاوندشن» في ساو باولو، أوليفر ستونكيل، إن «عدم الانحياز يعتبر رهاناً آمناً في عالم تتزايد فيه منافسة القوى العظمى. ومن وجهة نظر البرازيل لا يعتبر صعود الصين وعودة النفوذ الروسي تطوراً سيئاً بالنسبة لها، ولذلك لا ترى البرازيل لنفسها مصلحة في الانضمام إلى أي تحالف غربي ضد موسكو».
عُملة بديلة للدولار
ظهر الانحياز إلى كل من بكين وموسكو في إرسال لولا وفد إلى فنزويلا حليفة كل من الصين وروسيا، الخاضعة لعقوبات أميركية، وكذلك في رفضه إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، وفي استضافة وزير خارجية روسيا، سيرغي لافروف، في أبريل الماضي. وفي قمة تجمع «بريكس» في أبريل، دعا لولا إلى العمل على إيجاد عُملة بديلة للدولار الأميركي في المبادلات التجارية الدولية. وإضافة إلى التطورات المرتبطة بكل من الصين وروسيا، رفضت البرازيل التوقيع على قرار للأمم المتحدة يدين انتهاكات حقوق الإنسان في نيكاراغوا. كما سمحت البرزايل بدخول سفن حربية إيرانية إلى موانئها، رغم الضغوط الأميركية عليها لرفض استقبال هذه السفن.
وانطلاقاً من سياسة «عدم الانحياز»، دعت البرازيل خلال قمة أميركا اللاتينية في الشهر الماضي إلى تشجيع إطلاق عُملة تجارة إقليمية تتحدى هيمنة الدولار الأميركي، وتعزيز العلاقات بين دول أميركا اللاتينية تحت لافتة «اتحاد دول أميركا الجنوبية». ويمكن استخدام العُملة الموحدة المنتظرة في البداية في مبادلات «تكتل ميركوسور التجاري»، الذي يضم: الأرجنتين والبرازيل، وباراغواي وأوراغوي. وفي كلمة الافتتاح، اقترح الرئيس البرازيلي «تعزيز هوية أميركا الجنوبية في السياسة النقدية، من خلال آليات تعويض أفضل، وإنشاء وحدة معاملات مشتركة للتبادل التجاري، بدلاً من الاعتماد على العُملات الخارجية، خصوصاً الدولار».
وربما كان الحدث الأبرز في قمة أميركا الجنوبية هو احتضان لولا القوي لنظيره الفنزويلي، نيكولاس مادورو. فقد كان لقاء لولا ومادورو قبل انطلاق القمة يهدف إلى تأكيد لغة التصالح والتكامل في القمة.
في الوقت نفسه، يرى لولا أن الاتهامات الموجهة إلى مادورو بانتهاك حقوق الإنسان والحريات المدنية في بلاده، مجرد «رواية غربية»، وأدان العقوبات الأميركية على الحكومة الفنزويلية، باعتبارها «أسوأ من الحرب». كما أشار إلى أنه من «العبث» ألا تعترف بعض الحكومات بمادورو رئيساً منتخباً بشكل شرعي.
الرابح الأكبر
إذا نظرنا للمستقبل، بحسب سكوت ماكدونالد، فإن الرابح الأكبر من قمة أميركا الجنوبية هو الرئيس الفنزويلي مادورو. فالقمة قدمته كشخصية مهمة وقائد وطني يستحق الاحترام، رغم اتهامات الغرب له بقيادة دولة تشهد أكبر موجة هجرة ونزوح في النصف الغربي من الكرة الأرضية، مع ازدهار زراعة وتجارة المخدرات فيها، وانتهاك حقوق الإنسان وقواعد الحكم الديمقراطي.
لكن القمة اتخذت طابعاً أيديولوجياً يتمثل في الاستعداد للقبول بوجود حكام مستبدين، وهو ما يمكن أن يعقد أي محاولة لإقامة تكامل اقتصادي أعمق، خصوصاً في ظل احتمال حدوث تحوّلات سياسية في دول المنطقة نتيجة الانتخابات المختلفة. وإذا كانت حكومات يسار الوسط تسيطر حالياً على دول أميركا الجنوبية، فقد يتغير الوضع على المدى المتوسط، عبر الانتخابات، مثل الانتخابات المقررة في الأرجنتين في أكتوبر المقبل. وفي حين نجح لولا في عقد مؤتمر القمة بمشاركة كل قادة أميركا الجنوبية، باستثناء رئيس بيرو، الذي غاب لأسباب داخلية، وأكد الأهمية المتزايدة للبرازيل كجزء من عالم الجنوب، فمن غير المحتمل أن يكون للقمة نتائج ملموسة على صعيد السياسات الفعلية.
في الوقت نفسه، فإن لولا ومستشاريه السياسيين على صواب في القول إنه لكي يكون لأميركا اللاتينية ثقلها في الشؤون الدولية، يجب أن تتمتع بقدر أكبر من الوحدة.
ويؤكد ماكدونالد أن مزيداً من القمم على شاكلة القمة الأخيرة لن يحقق المطلوب، حيث إن التساهل مع الأفكار الأيدولوجية للمستبدين لا تحقق التكامل الاقتصادي. فقد نجح الاتحاد الأوروبي في المضي قدماً في مسار التكامل الاقتصادي، لكنه سعى جاهداً إلى الحفاظ على عضويته كناد ديمقراطي، وهو أمر كان يحتاج إلى مزيد من الاهتمام من جانب الرئيس البرازيلي.
• إذا كانت حكومات يسار الوسط تسيطر حالياً على دول أميركا الجنوبية، فقد يتغيّر الوضع على المدى المتوسط، عبر الانتخابات، مثل الانتخابات المقررة في الأرجنتين في أكتوبر المقبل.
• سياسة لولا لعدم الانحياز تعني أيضاً الانحياز إلى موسكو في الحرب الروسية - الأوكرانية، وتبقي على العلاقات الاقتصادية الوثيقة مع الصين.
• عدم الانحياز يعتبر رهاناً آمناً في عالم تتزايد فيه منافسة القوى العظمى. ومن وجهة نظر البرازيل لا يعتبر صعود الصين وعودة النفوذ الروسي تطوراً سيئاً بالنسبة لها، ولذلك لا ترى البرازيل لنفسها مصلحة في الانضمام إلى أي تحالف غربي ضد موسكو.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news