تُضعف من أمن إسرائيل كلما توسعت أكثر
كيفية معالجة إسرائيل من الإدمان على المستوطنات
جوناثان زيلوف
«من هي القوة العظمى هنا؟».. هذا ما قاله الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون بعد لقائه مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو للمرة الأولى عام 1996. وكلما تغيرت الأمور يزداد بقاؤها كما هي، كما يقال. وبعد بضعة أشهر من تقديمها الوعود للولايات المتحدة، والسلطة الفلسطينية، والأردن، ومصر، بأنها ستمتنع عن توسيع المستوطنات، أعلنت حكومة رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو عن 4000 وحدة سكنية جديدة، إضافة إلى القيام بإجراءات جديدة لإنشاء مزيد من هذه الوحدات السكنية، ولم يكن رد فعل الولايات المتحدة التي بدا أنها «منزعجة للغاية» أو «قلقة»، أكثر من كونه مثيراً للشفقة.
والجواب الأكثر قوة على ذلك هو إذا كانت إسرائيل تملك الكثير من المال لإنفاقه على المستوطنات فهي ليست بحاجة إلى مساعدة الأميركيين الأمنية، لهذا يجب على الولايات المتحدة أن تقلص دولارين من المساعدات العسكرية لإسرائيل مقابل كل دولار تستخدمه هذه الأخيرة لبناء المستوطنات، ويجب أن تكون الرسالة واضحة ومفادها أن التحالف هو طريق ذو اتجاهين.
ولن تشكل هذه السياسة أي خطر عسكري أو نفسي على إسرائيل، بسبب الحجم الهائل للمساعدات التي تتلقاها، وحتى خلال حرب أوكرانيا كانت إسرائيل أكبر متلقٍّ للمساعدات الأميركية في العالم.
فرصة فريدة
ولكن ذلك يمكن أن يزعج إسرائيل مالياً، وهذا هو المقصود. وتتلقى إسرائيل مساعدات بشروط تفضيلية على نحو فريد، وهو ما لا تتمتع به أي دولة أخرى في العالم. وعلى سبيل المثال، تتلقى إسرائيل التمويل بمبالغ مقطوعة، ويمكنها أن تضعها في حسابات أميركية وتحصل على فائدتها، الأمر الذي يضيف مبالغ أخرى إلى هذه الأموال، ويجب على الولايات المتحدة أن تحصل على شيء مقابل هذا المال.
ويمثل النشاط الاستيطاني فرصة فريدة لفرض شروط على المساعدات المقدمة إلى إسرائيل. وركزت بعض الاقتراحات على نشاطات الجيش الإسرائيلي، وعلى انتهاكاته لحقوق الإنسان، وهي نتاج شجرة مسمومة، وهي تمثل بصورة رئيسة المشاريع الاستيطانية ذاتها، وإضافة إلى ذلك فإن انتقاد القرارات التي يتم اتخاذها في خضم العمليات العسكرية للجيش الإسرائيلي شيء، وتشكيل المستوطنات كاستراتيجية مدروسة ومتعمدة شيء آخر. والأفضل التركيز على الذين يتخذون هذه القرارات، وليس المجندين في الجيش الإسرائيلي الذين يحاولون التعامل مع وضع صنعه قادتهم السياسيون.
سرطان المستوطنات
يرى جلعاد كاريف من حزب العمل، وهو على حق، أن المستوطنات تقوض أساسات الدولة اليهودية الديمقراطية، وبالتالي فإن أفعال الحكومة الإسرائيلية تمثل اندفاعاً نحو دولة ثنائية القومية، ولهذا ليس من المستغرب أن الزعيم الإسرائيلي الراحل إسحق رابين وصف المستوطنات عام 1976 بأنها «سرطان» يهدد بتشكيل حالة من الفصل العنصري الإسرائيلية (الأبارتهايد).
