على مدار 55 عاماً تخوض صراعاً مع الاحتلال للحفاظ على إرث والديها

الحاجة المقدسية «نورة» باتت في الشارع.. المنزل الأخير في قبضة المستوطنين

صورة

«بيت أبي وأمي ضاع».. بدموع منهمرة ودعت الحاجة المقدسية نورة صب لبن (68 عاماً) حجارة منزلها وأبوابه دون رجعة، بعد أن جاورت بداخله منذ أن كانت طفلةً المسجد الأقصى المبارك على مدار 55 عاماً، وتحديداً في حي عقبة الخالدية العتيق. وبينما تقف أمام منزلها للمرة الأخيرة رفقة أولادها وزوجها الحاج مصطفى (76 عاماً) الذين يحاولون التخفيف من حزنها، اقتحم المستوطنون بحماية قوات الجيش الإسرائيلي وبقيادة المستوطن إيلي عتال منزلها الذي يتوسط بؤرة استيطانية أقيمت سابقاً داخل البناية السكنية التي يمتلكها والدها منذ 70 عاماً.

وبذلك تكون الجمعيات الاستيطانية استولت على المنزل الأخير في البناية السكنية التابعة لوالد الحاجة نورة، بل المنزل الأخير في حي عقبة الخالدية الذي يشهد انتشار المستوطنين داخل المنازل المقدسية بعد الاستيلاء عليها من أصحابها الأصليين خلال الأعوام القليلة الماضية.

استيلاء بقوة السلاح

«إن نهب المستوطنين بيتي كطعن سكين في خاصرتي».. تصف الحاجة نورة في حديث خاص مع «الإمارات اليوم» لحظات الاستيلاء على منزلها أمام عينها، وهي تقف عاجزة لا تمتلك القدرة على الذود عنه من قبضة المستوطنين الذين اقتحموه رفقة القوات الإسرائيلية في ساعات الصباح الباكر من يوم 11 يوليو الجاري.

وعلى الفور أخرجت قوات الاحتلال الحاجة نورة بقوة السلاح من منزلها الذي يبعد أمتاراً عدة عن الحرم القدسي، خلال عملية الإخلاء لصالح المستوطنين، ومنعتها من إخراج محتويات المنزل، وما إن أوصد باب منزلها في وجهها وباتت في الشارع، أصبح منزل والدها في قبضة المستوطنين.

وما هي إلا لحظات قليلة حتى طل المستوطنون وأولادهم على الحاجة نورة من نوافذ منزلها في محاولة لاستفزازها، فيما تحيط القوات الإسرائيلية البيت من النواحي كافة، لتوفير الحماية للمستوطنين الذين أصبحوا بداخله. ورغم ذلك لم تفارق صب لبن منزلها الذي يحيط به الجنود، حيث قضت ساعات طويلة تتفقد حجارته من الخارج، وتودع شتلات الزهور التي زرعتها على شرفاته لتزين إطلالة بيت والديها على المسجد الأقصى مباشرة.

وتقول الحاجة نورة بينما تتكئ على كتف ابنها البكر أحمد: «إنني عاجزة عن الحركة خطوة واحدة بعيداً عن منزلي، الذي يبلغ عمره أكثر من سبعة عقود من الزمن، حيث قضيت بداخله سنوات عمري كاملة، ليحتضن ذكريات والدي وأشقائي، وكذلك أولادي وأحفادي».

نكبة ثالثة

الحاجة صب لبن تشهد اليوم نكبة جديدة للمرة الثالثة، فوالدها هجر قسراً منزله في الداخل الفلسطيني المحتل خلال أحداث نكبة تهجير الفلسطينيين عام 1948، وخلال أحداث احتلال القدس والضفة الغربية عاصرت الحاجة نورة عملية التهجير القسري، واليوم تطرد من منزلها في عملية تهجير يشهدها أولادها وأحفادها.

وتقول (أم أحمد) بحزن شديد: «إنني أودعت بيتي وحجارته والماضي والذكريات وروح أمي وأبي بداخله لله الحق الوكيل، والحق لا يسقط بالتقادم، وكما يورث للأجيال المتعاقبة، فإن مشاهد تهجيري من منزلي، وإحلال المستوطنين بداخله أورثها لأبنائي وأحفادي الذين عاصروا عملية إخلاء بيتنا».

وتضيف: «إن أحفادي هم حلقة الوصل بين جيل والدي صاحب المنزل المسلوب والأجيال المقبلة على مر السنين، للدفاع عنه، واسترجاعه من مخالب الاستيطان حتى لا يضيع حقنا وممتلكاتنا في وطننا المسلوب».

