الولايات المتحدة تسعى لإنشاء نوع من الشراكات الدولية لخلق توازن مع الصين. ■ أ.ب

السياسة الخارجية للولايات المتحدة تشهد تعديلاً بعد زيارة ناريندرا مودي

في الوقت الذي كان يكمل فيه رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي زيارته الرسمية للولايات المتحدة، وبعد الاجتماع التاريخي لمستشاري الأمن القومي للولايات المتحدة واليابان والفلبين في مانيلا، تواصل الولايات المتحدة تطوير شبكتها من الشراكات المرنة والمؤسسات والتحالفات ومجموعات الدول في جميع أنحاء العالم لتحقيق توازن مع الصين.

ويرى المحلل الأميركي نيكولاس جفوسديف، أستاذ دراسات الأمن القومي في الكلية الحربية البحرية الأميركية مدير برنامج الأمن القومي في معهد أبحاث السياسة الخارجية، أن التحدي الذي يواجه المؤسسة السياسية الأميركية هو كيفية منع هذه الشراكات من الانحراف عن مسارها، ولذلك، لا تعني حقيقة أنه ربما يجد تحالف من الدول توافقاً وثيقاً للغاية بشأن قضية بعينها (أو مجموعة من القضايا)، ويبحث عن وسائل لتسهيل العمل المشترك أن هناك انسجاماً كاملاً للمصالح أو اتفاقاً كاملاً على كل القضايا.

وقال جفوسديف، في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنترست الأميركية، إنه عندما يفسح اليوم صعود الصين المجال لتنسيق أكبر بين دول الجنوب العالمي وفرص تحوط أكبر، فإن دولاً أخرى تصبح لديها خيارات بينما تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ ضئيل.

ويعني نهج الشبكة للتعامل مع الشؤون الدولية أن خليط الالتزامات والواجبات تجاه شركاء آخرين، سيختلف على أساس كل حالة على حدة. فعلى سبيل المثال، فإن المشاورات الأمنية بين اليابان وجمهورية الفلبين والولايات المتحدة، التي يقول كاتب العمود بصحيفة واشنطن بوست، جوش روجين، إنها ربما تبشر بظهور تحالف جاروبوس الثلاثي، (جاروبوس هي الحروف الأولى من أسماء اليابان والفلبين والولايات المتحدة) مترسخة بشكل قوى في تقييم تهديد مشترك نابع من جهود الصين لمد مجال نفوذها البحري.

ولا يعني هذا بشكل تلقائي أن تحالف جاروبوس سيتحرك على غرار الشراكة بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة (أوكوس)، حتى على الرغم من أن تحالف أوكوس موجود أيضاً للرد على تحسين الصين لقدراتها البحرية في حوض المحيطين الهندي والهادئ.

وينطوي تحالف أوكوس على سبيل المثال على مستوى للاندماج التكنولوجي والصناعي الدفاعي، وهذه ليست خطوة تبدى اليابان أو الفلبين الشريكتان في تحالف جاروبوس الثلاثي استعداداً للإقدام عليها. ولا يفترض هذان التحالفان (جاروبوس وأوكوس) ظهور تحالف أمني مشترك مع الهند من خلال تحالف كواد (الذي يضم اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة).

وتابع جفوسديف أنه يمكن أن يبدو مغرياً وضع كل هذه التطورات في الاعتبار، واستنتاج أن النتيجة النهائية هي تأسيس تحالف شامل شبيه بحلف شمال الأطلسي (ناتو). ولكن حتى الناتو قائم على أساس سلسلة من القيود، حيث إنه يقتصر جغرافياً على منطقة شمال الأطلسي، وبين دول تشارك في شبكة كبيرة ومتداخلة من المصالح الاقتصادية، واتفاق عام على قضايا القيم والحوكمة.

وأوضح جفوسديف أنه حتى حلفاء الناتو يقاومون بشدة غالباً توسيع نطاق التزاماتهم لمساعدة الولايات المتحدة في مناطق أخرى من العالم. وتُظهر العلاقات الهندية الأميركية تحديات التحرك في إطار علاقة شبكية. وعندما يتعلق الأمر بصعود الصين كدولة تمثل تحدياً إقليمياً وعالمياً، تتشارك الولايات المتحدة والهند في تقييمات استراتيجية ومخاوف مشتركة.

