منازل «أم طوبا» تختفي و«هارحوما» تتمدد
على بعد أمتار قليلة من مستوطنة «هارحوما»، الجاثمة أعلى جبل أبوغنيم، الواقع داخل أراضي فلسطينيي بيت لحم بالضفة الغربية، ومدينة القدس المحتلة، أجبرت بلدية الاحتلال في الثاني من شهر يوليو الجاري الفلسطيني عبدالكريم أبوطير، من سكان قرية أم طوبا جنوب القدس، على هدم أجزاء من منزله ذاتياً، بحجة عدم الترخيص، ليصبح التشرد مصير عائلته المكونة من ستة أفراد.
وفي الثاني من شهر يونيو الماضي، أُجبر عمه عبدالستار أبوطير، ونجله إبراهيم، قسراً على هدم منزلهما، بجوار منزل عبدالكريم، للحجة
ذاتها. ويأتي ذلك في ظل سياسة تضييق بلدية الاحتلال بالمدينة المقدسة على أهالي قريتي «أم طوبا» و«صور باهر» جنوب القدس، إذ تمنعهم من التوسع والبناء، حتى تختفي منازلهم من فوق أرضهم، في وقت يشهد توسعة متسارعة لمستوطنة «هارحوما».
وشهدت مدينة القدس خلال النصف الأول من العام الحالي 96 عملية هدم أو إغلاق منازل، بينها 31 عملية نفذت بأيدي أصحابها (هدم ذاتي)، تفادياً للاعتقال، ودفع غرامات مالية باهظة مقابل أجرة طواقم وآليات البلدية، حال تولت عملية الهدم.
هدم نصف المنزل
ويقول عبدالكريم أبوطير لـ«الإمارات اليوم»: «إن أيام عيد الأضحى المبارك كانت قاسية بالنسبة لعائلتي، إذ اقتحمت طواقم بلدية الاحتلال برفقة قوات من الشرطة الإسرائيلية منزلي مرات عدة، وطالبتني بتنفيذ الهدم لنصف غرف المنزل، وهي عبارة عن غرفة للأطفال، وصالة المنزل، بحجة عدم الحصول على ترخيص للبناء».
ويضيف أبوطير: «إن جميع أطفالي، خصوصاً شهد (خمسة أعوام)، أصيبوا بحالة ذعر شديدة، فبدلاً من قضاء أجواء العيد كغيرهم من الأطفال، قضوا أيامه على مشاهد الجنود والآليات العسكرية».
وكرر الاحتلال ذلك على مدار أيام العيد الأربعة، وما بعدها، لتهديد عبدالكريم بأنه في حال عدم الالتزام بهدم أجزاء المنزل، فإنه سيدفع غرامة مالية قيمتها 100 ألف شيكل، كلفة تنفيذ طواقم بلدية الاحتلال عملية الهدم، حتى أجبر على هدم «شقاء السنين» بيده، فيما توالت دموع طفلته (شهد) في الانهمار، وهي تشاهد غرفتها تتحول إلى كومة من الركام.
ويقول عبدالكريم «قبل سنوات
عدة أضفت البناء داخل منزلي، بعد ازدياد أفراد أسرتي، إذ خصصت ذلك لإنشاء غرفة واحدة لأطفالي الأربعة، وحاولت الحصول على التراخيص لذلك من بلدية الاحتلال على مدار الأعوام الماضية، ولكن بدلاً من الحصول على الموافقة، فرضت البلدية بحقي مخالفات بناء، وصولاً إلى إجباري على الهدم».
15 فرداً بلا مأوى
على بُعد أمتار من منزل عبدالكريم، لم يجد إبراهيم أبوطير ووالده عبدالستار ملاذاً يؤوي عائلتهما المكونة من 15 فرداً، سوى اللجوء إلى منازل الأقرباء، بعد أن هدما منزلهما قسراً تنفيذاً لقرار بلدية الاحتلال.
ويقول الشاب إبراهيم، بينما كان يقف بجوار ركام منزله: «إنه منذ أن هُدم منزلي ووالدي نعيش داخل منازل أقاربنا المجاورة، ولكن للأسف فإنها وبيوت العائلات الأخرى مهددة بالهدم في أي وقت، تماماً كما حدث مع ابن عمي عبدالكريم».
