نساء وأطفال مخيم جنين غادروا منازلهم قسراً تحت القصف وطلقات الرصاص

داخل مساحة تبلغ 37 كيلومتراً مربعاً، نفذت قوات الاحتلال أكبر عملية عسكرية تشنها في الضفة الغربية المحتلة منذ عام 2002، مرتكبة أبشع صور المآسي الإنسانية ضد المدنيين في مدينة جنين شمال الضفة الغربية، ومخيمها للاجئين، الواقع في جهتها الغربية. وأثناء ذلك، حاصرت قوات الاحتلال من جميع الجهات مخيم جنين ثاني أكبر مخيم في الضفة بعد مخيم بلاطة بنابلس، على مساحة 473 دونماً، ومنعت الدخول أو الخروج منه.

ومنذ اليوم الأول للعملية العسكرية في الثالث من شهر يوليو الجاري، أبلغت مخابرات الاحتلال الإسرائيلي عائلات فلسطينية كثيرة داخل المخيم بقرارات قصف منازلها، بحجة وجود مقاتلين داخلها، في حين اضطر عدد كبير من أهالي المخيم إلى الخروج مع أطفالهم بحثاً عن أقرب نقطة آمنة.

نزوح مرعب

أعادت هذه العملية مشاهد النزوح ثانية لسكان مخيم جنين، الذي يقطنه 11 ألفاً و674 لاجئاً، وفقاً للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، إذ هجروا من منطقة الكرمل وجبالها في مدينة حيفا بالداخل الفلسطيني المحتل، وقرى تابعة لجنين احتلت عام 1948. وفي حديث مقتضب مع «الإمارات اليوم»، يقول غسان نغنغية، من سكان حي الزهرة بمخيم جنين: «إنه أثناء عملية نزوحنا وسكان مخيم جنين من منازلنا، تعرّضنا لإطلاق الأعيرة النارية الحية، وقنابل الغاز المسيل للدموع من قبل جنود الاحتلال». ويضيف: «إنه نتيجة ذلك، عم صراخ الأطفال والنساء شوارع المخيم المنكوب، قبل مغادرته قسراً».

وفي مستشفى جنين الحكومي، وساحات مستشفى ابن سينا التخصصي بمدينة جنين، وفي أروقة بلدية المدينة، استقر آلاف من سكان المخيم المدنيين، بعد إجبارهم على النزوح من منازلهم في مخيم جنين، من قبل جنود الاحتلال، بينما كانت عملياتهم العسكرية متواصلة ضد جنين ومخيمها، بحسب نغنغية. ويصف نغنغية، الذي قتل الاحتلال طفلته (سديل) يوم 21 من شهر يونيو الماضي، عملية نزوحهم من منازلهم في مخيم جنين بالمرعبة، فالآليات العسكرية تتمركز على مداخل المخيم، والقناصة الإسرائيليون ينتشرون على أسطح المنازل، بينما لم تترك الطائرات المسيّرة سماء المخيم منذ ساعات الفجر الأولى للعملية العسكرية.

من جهة ثانية، أفاد الصحافي الفلسطيني، عميد شحادة، من سكان جنين، بأن أحداث العملية العسكرية الإسرائيلية داخل المخيم مأساوية وكارثية إلى حد كبير.

ويقول شحادة: «إن المشاهد داخل مخيم جنين مروعة، شاهدت رجالاً يضربون رؤوسهم بالجدران من شدة القهر، لعجزهم عن حماية عائلاتهم وأطفالهم».

ويضيف: «إن الأطفال والنساء تعرّضوا لخطر حقيقي، وفجيعة إنسانية، يدوم أثرها طويلاً، فلم يتوقفوا عن البكاء والصراخ أثناء مغادرة منازلهم تحت وقع القصف المروحي، واستمرار عمليات إطلاق النار من داخل الآليات العسكرية المنتشرة في جميع أنحاء جنين».

ويبين الصحافي الفلسطيني أن سيارات إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني تولت مهمة نقل النازحين بعد مغادرتهم منازلهم تحت وقع القصف وإطلاق القذائف والنيران الإسرائيلية، إلى مستشفى جنين الحكومي، والأماكن الآمنة.