وبالنسبة لأميركا التي تسعى لتغيير مسارات سلاسل الإمداد المهمة حول الصين المنافسة، تعد الهند جزءاً لا يتجزأ في سلسلة إمداد آسيوية قوية. ولكن مصالح الهند الاستراتيجية تختلف عن مصالح واشنطن عندما يتعلق الأمر بروسيا وإيران.

وفيما يتعلق بمجموعة كاملة من القضايا المرتبطة بالتفاهمات الخاصة بحقوق الإنسان، وما يشكل حوكمة ديمقراطية، لدى الهند استعداد للتصدي لجهود الولايات المتحدة التي تقضي بأن المعايير الأميركية (أو الغربية) تشكل المعيار العالمي الذي يتم على أساسه قياس كل الدول الأخرى.

وأضاف جفوسديف أن التحدي بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، في الفترة السابقة لزيارة مودي، كان يتمثل فيما إذا كان من الممكن تحصين التعاون الأميركي الهندي في المجالين الأوليين (سلاسل الإمداد وروسيا وإيران) ضد الانتقاد، وبصفة خاصة من أعضاء الكونغرس، فيما يتعلق بانحراف الهند عن تفضيلات الولايات المتحدة في المجالين الأخيرين (حقوق الإنسان والحوكمة الديمقراطية).

ويركز النهج متعدد الأطراف المصغر على إقامة تحالفات يتم تحديدها بمجموعة صغيرة من القضايا. ويعني هذا أيضاً أنه يتعين أن تصبح الولايات المتحدة أكثر ارتياحاً مع الترتيبات متعددة المستويات، بحيث تعترف الولايات المتحدة، بجانب مجموعة أساسية صغيرة من الحلفاء (مثل المملكة المتحدة أو ألمانيا أو اليابان)، تشارك في رؤية مشتركة متداخلة عبر طيف كامل من القضايا الأمنية والسياسية والاقتصادية، بمجموعة أكبر من الشركاء الذين يلتزمون بعض الالتزامات، وليس كلها.

ولكن نهج شراكة متعدد الأطراف والمستويات يحول أساس الانخراط بعيداً عن الأطر العريضة لتحالف صوب التفاوض على اتفاقات معينة ومركزة مع دول أخرى، لا تطرح واجبات معينة فحسب، بل أيضاً الفوائد التي يتوقع كلا الطرفين الحصول عليها، مع التفهم الذي مفاده أن أي قضايا أخرى لا تشملها هذه الاتفاقات لن تغير الاتفاق. ولا يحب الكونغرس بصفة خاصة مطلقاً نهج الشراكة متعددة الأطراف المصغرة، حيث يمقت الأعضاء التخلي عن سلطة الإصرار على ضرورة الامتثال لكل طلب أو التماس محتمل.

وقاومت إدارة بايدن تلك الاتجاهات مع زيارة مودي بسبب الأهمية الاستراتيجية للهند لاستراتيجية الولايات المتحدة بالنسبة لضرورة أن يكون هناك «حوض للمحيطين الهندي والهادي حر ومفتوح». ولكن في سياق المنافسة الاستراتيجية مع الصين، يمكن أن يؤدي نهج أسود أو أبيض تجاه الشركاء لنتائج عكسية وبصفة خاصة عندما تكون بكين مستعدة للتعامل في ظلال رمادية.

• عندما يفسح اليوم صعود الصين المجال لتنسيق أكبر بين دول الجنوب العالمي وفرص تحوط أكبر، فإن دولاً أخرى يصبح لديها خيارات، بينما تتمتع الولايات المتحدة بنفوذ ضئيل.

• في سياق المنافسة الاستراتيجية مع الصين، يمكن أن يؤدي نهج أسود أو أبيض تجاه الشركاء لنتائج عكسية، وبصفة خاصة، عندما تكون بكين مستعدة للتعامل في ظلال رمادية.

الأكثر مشاركة