دمى «الماريونيت» تجول غزة.. وتبدد حركتها حياة الأطفال البائسة

عشرات الدمى متفاوتة الأحجام، الشهيرة باسم «دمى الماريونيت»، يصنعها مهدي الكريري من عجينة الأوراق الملونة، وأزياء يصممها بدقة متناهية، فيلصقها على قطع خشبية، مثبتة بخيوط طويلة، ليتحكم في تحريكها حسبما يشاء، وفقاً لحكاية يسردها بين الأطفال، فتأسر قلوبهم مباشرة.

وعبر مسرح جائل، تجتمع «دمى الماريونيت» في يدي مهدي، وكذلك 14 شاباً وشابة، لتبدد حركة خيوط الأجسام الصماء سكون حياة الأطفال، وتبيد بؤساً شديداً عكر صفو أيامهم طويلاً،، فتعيد إلى هذه البقعة الصغيرة المحاصرة الحياة من جديد، مزيلة سواد الأيام القاتم.

المسرح الجائل للدمى المتحركة في قطاع غزة، يعد فكرة إبداعية، تستهدف الأطفال في مختلف المناطق، خصوصاً المهمشة والحدودية النائية، للترفيه عنهم، وتعبيراً عن مشاكل المجتمع والتوعية بقضاياه، خاصة المتعلقة بالعنف ضد النساء والأطفال.

الصانع الوحيد

مهدي الكريري، 41 عاماً، صانع «دمى الماريونيت» الوحيد في غزة المحاصرة، والذي ابتكر منها عروضاً مسرحية ترفيهية وتربوية في الوقت

ذاته، ليؤسس بذلك المسرح الجائل المتخصص بهذا النوع من المجسمات الفنية. ويشرح صانع «دمى الماريونيت» الوحيد طريقة إنتاجها، «إن عملية تشكيل الدمى تبدأ بإعداد عجينة الورق، التي تمزج بمادة الصمغ، فيتكون جسداً كاملاً، لينحت بعد ذلك حسب شخصية المجسم الفني الأصم في طي صفحات نص العرض المسرحي، ومن ثم تثبيت الشعر والعيون لكل دمية، لتصبح جاهزة للعرض بعد تزيينها بالملابس الخاصة بها، ذات الألوان الزاهية».

ويبين الكريري لـ«الإمارات اليوم» آلية تحريك دمى الماريونيت على خشبة المسرح، إذ إن الدمى التي يجب ألا يتجاوز وزنها قدرة حاملها، تربط بالأصابع جيداً، ليتناسق تحريكها مع صوت حاملها، خلال سرده نص قصة العرض المسرحي، المعد قبل صناعة الدمية ذاتها. ويسترسل صانع «دمى الماريونيت» بالقول، «إنني لم أشعر بالسعادة في حياتي مطلقاً قبل ما قدمته من عرض مسرحي للدمى المتحركة داخل إحدى المناطق المهمشة النائية في القطاع، فقد عشت السعادة الحقيقية فور نجاحي في رسم الابتسامة على وجوه أطفال هذه المنطقة». ويأمل كريري أن يتوفر داخل حدود غزة مسرح ثابت، يختص بعروض «دمى الماريونيت»، لينثر الفرحة في كل حدب وصوب، ما يسهم في علاج الكثير من الصدمات النفسية التي يواجهها أطفال تلك المناطق دون انقطاع.

عروض مسرحية متنقلة

مركز التنمية والإعلام المجتمعي في غزة، استوحى من فن «دمى الماريونيت» التي يصنعها الكريري فكرة العروض المسرحية المتنقلة، باستخدام الدمى المتحركة، لتصل إلى كل منطقة بسهولة متناهية، بواسطة مجسمات صماء لديها القدرة على جذب اهتمام الأطفال، وإضفاء أجواء الفرحة على مناحي حياتهم اليومية.

وتوضح مديرة البرامج في مركز التنمية والإعلام المجتمعي خلود السوالمة، أن الهدف الرئيس من عروض مسرح الدمى الجائل، تسليط الضوء على القضايا المجتمعية المهمة التي لا يمكن الحديث عنها مباشرة مع الجمهور، منها، التمييز بين الأطفال، والتنمر، وحقوق المرأة، ونبذ العنف ضد النساء والأطفال، وذلك القائم على النوع الاجتماعي.