حصار بالموت

وتعرّض شحادة والطواقم الصحافية الفلسطينية داخل مخيم جنين للعنف ذاته، الذي تعرّض له سكانه، حيث حاصرتهم قوات الاحتلال داخل منزل لأكثر من ساعتين، بعد إطلاق الأعيرة النارية الحية صوبهم مباشرة، وتحطيم كاميراتهم، وأجهزة البث الفضائي. ويقول الصحافي الفلسطيني: «شعرت بغصة شديدة لحظة مغادرة مخيم جنين مرغماً بسيارة إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني، التي حضرت لإنقاذنا، فيما تحاصر العائلات خلفنا بالموت، حرفياً إنها محاصرة بالموت».

ويتفق الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، عدنان الصباح، من سكان مدينة جنين، مع ما وصفه الصحافي شحادة، حول حصار سكان مخيم جنين. ويقول الصباح لـ«الإمارات اليوم»، في حديث خاص: «إن سكان مخيم جنين هم لاجئون، والاحتلال يعيد اليوم مشهد ترحيلهم ثانية، فقد أجبر الآلاف منهم على مغادرة منازلهم، ليحولها إلى ثكنات عسكرية، يستخدمها القناصة الإسرائيليون من خلال ثقب جدرانها، وكذلك هدمها للتسلل عبرها إلى منازل المخيم».

ويضيف الصباح: «رحل من المخيم ما يقارب 4000 من السكان، ومن بقي بأعداد كبيرة داخل منازلهم يعيشون حالة مأساوية للغاية، واجهوا حصاراً مطبقاً من جميع الجهات، بواسطة الآليات العسكرية، المعززة بطائرات الاستطلاع و(الأباتشي)، فيما أعطبت جرافات الاحتلال خطوط المياه والكهرباء داخل المخيم، نتيجة تجريف قوات الاحتلال للطرقات». ويقول: «إن السكان المحاصرين داخل منازلهم كان من الصعب عليهم مغادرة المخيم، فيما يمنع الاحتلال دخول أي مواطن إليه، ويمنع إدخال المساعدات والمياه والغذاء للمدنيين».

تدمير هائل

في سياق آخر، قالت وزارة الاقتصاد الفلسطيني في الرابع من يوليو الجاري: «إن العدوان الإسرائيلي ضد محافظة جنين يستهدف البنية التحتية لاقتصاد المحافظة، حيث تعمد قوات الاحتلال تدمير الخطوط الرئيسة لشبكات المياه والكهرباء، خصوصاً في مخيم جنين، وتجريف الطرق والأراضي الزراعية، واستهداف منازل المواطنين وممتلكاتهم بالصواريخ».

ويخسر اقتصاد جنين ما يزيد على ثمانية ملايين دولار أسبوعياً في حال استمر العدوان الإسرائيلي، إضافة الى تعطل 14 ألف منشأة، إذ إن جميع أنشطة الحركة الصناعية والتجارية والخدمات توقفت عن العمل، نتيجة الحصار المفروض على جنين وجرّاء ذلك، تعطلت حركة المواطنين الفلسطينيين من داخل أراضي الداخل الفلسطيني المحتل، التي تعد من أهم مصادر الحركة الشرائية في جنين، إضافة إلى جانب منع التجار من إدخال السلع والبضائع نتيجة إغلاق حاجز الجلمة العسكري، الذي يعزل جنين عن بقية مدن الضفة.

• في ساحة مستشفى ابن سينا التخصصي، وفي أروقة بلدية مدينة جنين، استقر آلاف من سكان المخيم المدنيين، بعد إجبارهم على النزوح من منازلهم.

• سكان وصفوا عملية نزوحهم من منازلهم في مخيم جنين بالمرعبة، فالآليات العسكرية تتمركز على المداخل، والقناصة الإسرائيليون ينتشرون على أسطح المنازل، والطائرات المسيّرة تحلق في السماء.

الأكثر مشاركة