«الناتو» يوسع نفوذه في منطقة آسيا والمحيط الهادي
منذ بدء الحرب في أوكرانيا العام الماضي، باتت اجتماعات حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقممه تحظى بأهمية أكبر بكثير مما كانت عليه في السنوات السابقة، وهناك العديد من البنود المهمة على جدول الأعمال في قمة فيلنيوس عاصمة ليتوانيا، التي بدأت يوم الثلاثاء الماضي.
وبالطبع فإن القضية الأكثر أهمية هي مستقبل الدعم العسكري لأوكرانيا في الحرب الدائرة هناك، خصوصاً في ظل التقارير التي تتحدث عن تأجيل شحنات الأسلحة، وقرار الولايات المتحدة المثير للجدل والمتضمن إرسال ذخائر عنقودية إلى أوكرانيا.
مصالح «الناتو» في المحيط الهادي هناك أربعة من القادة تمت دعوتهم إلى قمة «الناتو» من منطقة آسيا المطلة على المحيط الهادي، هم: رئيس حكومة أستراليا أنتوني ألبانيز، ورئيس حكومة نيوزيلندا كريس هبنكنز، ورئيس حكومة اليابان فوميو كيشيدا، ورئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول. ويحضر هؤلاء الأربعة للمرة الثانية بعد حضورهم قمة «الناتو» في مدريد العام الماضي.
ورغم أن جهود التواصل التي يتم بذلها مع منطقة آسيا والمحيط الهادي لاتزال في بدايتها، فإنها أثارت بعض الانتقادات في الأيام الأخيرة. ووصف رئيس حكومة أستراليا السابق بول كيتنغ، أمين عام حلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ بأنه «أحمق كبير»، لأنه يعزز علاقات الحلف مع دول المنطقة. ويقال إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عارض افتتاح مكتب ارتباط مقترح لحلف الناتو في طوكيو.
وبالنظر إلى أن حلف الناتو يركز على أوكرانيا في الوقت الحالي، فإن مصالحه في منطقة تقع في النصف الآخر من العالم تثير بعض التساؤلات، ولماذا أصبح هؤلاء القادة الأربعة متواجدين بصورة مستمرة في قمة لدول أوروبا وأميركا الشمالية؟
أولاً هذه الدول كانت من بين أبرز الأعضاء في الائتلاف الدولي لدعم أوكرانيا وفرض العقوبات على روسيا، وبناء عليه فإن وجودها في مؤتمر أمني حيث يتم التركيز على أوكرانيا يبدو منطقياً، والأمر الأكثر أهمية أن منطقة آسيا والمحيط الهادي حظيت بالاهتمام في المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو عام 2022، والذي كان عبارة عن وثيقة أساسية تلخص قيم الحلف وأهدافه ودوره.
وللمرة الأولى في العام الماضي أشارت هذه الوثيقة إلى طموحات الصين وسياساتها باعتبارها تحدياً رئيساً لأمن حلف الناتو، كما تناولت بصورة محددة التعاون الصيني الروسي المتزايد الذي يرى «الناتو» فيه تهديداً «للقواعد التي يستند إليها القانون الدولي». وبناء عليه وصفت وثيقة المفهوم الاستراتيجي المحيطين الهادي والهندي بأنهما يتسمان بـ«أهمية كبيرة لحلف الناتو بالنظر إلى أن التطورات في تلك المنطقة يمكن أن تؤثر بصورة مباشرة على أمن أوروبا والمحيط الأطلسي»، وهذا ما يجعل هذه القضية واضحة تماماً بالنسبة للناتو لتعزيز شراكته في المنطقة وتطوير شراكات جديدة.
الشراكات الجديدة
ناقش خبراء السياسة مزايا وعواقب هذا المستوى من توسيع التعاون، لكن رغم التردد بين بعض المعلقين، فإن دول آسيا المطلة على المحيط الهادي التي ذكرت آنفاً، تريد عادةً الانتقال باتجاه تعزيز تعاونها مع حلف الناتو.
وبالفعل، فإذا كانت قمة مدريد فرصة للدول الأربعة كي تظهر دعمها لأوكرانيا وتعهدها بالتزام أقوى مستقبلاً للتعاون مع حلف الناتو، فإن قمة فيلنيوس ستكون بمثابة معيار لتقييم التقدم الذي تم تحقيقه، ولهذا أثناء التحضير للقمة كان حلف الناتو يعمل لإضفاء الطابع الرسمي على شراكاته مع الدول الأربع.