وتمضي السوالمة بالقول، «إنه لأجل معالجة تلك القضايا بأثر كبير، وظفنا مسرح دمى الماريونيت الجائل أداة مبتكرة لإثارة مثل هذه القضايا بشكل كوميدي يجذب اهتمام الأطفال، لننجح في نشر رسالة القيم المجتمعية المراد تحقيقها بين فئات المجتمع

كافة». وتشير إلى أن مشروع مسرح الدمى التابع لمركز التنمية والإعلام المجتمعي يشرف عليه 14 من الشباب واليافعين والهواة والفنانين، يكتسبون المهارات المسرحية ومسرح المحاكاة باستخدام «دمى الماريونيت».

وتسترسل السوالمة، «إن فريق المسرح الجائل الفني متكامل الأدوار المختلفة، إذ يشرف على كتابة سيناريو العروض المسرحية، وصناعة شخصيات الدمى، وأشكالها، وملابسها، وكذلك تحرك أيديهم تلك الدمى من أعلى خشبة المسرح، وفقاً للنصوص التي تخطها أيديهم أيضاً».

كلام ريهام

من أكثر العروض المسرحية التي لاقت رواجاً كبيراً بين الأطفال في مختلف مناطق القطاع، مسرحية «كلام ريهام»، من تنفيذ مركز التنمية والإعلام المجتمعي التي تسرد على مدار 20 دقيقة متواصلة مشاهد واقعية تشهدها الغالبية العظمى من البيوت الفلسطينية، فالشخصية الرئيسة في مسرحية دمى الماريونيت «ريهام»، التي تعاني من تمييز عائلتها بينها وبين شقيقها الأكبر منها «وائل»، لتحرم نتيجة ذلك الكثير من حقوقها كطفلة.

ومنذ صيف عام 2022، حتى هذه اللحظة، تتشبث شخصيات «كلام ريهام» بخشبة مسرح متنقل يجوب المدارس ومؤسسات المجتمع المدني وجمعيات الكفولة، برعاية من مؤسسة التنمية والإعلام المجتمعي، ومؤسسات دولية، أبرزها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا». ومن بين هذه العروض، شهده يوم 13 من شهر يونيو الجاري، والذي احتضنته جمعية فرسان الغد، شمال قطاع غزة، بمشاركة أطفال المنطقة المجاورة، وذويهم.

وأثناء تواصل هذا العرض الفني، كانت الطفلة تولين صقر تتابع حديث الدمى الست بتركيز عال، فيما تنسجم مع الحكاية التي تسردها حركة هذه الأشكال الفنية الصماء، لتتعالى ضحكاتها بعد انتهاء كل دمية من الحديث. وتقول تولين ببراءة متناهية،» إن مجسمات الدمى تحاكي طفولتنا، حيث الأشكال المختلفة، ذات ألوان زاهية، فيما تطابق أحداث العرض المسرحي لمعاناة تواجهها زميلتي في المدرسة «ميرا»، إذ يفضل والداها شقيقها الأكبر منها بعامين، في جل جوانب حياتهم اليومية».

وعقب عرض «حكاية ريهام»، عبر الطفل يامن نعيم عن سعادته في هذا العرض المسرحي، الذي تجتمع بين سطور نصه مشاهد ترفيهية، إلى جانب قيم ومبادئ تربوية. ويقول بابتسامة عريضة، «إن هذه المسرحية ترفه عنا كأطفال، عبر أشكال الدمى التي تأسر القلوب، وتلامس حركتها ومضمون حديث شخصياتها العقول، فأنا شعرت بسعادة كبيرة خلال مشاهدتي للمسرحية، وتزودت بقيم تزرع المساواة بيني وشقيقتي، في جميع مجالات الحياة، والتي يلازمنا أثرها منذ الصغر حتى الكبر».

• المسرح الجائل للدمى المتحركة في قطاع غزة، يعد فكرة إبداعية، تستهدف الأطفال في مختلف المناطق، خصوصاً المهمشة والحدودية النائية، للترفيه عنهم، وتعبيراً عن مشاكل المجتمع والتوعية بقضاياه، خصوصاً المتعلقة بالعنف ضد النساء والأطفال.

الأكثر مشاركة