ويلفت إلى أنه أجبر ووالده على هدم منزلهما، بعد صدور قرار عن محكمة بلدية القدس يقضي بهدمه، بحجة البناء دون ترخيص، ورفض المحكمة طلب الاستئناف الذي تقدم به المحامي الخاص به.
ويقول أبوطير: «إن لم أهدم منزلي بيدي، سأتعرض للاعتقال من قبل القوات الإسرائيلية، لتهدمه طواقم بلدية الاحتلال، فيما سأجبر على دفع غرامة مالية باهظة قدرها أكثر من تكاليف تراخيص البناء التي يرفض الاحتلال على مدار أعوم طويلة منحنا إياها».
وبضيف: «منزلي ومنزل والدي تبلغ مساحتهما 130 متراً، عبارة عن بناء قديم منذ 15 عاماً، وتقدمت لبلدية الاحتلال بمشروع لتنظيم البناء والأرض، وحضر مهندسون للعمل وتنفيذ إجراءات ذلك، لكن البلدية رفضته».
وينوه الشاب إبراهيم إلى أنه دفع لبلدية الاحتلال 250 ألف شيكل، على مدار أربع سنوات متتالية، كمخالفات، في سبيل الحصول على ترخيص البناء، وفي نهاية المطاف أجبرته البلدية على هدمه بحجة عدم الترخيص، كما فرضت البلدية بحق والده، العام الماضي، غرامة مالية كمخالفة بناء أيضاً قدرها 50 ألف شيكل.
قضم لا يتوقف
قرية «أم طوبا» ذات موقع أثري يحتوي على صهاريج محفورة في الصخر وكهوف وتيجان وأعمدة، تم الفصل بينها وبين «بيت ساحور» المجاورة عن طريق مستوطنة «هارحوما»، التي تم إنشاؤها عام 1997، فوق مساحة قدرها 2600 دونم، داخل أراضي قرى «أم طوبا»، و«بيت ساحور»، و«صور باهر»، وذلك بحسب مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، زياد حموري.
ويشير حموري في حديثه مع «الإمارات اليوم» إلى أن الاحتلال صادر آلاف الدونمات من أراضي «أم طوبا» لإقامة مستوطنات عليها، وكذلك شق الطريق الالتفافي الاستيطاني رقم 398.
ويلفت إلى أن بلدية الاحتلال في القدس، وبحجة التطوير والتشغيل، وافقت نهاية عام 2021 على مخطط لإقامة ما سمته «مجمع تجاري وتشغيل»، فوق مساحة قدرها 66 دونماً، داخل أراضي المقدسيين بقرية «أم طوبا»، بحجة التطوير والتشغيل، إلى الشرق من مستوطنة «هارحوما».
ويسترسل حموري: «إنه مقابل ذلك، تشهد قرية (أم طوبا) اكتظاظاً سكانياً، نتيجة تقييد التوسع العمراني لهم، من قبل بلدية الاحتلال، فالوحدات السكنية والمنازل القائمة حالياً لا تتسع لأعداد السكان المتزايدة».
ويبين مدير مركز القدس للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن 72% من سكان المدينة المقدسة يعيشون تحت خط الفقر، إلا أنهم يدفعون 100% من الضرائب المفروضة بحقهم، التي تشكل ما نسبته 37% من إجمالي ميزانية بلدية الاحتلال، التي تقدم لهم 6% حداً أقصى من الخدمات.
• بلدية الاحتلال في القدس، وبحجة التطوير والتشغيل، وافقت نهاية عام 2021 على مخطط لإقامة ما سمته «مجمع تجاري وتشغيل»، فوق مساحة قدرها 66 دونماً، داخل أراضي المقدسيين بقرية «أم طوبا»، بحجة التطوير والتشغيل، إلى الشرق من مستوطنة «هارحوما».
• شهدت مدينة القدس خلال النصف الأول من العام الحالي 96 عملية هدم أو إغلاق منازل، بينها 31 عملية نفذت بأيدي أصحابها (هدم ذاتي)، تفادياً للاعتقال، ودفع غرامات مالية باهظة مقابل أجرة طواقم وآليات البلدية، حال تولت عملية الهدم.