وكانت اليابان وأستراليا في مقدمة هذه الجهود، وذكرت وسائل الإعلام اليابانية الأسبوع الماضي أن طوكيو وكانبيرا أنهتا مفاوضاتهما مع حلف الناتو بشأن اتفاق جديد يدعى «برنامج الشراكة المصمم بصورة فردية»، ويحدد هذا البرنامج المناطق الرئيسة للتعاون بين كل دولة وكتلة الناتو، وتعمل نيوزيلندا وكوريا الجنوبية على إنهاء اتفاقاتهما الفردية مع الحلف أيضاً.
وستركز هذه الشراكات إلى حد كبير على مجالات الاهتمام العالمي مثل أمن البحار، والأمن السيبراني، وأزمة تغير المناخ، والفضاء الخارجي، والتقنيات الناشئة، بما فيها الذكاء الاصطناعي.
ومن وجهة نظر دفاعية، سيهدف حلف الناتو وشركاؤه الأربعة إلى تحسين «إمكانية التشغيل البيني» لجيوشها، أي قدرة قوات جيوش وأنظمة دفاع مختلفة على العمل معاً بصورة فعالة ومنسقة لتحركاتها، وربما يتطلب ذلك تعميق معرفة الأصول العسكرية، وتحسين العلاقات بين جنودها، وكوادر الجيش الأخرى، وتوسيع التدريبات المشتركة.
الرد على التحديات
يمكن تفسير تعزيز وتعميق العلاقات بين حلف الناتو وشركائه من دول آسيا والمحيط الهادي على النحو التالي: تشكل هذه الشراكات رابطاً مهماً في توسيع شبكة العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، ودول آسيا المطلة على المحيط الهادي. وتعتبر تكملة لشراكات مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأستراليا، واتفاقية الحوار الأمني الاستراتيجي بين اليابان وأستراليا والهند والولايات المتحدة.
وعلاوة على ذلك نستطيع رؤية هذه الاتفاقات في سياق تواصل الناتو المتطور مع بقية العالم خلال العقدين الماضيين.
وفي السابق كان تعاون حلف الناتو مع دول آسيا المطلة على المحيط الهادي ينطوي على تجميع الموارد من أجل العمليات الأمنية في الدول غير الأعضاء لحلف الناتو، مثل البلقان في تسعينات القرن الماضي، وأفغانستان منذ عام 2000.
وفي هذه الأيام يعتبر تعزيز الشراكات جزءاً مهماً من الرد على التحديات والتهديدات المحتملة.
وبالطبع فإن هذا لا يعني أننا سنرى المعدات العسكرية للناتو أو جنوده مرابطين بصورة دائمة في دول آسيا المطلة على المحيط الهادي، ولن يكون من الواقع توقع أن تؤدي المساهمات العسكرية لدول آسيا المطلة على المحيط الهادي لأوكرانيا إلى بقاء هذه الدول في أوروبا بصورة دائمة. وبشكل مشابه رغم أن كل هذا يهدف إلى تعزيز التعاون الأمني بين حلفاء الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي، فإنه لن يكون بأي حال من الأحوال مقدمة لتشكيل اتفاقية دفاع مشابهة للناتو في المنطقة.
ولكن بالنظر إلى تعقيدات التوترات الحالية في روسيا والصين، ثمة حاجة لتنسيق وتعاون أكبر بين مجموعة أكبر من الدول، وهذه الشراكة الجديدة يمكن أن تكون فعالة لمعالجة كل شيء بدءاً من المعلومات المضللة إلى أمن البحار، والدفاع السيبراني والتنافس في الفضاء.
ويفضل الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين إبطاء هذه الشراكات، كما أن بكين انتقدت مكتب حلف الناتو المقترح في طوكيو واعتبرته محاولة «لتدمير أمن واستقرار المنطقة». وربما تجد الصين وروسيا بعض الراحة في رؤية خلافات واضحة بين الشركاء الأربعة في ما يتعلق بمستوى مشاركتها المنشودة في حلف الناتو، ولكن هذه الدول يمكن أن تتفق على حقيقة أساسية مفادها أنها تتوقع مزيداً من التنافس مع الصين وروسيا في المستقبل.
• بالنظر إلى تعقيدات التوترات الحالية في روسيا والصين، ثمة حاجة لتنسيق وتعاون أكبر بين مجموعة أكبر من الدول، وهذه الشراكة الجديدة يمكن أن تكون فعالة لمعالجة كل شيء.
غورانا غرجيك ■ أستاذة السياسة الخارجية في جامعة سيدني الأسترالية