ولكن الأمور أكبر من ذلك، فعملياً تعمل جميع المستوطنات على تقويض الأمن الإسرائيلي، وتؤدي حماية المستوطنين إلى استنزاف كبير للجيش الإسرائيلي، وجهاز الأمن الداخلي المعروف بـ«شين بيت»، وكما شهدنا الأسبوع المنصرم فإن قوات الأمن تجاهلت المذابح التي ارتكبها المستوطنون، والتي ينجم عنها مشكلات أكبر، إضافة إلى انتهاك مبادئ حقوق الإنسان الدولية. وكان رئيس جهاز شين بيت، رونين بار قد أشار إلى هجمات المستوطنين على الفلسطينيين بأنها مذابح. وقال بإيجاز: «ثمة خطر مباشر على المستوطنين في مواجهة الهجمات الانتقامية للفلسطينيين التي تربك عمل قواتنا في التعامل مع هذه المشكلات».
ولا ينبغي لأحد أن ينخدع بالدعاية بشأن الرأي القائل بمساهمة المستوطنات في «العمق الاستراتيجي»، فهذا النوع من الصراع التقليدي العسكري هو أسهل مشكلات إسرائيل الأمنية، ولن تساعد المستوطنات على حماية إسرائيل من صواريخ «حزب الله» أو إيران، أو من أكبر تهديد أمنى لإسرائيل وهو قيام الحكومة الإسرائيلية بتقويض المؤسسات الديمقراطية للدولة، ورفضها الاندماج مع الأقلية العربية على أساس المواطنة المتساوية، ومحاولاتها تحويل الأجهزة الأمنية المحترفة إلى أتباع مخلصين لأعضاء الحكومة.
تناقص دعم إسرائيل وسط يهود أميركا
وفي كل الأحوال، فإن اللوبي المؤيد للمستوطنين يعمل منذ سنوات عن عمد على إرباك أنصار إسرائيل عن طريق الخلط بين المستوطنات التي تقوض الأمن مع الاحتلال الذي نجم عن حرب يونيو، والتي لاتزال بلا حل حتى الآن. ويمكن أن يؤدي ربط المساعدات العسكرية مع توسع المستوطنات إلى تبديد هذا الإرباك عن طريق التوضيح الذي لا لبس فيه أنه كلما ازداد توسع المستوطنات العسكرية تناقص أمنها.
وإسرائيل ليس لها أي حق في الاحتجاج على تخفيض المساعدات الأميركية، ولن يحدث أي تخفيض طالما أن إسرائيل تحترم التزاماتها، وأي تخفيض في المساعدات سيكون خيار إسرائيل وليس واشنطن، ولا شك بأن إدارة الرئيس جو بايدن ستكون حذرة في التعامل مع هذا النهج، خصوصاً قبل عام من الانتخابات، ولكن دعم إسرائيل بين الأميركيين، خصوصاً بين اليهود الأميركيين قد انهار. ووفق ما ذكرته مؤسسة «غالوب»، فإن الديمقراطيين متعاطفون مع الفلسطينيين أكثر، كما أن دعم المستقلين لإسرائيل هو الأقل على الإطلاق، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى إدمان إسرائيل على المستوطنات.
ولكن في نظام حكم منقسم على نفسه إلى حد كبير، يجب تقليل خسارة الأصوات إلى أقصى حد ممكن، فهي أكثر أهمية من البدء بهذا الحوار الآن، وإذا أعيد انتخاب بايدن للمرة الثانية فيجب على الرأي العام أن يكون مستعداً، وفي هذه المرحلة يجب أن تكون الرسالة الموجهة إلى حكومة إسرائيل وقواتها العسكرية واضحة تماماً ومفادها: إذا فقدتم قطع غيار للطائرات فاذهبوا وأحضروها من المستوطنين؛ لأنهم هم السبب الذي يجعلكم غير قادرين على الحصول عليها.
أستاذ جامعي في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا
■ لا ينبغي لأحد أن ينخدع بالدعاية بشأن الرأي القائل بمساهمة المستوطنات في «العمق الاستراتيجي»، فهذا النوع من الصراع التقليدي العسكري هو أسهل مشكلات إسرائيل الأمنية.
■ وفق ما ذكرته مؤسسة «غالوب»، فإن الديمقراطيين متعاطفون مع الفلسطينيين أكثر، كما أن دعم المستقلين لإسرائيل هو الأقل على الإطلاق.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news