وتشير الحاجة نورة إلى أن جمعية «جاليتسيا» الاستيطانية تسعى منذ زمن بعيد لإخلاء العائلة المقدسية من منزلها التاريخي داخل منطقة تشهد وجوداً كثيفاً للبؤر الاستيطانية، إلى جانب جمعيات استيطانية أخرى أبرزها «عطيرت ليوشناه»، و«عطيرت كوهنيم»، لطردنا كعائلة مقدسية وحيدة. وتضيف الحاجة المقدسية: «في عام 2019 سلب المستوطن إيلي عتال منزل عائلة أبوعصب المجاور لمنزلي منذ عشرات السنين، ليشرد سبعة أفراد جلهم من الأطفال، واليوم هو ذاته من أشرف على طردي من منزل والدي، ليغتصبه المستوطنون بتعليمات منه».

تاريخ مسلوب

الحاجة (أم أحمد) سطرت على مدار 55 عاماً حكاية تحدٍّ وصمود أمام المحاولات المستمرة للاستيلاء على منزلها ومواجهة أطماع المستوطنين داخل أروقة محاكم الاحتلال، لتحافظ على إرث والديها داخل مساحة لا تتجاوز 55 متراً مربعاً، بجوار أولى القبلتين.

وتتكون بناية عائلة صب لبن من ثلاثة طوابق: الأول نهبه المستوطنون إلى جانب أجزاء أخرى من الطابق الأرضي للمنزل ذاته، أما الطابق الأخير فعاشت بداخله الحاجة نورة رفقة زوجها مصطفى صب لبن (73 عاماً) حتى العاشر من يوليو الجاري، والذي تطل نوافذه من الداخل على مشاهد تاريخية تأسر القلوب، أبرزها مسجد قبة الصخرة المشرفة، ذهبية اللون.

وتسرد الحاجة نورة تاريخ منزل والدها المسلوب: «في عام 1953 استأجر والدي المنزل بموجب عقد إيجار محمي من الحكومة الأردنية، عندما كانت مدينة القدس خاضعة للوصاية الأردنية، فولدت ونشأت وكبرت، وقضيت أيام حياتي داخل الأزقة الضيقة العتيقة بجوار الحرم القدسي».

وتسترسل: «إن استمرار تواجدنا في منزلنا لم يرُق للاحتلال، ليضعه بعد احتلال القدس عام 1967 تحت إدارة ما يسمى (حارس أملاك الغائبين)، رغم امتلاكنا ما يؤكد حقنا من وثائق ومستندات ورثتها عن والدي».

وتنوه الحاجة المقدسية إلى أن صراعها مع الاحتلال لسلب منزلها انتقل إلى أروقة المحاكم الإسرائيلية منذ عام 1985، لتنقل القوات الإسرائيلية الوصاية على منزلها من دائرة الأملاك العامة إلى جمعية عطيرت كوهنيم الاستيطانية عام 2010.

وخلال الفترة الزمنية الممتدة منذ عام 2010 حتى 2016، خاضت الحاجة المقدسية نورة معركة قضائية جديدة داخل محاكم الاحتلال التي حرمتها ترميم منزلها وجدرانه المتصدعة منذ عام 2001، كما منعت تواجد أولادها داخل منزلها، لحرمانهم المطالبة بحق الحماية كجيل ثالث، الأمر الذي شتت أوصال العائلة الواحدة في أحياء متفرقة داخل المدينة الواحدة، منها بلدة شعفاط التي تقع خارج البلدة القديمة التي تسكنها منذ سبعة عقود.

• الحاجة صب لبن تشهد اليوم نكبة جديدة للمرة الثالثة، فوالدها هجر قسراً منزله في الداخل الفلسطيني المحتل خلال أحداث نكبة تهجير الفلسطينيين عام 1948. وخلال أحداث احتلال القدس والضفة الغربية عاصرت الحاجة نورة عملية التهجير القسري، واليوم تطرد من منزلها في عملية تهجير يشهدها أولادها وأحفادها.

• خلال الفترة الزمنية الممتدة منذ عام 2010 حتى 2016، خاضت الحاجة المقدسية نورة معركة قضائية جديدة داخل محاكم الاحتلال، التي حرمتها ترميم منزلها وجدرانه المتصدعة منذ عام 2001، كما منعت تواجد أولادها داخل منزلها لحرمانهم المطالبة بحق الحماية كجيل ثالث، الأمر الذي شتت أوصال العائلة الواحدة في أحياء متفرقة داخل المدينة الواحدة، منها بلدة شعفاط التي تقع خارج البلدة القديمة التي تسكنها منذ سبعة عقود.

تويتر